0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

العجلوني يكتب.. الأشخاص المزعجون المتعبون :إزعاج الآخرين صناعتهم ومتعتهم

كتب. د. يوسف العجلوني

الحياة غريبة والناس انواع واشكال، ودائماً هنالك أشخاص في الحياة يرغبون في إزعاج الآخرين وتعكير صفو حياتهم وسعادتهم، ومن الطبيعي أن نواجه أشخاصاً من هذه الفئة، ولكن ليس هنالك ما يجبرك على التعامل معهم.

بعض الناس قريبون من الشر أكثر منه إلى الخير ، ولم يكن يوماً الخير بطبعهم. أنانيون تقودهم مصالحهم، يفترسون حتى أقرب الناس إليهم ، لهم قدرة على التحايل والتصنع والنفاق، مستعدون لممارسة كل أنواع الشرور ، ولا يهمهم مشاعر الآخرين. يحبون التسلط والتحكم بالآخرين، يجيدون فن الإحباط والاستعباد. يميلون إلى تهويل الأمور في كل شيء ، ويُرهقون مَن يتعامل معهم.

الأشخاص المزعجون المتعبون ينظرون للأمور من زاوية مظلمة ، وحلولهم كما يرونها هم ، ودائماً يلومون الآخرين ، ولا يلومون أنفسهم ، يُطالبون بالحب والاحترام دون تقديمهما، يوجهون الاتهامات اللاذعة للجميع دون وجه حق، ولا يرون إلا الجزء الفارغ من الكأس في كل شيء، يجدون متعة في السيطرة على الآخرين، ولا يرضون بأقل من التسليم الكامل لهم دون كلام أو حركة، وأن ينفذ الآخرون رغباتهم دون أي اعتراض .ذمُّ الآخرين وذكرُ عيوبهم وأخطائهم أمام الناس هو جُلّ اهتمامهم ، ليس لديهم أهم من موضوع فضائح الناس ووضعهم في مصائب، يستمتعون بعمل الفتن، ويعتقدون انها نصر، وكأن سياستهم ‘فرق تسد’.

الأشخاص المزعجون تثير عصبيتهم أتفه الأسباب ، يفقدون السيطرة عند أصغر المواقف، دائماً يزعمون أنَّهم على صواب، ويحاولون إثبات وجهة نظرهم دون تقبل الرأى الآخر مهما كان، ويُسفِّهون آراء الطرف الآخر ويعملوها سخرية بدون أي خصوصية أو احترام، ينظرون للنقاشات على أنَّها معركة يجب أن يكسبوها، ويفضحوا صاحبها، ولا يهمهم كسب القلوب ولا المشاعر.

بعضهم يَظهر للعامة مُقنّعاً بشخصية جذابة وساحرة وكلام جميل، وتصرفات في قمة المثالية، ولكنهم في الحقيقة جاهزين لاستغلال أي شخص من أي لون أو عرق وحتى من عائلاتهم أو أقاربهم أو زملائهم، وممكن أن يلحقون بهم الأذى ولا يشعرون بالندم، يفتقرون إلى التعاطف والإنسانية ، لهجتهم وقحة، لا يسمعون النقد البناء، ولا يحترمون الرأي الآخر، ولا تهمهم الأخلاق، لديهم وجهة نظر معززة عن أنفسهم ، ولا يتركون مركباً سائراً إلا ووضعوا أمامه مختلف العراقيل.

السادية الواضحة في شخصياتهم تجعلهم يستمتعون بالإثارة عبر مشاهدتهم لشخص ما في وضع ضعيف أو مُهَدَد، وقد يلحقون الأذى أو الألم بشخص آخر مسالم لا يستطيع أن يرد الصاع صاعين، قسوتهم لا تُطاق، حتى في تنفيذ الحق لديهم متعة في تلويع الآخرين، والتنزيل من قيمتهم ومس كرامتهم. يبثون سمومهم في حياتنا، التي تجعل الجميع في معاناة، من يرى السم يعاني، ومن يصيبه السم يعاني، وينتشر الكره والحقد والقسوة والعقد النفسية والكآبة.

لا أحد يستطيع الدخول إلى قلوب الأشخاص المزعجين ليعرف لماذا هم هكذا ؟ هل ممكن أن يكون تصرفهم دون وعي أو إدراك للضرر الذي يسببونه للآخرين ؟ هل ممكن أن يكونوا على إدراك بما يفعلون ويجدون متعةً في ذلك ؟ هل هم يلعبون ويستمتعون بلعبة غايةً في القسوة ؟ هل مورس عليهم ما يُشابه ما يمارسونه الآن ؟ هل قلوبهم يملأها الحقد والغيرة والأنانية ؟ هل هم مرضى نفسيين وبحاجة لطبيب متمرس بالحالات الصعبة المستعصية ؟!.

هذه الشخصيات تشدنا دائماً للأسفل، وتستنزف طاقتنا الإيجابية، وتكسرنا عاطفياً، وتتركنا في يأس لا يفهمه غيرنا، بائسين مكسوري القلب، ومشغولين الفكر بما يحدث، وقد امتلأت أيامنا بالمشاعر السلبية التي لا شك أنها تؤثر على أدمغتنا وتسبب حالة من التوتر الشديد، وجميعنا يعرف أن التعرض لهذا الضغط الكبير والتوتر لأيام قليلة قد يسبب ضرراً بالغاً للخلايا العصبية، ولا شك أن التعرض لهذا الضغط لمدة أطول بالشهور والسنوات سوف يؤدي إلى تدمير كل الخلايا العصبية في الدماغ ويسمم كل باقي الأعضاء ويضعفها.

المصيبة عندما يكون هؤلاء الأشخاص قريبون منك، وهم يعرفون عنك كل شيء، ويراقبون تفاصيل حياتك وخصوصياتك ويقتنصون الفرص ليستعملوا أي حدث ضدك، بمصلحة او بدون مصلحة، وحتى ولو فقط لإرضاء شعورهم السام، وتأكد دائماً أنهم سيأخذون منَّك الكثير، ولن يعطوك إلا القليل، مع الكثير من الإزعاج والقلق وقلة القيمة، لان الشخص المزعج غالباً ما تكون صداقاته لغرض معين، ويحب مصاحبة الضعاف وأصحاب المصالح والخانعين الذين يطيعونه في كل شيء، ويشعرونه بالسيادة والتميز، ويضحكون لنكاته السخيفة، ولذلك هو يميزهم على الآخرين ويرضيهم.

الإنسان المزعج متعصب لآرائه وأفكاره، ويسارع بإصدار الأحكام، يزعجه وجود الأشخاص السعداء ، لذلك يحاول تعكير صفوهم، دائم الانتقاد والسخرية لمن حوله، لا يملك ثقافة الإعتذار، وهو يعرف أنه مخطئ، هو يرى نفسه دائماً على حق ولا يعترف بالحق أبداً، يعتبر أي كلام موجه له هو تحدٍّ شخصي له، ويقوم بالرد عليه بكل قوته، لا يَثبت على رأي أو مبدأ، دائم التقلب، لا يثق بأحد، ويشكك بإخلاص أقرب الناس له.

الأشخاص المزعجون هم خبراء في الإساءة، وعندما يحاول شخص ما مواجهتهم بشأن سلوكهم السام، يمكنهم قلب الحقائق وأخذ الحق لأنفسهم، محترفون في التلاعب بالحقائق والأحداث والتاريخ كما يريدون، يكذبون بشكل متكرر، علاقاتهم القريبة مع الناس لا تدوم، ولديهم سلسلة من العلاقات غير الناجحة خاصة مع الناس الذين كانوا في أشد القرب لهم.

يكفي الم والحديث عن السلبيات، ويجب أن نفكر فيما نحن فيه، ونحدد هؤلاء الناس الذين يجعلون حياتنا متعبة وصعبة، والذين بمجرد ذكرهم سوف تشعر بالقلق، وعندما تراهم تشعر بالإنزعاج والتوتر، واذا خالطتهم تبدأ بالمعاناة، الأفضل والأسلم لقلبك وأعصابك هو تجنب إمكانية تواجدك في أماكن تواجدهم، ويجب أن تضع مسافة بينك وبينهم مهما كانت العلاقة التي تربطك بهم.

في جميع الأوقات، من الأفضل أن تتصرف وفق رغباتك لا وفق رغباتهم، ولا تسمح لهم أن يتحكمون في حياتك مهما كانت الظروف، ولا تسمح لهم أن يُملون عليك ما يجب عليك فعله ولا كيف تفعله، وهنا ممكن ان تجرب مواجهتهم ومصارحتهم بمشاعرك في جميع الاتجاهات، وكل ما يزعجك من أسلوب تعاملهم، وانك لا تقبل أي تجاوزات للحدود، وانه لا يجوز التدخل في أمورك الخاصة ، وإنه من حقك ان لا تقبل آرائهم ولا نصائحهم التي لا تناسبك.

الحياة والايام والواقع اثبت أنه لا يُمكنك أن تُغيّر الآخرين، مع وجود بعض الاستثناءات، وإنّ مُحاولة تغير الناس تُعدّ من أصعب الأمور، وأثبتت فشلها في التّعامل مع الكثير من الأشخاص المُزعجين، والصحيح أن تسعى لتغيير نفسك من الّداخل وتغيير طريقتك في التعامل، وتنظر من عدة زوايا لمختلف الأمور بحيث تصبح أنت قادراً على التّعامل مع هؤلاء الذي انت تراهم مزعجين، وممكن ان يكونوا غير ذلك عندما تتغير الايام والظروف.

إن الإنخراط مع الأشخاص المزعجين بجدالٍ لا يُفيد ولا يُرتجى من ورائه أيّ نتيجة، هو ضربٌ من الغباء وجلبٌ للتعاسة وفتح نار ممكن أن لا تنتهي، والصحيح هو إنهاء ما يسمى بالنِّقاش بأسرع ما يمكن، والخروج من الموقف، لأنّك ستدخل معركةً أنت الخاسر فيها مهما كانت النتيجة.

إنّ الحياة التي تعيشها أنت هي حياتك، وليست للآخرين، وأنت من يُقرر كيف يعيشها، وأنت من يجبُ عليه اتّخاذ القرار في جميع الأمور، ولك الحق بفعلِ ما تريد، لا ما يُريده الاخرون، وليسَ من صالحك وحياتك تركهم يُقرّرون أيّ تفصيلٍ يخصك، والأحسن لك تنحيتهم عن حياتك وتقنع نفسك بعدم وجودهم، حيث أن وجودهم لن يفيدك يوماً بشيء، وعلى العكس سوف يكون الضرر منه أكثر من النفع.

هنالك أناس يقولون أنه يجب أن نتقبل أصحاب الشخصيات المزعجة، ونحاول أن نكون داعمين لهم وإيجابيين معهم ومساعدتهم ليروا النصف الممتلئ من الكأس، وأنا أقول ممكن أن نحاول معهم عشرات المرات ولكن مع الانتباه والحذر الشديد، لأنَّ هنالك خطر العدوى السلبية التي ينقلها إلينا أصحاب الشخصيات السامة، والأفضل هو وضع حدود لعلاقتنا بهم قدر الإمكان، وإن شعرنا أنَّ وجودهم بحياتنا يؤثر على طاقتنا وعلى سلامتنا الفكرية أو النفسية، فيجب الإسراع بوضع الحدود او بالبعد أو حتى إنهاء العلاقة.

إذا اضطرتك الظروف أو الأيام للتعامل مع الشخص المزعج، يجب عليك المحافظة على الهدوء وعلى الثبات، وإدارة مشاعرك وانفعالاتك، ولا تسمح لهم باستفزازك أو زعزعة توازنك او تصرفاتك، والأفضل في معظم الاحوال هو الصمت، ويمكن أن تقوم بالحد من المدة التي تقضيها معهم، والابتعاد عن خوض أي نقاش معهم، وعليك أن تقابل الحديث المزعج والانتقادات المقرفة بكل برود، ولا توفر أي فرصة للقصف بذكاء، ولا تتابع الأمر بعد انتهاء اللقاء، وارمِ كل ما حدث وراء ظهرك.

لراحة بالك ولأنك وصلت مرحلة من مراحل الرقي الفكري، يجب عليك البحث عمن يمتلكون عقلية مشابهة لعقليتك، ابحث عن الأشخاص الإيجابيين والمتفائلين والسعداء، أصحاب الفكر والمعرفة والمحبة والعاطفة، الأشخاص الذين يُحسِّنون المزاج، ويريحون القلب، ويمدونك بالطاقة والايجابية، ويجلبون لك الحياة المريحة والأوقات السعيدة. ابتعد عن الشخصيات السامة، ولا تنظر لأي فائدة منهم، لأنَّ التعامل معهم يؤثر سلباً على صحتك النفسية، ولا تتردد في بقطع العلاقة معهم في أقرب مناسبة لذلك.

اليوم يجب عليك أن تؤمن بنفسك وبقراراتها، وتثق في اختياراتك وأصحابك، ومن تتعامل معهم، فأنت لك شخصيتك وظروفك المختلفة عن الآخرين، فلا تنتظر مساعدةً من الآخرين، ولا تبحث عن آراء من ليس منه فائدة في كل مرة تريد ان تتخذ فيها قراراً، ويجب عليك أن تُعوّد نفسك على فعل الأشياء بنفسك دون الاعتماد على الآخرين، ولا تجعل شخصيتك وأمورك ومناسباتك مرهونة برضا الآخرين، ولا تعش في عباءة غيرك، واحترم نفسك وعزها، وابتعد عن الأشخاص الذين يظنون أن عليك تقديسهم أو الخضوع لهم أو تبعيتهم، هؤلاء دائما يحاولون ان يمنعوك من الاستقلالية بذاتك، وان تبقى تحت سيطرتهم ويعطوك بعض المغريات، وممكن بغبائك أن تتعود على الاستعباد والبقاء داخل القفص، وتبرره وتعتبره طبيعياً، وهنا هي الطامة الكبرى، وسوف تخاف المعيش خارج القفص، وهنا تذكر قول إليخاندرو جودوروسكي أن “الطيور التي تولد في القفص تعتقد أن الطيران جريمة”. دائماً حافظ على مسافات صحية مع جميع الناس، ولا تضع نفسك في حاجة لأحد قدر المستطاع، ويجب أن تدرك الفرق بين المشورة وبين الإنصياع لآراء الآخرين وتبعيتهم، المشورة شيء محبب وحميد، ولكن التبعية مهما كانت الفائدة التي تظنها منها، لن تجلب لك إلا قلة القيمة وعدم الاستقرار وستفقد احترامك لنفسك وقدراتك.
وتذكر دائمًا أن الحياة هي خيط دخان.