عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

د.العجلوني يكتب..القرار في غير وقته والإجراء الخطأ يسارع في إنهاء حياة المريض

د. يوسف العجلوني

تعتبرالأخطاء الطبية من أهم القضايا التي يتم الحديث عنها في السنوات الأخيرة، فقد أصبحت شائعة ومتكررة، وتهدد مستوى الرعاية الطبية، حيث أنها تشكل خطراً على حياة المرضى وتعتبر قلقاً كبيراً للأطباء والممارسين الصحيين، وممكن أن تكون عائقاً في طريق التقدم الطبي.

وبتنا كثيراً مانسمع عن الأخطاء الطبية حديثاً، ممكن بسبب زيادة أعداد السكان أو بسبب زيادة الوعي لدى الكثير فيما يتعلق بهذا الموضوع، وممكن بسبب تطور الطب، الذي أصبح يحاول جاهداً علاج أمراض أكثر استعصاءً مثل الأورام.

من واجب الطّبيب وقدسية المهنة المحافظة على حياة المريض وحقوقه الصحيّة والنفسية، وأخذ الحيطة والحذر، والإلتزام بالدّقة المتناهية أثناء ممارسة المهنة الطبيّة من أجل شفاء المريض ومنعاً لحدوث أي مضاعفات أو أخطاء طبية.

يجب على الطَّبيب تقديم العلاج للمريض وتلبية نِداء الإنسانيَّة ونداء الواجب المهني، ولا بدَّ من قيام الطَّبيب بشرح الدَّاء وطريقة العلاج والدَّواء المقدَّم، وكذلك شرح التأثيرات الجانبيَّة والمخاطر المحدِقة بالتداخل الجراحي والعلاج بحسب ما تتطلَّبه الحاجةُ إلى ذلك العلاج، ويجب دائماً حِفظ كرامة المريض وعدم إفشاء السر، ولا يتم التصريح إلاَّ للمريض وأهله.

الأخطاء الطبية ليست محصورة على منطقة معينة، وتحدث في كل أنحاء العالم وبأعداد مختلفة حسب درجة متابعتها والإهتمام بعدم حصولها؛ منظمة الصحة العالمية تقول أن الأخطاء الطبية تصيب ١٠ بالمية من المرضى في جميع أنحاء العالم، ويشهد العالم حوالي ٤٣ مليون خطأ طبي سنوياً، وهنالك خمس وفيات ناجمة عن الأخطاء الطبية كل دقيقة حول العالم، وأن معظم الأخطاء الطبية تحدث نتيجة التشخيص غير الدقيق أو الخاطئ وبسبب الوصفات الطبية والأدوية غير المناسبة لحالة المريض، وأشارت المنظمة إلى أن عدد قتلى هذه الأخطاء يتجاوز ٢.٦ مليون خلال عام واحد فقط، وهذه الأخطاء الطبية في ازدياد ملحوظ، وتسبب ضرراً كبيراً على الفرد والمجتمع وعلى اقتصاد الدولة، إذ يبلغ مقدار الأضرار الناجمة مليارات الدولارات. وكلية الطب في جامعة هارفرد في تقريرها السنوي أعلنت أن الأشخاص الذين يتوفون سنوياً نتيجة الأخطاء الطبية (التي يمكن تفاديها) يصل عددهم إلى ٩٨ ألف حالة سنوياً في الولايات المتحدة الأميركية، وكان مجمل تكلفة هذه الأخطاء بين ١٧ مليار إلى ٢٩ مليار دولار أميركي سنوياً.

عادةً ما نسمع عن شخص ما ذهب إلى المستشفى لكنه توفي، أو أجريت له عملية وتوفي بعدها بأيام، أو تعرض لخطأ طبي كاد أن يودي بحياته، أو شخص أجريت له عملية في خصيته اليسرى بدل اليمنى. أو فشل الطبيب في تشخيص حالة المريض، أو عمل تشخيص خاطئ. أو أن عملية أجريت لمريض آخر غير الشخص المعني. أو تم إعطاء دواء خاطئ. أو أصيب مريض بالتهاب بعد زيارة المستشفى، أو أصابه ضعف جنسي بعد تناول دواء معين.

عندما يتوفى شخص ويكون هنالك شك بأنه بسبب خطأ طبي، القانون في العادة لا يأخذ مجراه، ويتدخل الناس بأن إكرام الميت دفنه، والموت قضاء وقدر، وهو واحد مهما تعددت الأسباب، ولا نتنبه إلى أن هذه الثقافة إنما تدفن مع بعض الجثث ملفات من الأخطاء الطبية القاتلة، ومعلومات في غاية الأهمية عن أسباب الوفاة والمسؤول عنها، وكيف كان ممكن أن نتفاداها، ونكسب الخبرة في إنقاذ حالات مستقبلية أخرى مشابهة لتلك الحالة.

الخطأ الطبيّ ممكن أن يحدث دون عمد أو قصد من قِبل أي من أعضاء الفريق الطبي، وقد يحدث نتيجة لتوتر أو خوف من الإجراء الطبي، أو لعدم المعرفة وعدم دراية بالإجراءت اللازم اتباعها في مثل هذه الحالات.

الخطأ الطبي هو كل مخالفة أو انحراف في سلوك الطبيب أو الطاقم الطبي أو خروجهم عن القواعد والأصول الطبية وقت تنفيذ أي عمل طبي، أو نتيجة للإخلال أو عدم الإلتزام بتعليمات الحيطة والحذر التي يقضي بها العلم والخبرة.

الخطأ الطبّي ممكن أن يكون خللاً ناتجاً عن قلة العلم أو عدم الاختصاص أو انعدام الخبرة والكفاءة من الفريق الطبي، وقد يحدث نتيجة ممارسة إجراء طبي أو علاج أو عمليّة جراحيّة بطريقةٍ حديثة وتجريبيّة.

الأخطاء الطبية نوعان: الخطأ الفني: ويتم عند عدم الرجوع إلى الأصول والقواعد العلمية والفنية للمهنة، أو نتيجةً للجهل بهذه الأصول، أو عدم تطبيقها بالشكل الصحيح. والخطأ المادي: وهو متعلق بواجبات الحيطة والحذر العامة وعدم الإلتزام بها أثناء آداء الواجب تجاه المريض، مثل استخدام أدوات غير معقمة، أو مواد غير مرخصة أو منتهية المدة.

هنالك من يقسم الأخطاء الطبية إلى عاديَّة وهي التي لا تثير نقاشًا علميًّا أو تستلزم الرجوعَ لأهل الخبرة وهناك الأخطاء الجسيمة وهي التي تؤدّي إلى وفاة المريض أو إحداث عاهةٍ مستديمةٍ به. وجرت العادة ان لا يُسأل الطَّبيب عن خطئه إلاَّ إذا كان جسيماُ، ولكن المنطق والحق يقول إنَّه لا يوجد فرق في نوع الخطأ وحجمه، فالخطأ خطأ وممكن أن يتكرر وممكن أن يكون في المرة القادمة جسيماً، لذلك يجب أن تخضع جميع الأخطاء مهما صغرت للمسائلة القانونية، ويجب أن يكون هنالك مسائلة وعقاب حسب نوع ودرجة الخطأ والتبعات.

هنالك أصول حتى يتم اعتبار ما حدث مع المريض أنه خطا طبي؛ ويجب توفر شرطين: أولاً : أن تحدث المضاعفة الطبية أثناء تقديم الرعاية الصحية للمريض. وثانياً : أن يكون بإمكان مقدم الخدمة الصحية تفادي ما حدث.

الخطأ الطبي العَمد هو مصيبة وإخلالُ بواجبٍ المِهَنة على نحوٍ يخالف ما نصَّ عليه القانون أيًّما كان نوعه وطريقته، ويمكن أن يكون نوع من الإجرام، ولكن في معظم الأحيان من الصعب إثبات أن الخطأ وقع عمداً وخاصة في حالات الوفاة لعدم وجود المريض ليتحدث لنا عما حصل، وهنا يعتمد الموقف على دور الضمير في الاعتراف بالخطأ ومدى القدرة على كشف الحقائق. وهل يطبق القانون ؟ لا شك أن مسألة غياب الضَّمير المِهَني في العمل الطبي لها نسبة كبيرة في حدوث الخطأ الطبِّي، لأنه حتى لو عاش المريض فليس لديه العلم أو الثقافة عادةً التي تصل إلى حد كشف الخطأ.

الإهمال والتهاون واللامبالاة في كل ما يخص المريض هو خطأ طبي وإنساني، بسبب قسوة مقدم الخدمة الطبية، أو بسبب كثرة الحالات، أو طول ساعات الدوام، أو ضعف الشعور الإنساني، أو النظرة لكسب مال أكثر، والمعروف أن الإهمال ليس من صفات الطبيب اليقظ والمدرك لواجباته مهما كانت الظروف التي يتواجد فيها، ولذلك الإهمال هو خطأ طبي واضح ويحاسب عليه القانون.

المضاعفات التي لايمكن تفاديها، مثل المضاعفات المعروفة للمرض أو الدواء أو العملية والتي تم إخبار المريض بها قبل أخذ موافقة المريض على الإجراء، تعتبر مضاعفات جانبية وليست أخطاء طبية، ولا يُحاسب عليها القانون، وهي ما يشكل أغلب أسباب الشكاوى من المريض أو أهله، والسبب هنا يعود إلى ضعف التواصل بين الممارس الصحي والإدارة الطبية مع المريض وأهله.

من الصعب جداً إثبات الخطأ الطبي، وذلك لضرورة توفر شروط قانونية عديدة، من وجود علاقة مباشرة بين الإهمال الطبي والأضرار الناتجة عنه، ويجب أن يكون هنالك إثبات من المريض أن الإهمال الذي ارتكبه أحد افراد الفريق الطبي كان السبب المباشر في الأضرار التي لحقت به. وحتى يثبت الإهمال الطبي لابد من وجود معيار لا يمكن إغفاله أو تجاهله للرعاية الطبية ولم يقم به المتهم، وأن الرعاية تجاوزت المخاطر والأعباء المعقولة التي يمكن تحملها، ويجب أن يكون الإهمال يخالف المعايير الطبية المتعارف عليها في ممارسة الطب، ويحتاج إلى خبرة واضحة ودراية بالأصول القانونية والطبية وذلك للتأكد من حصول الخطأ.

هنالك أسباب عديدة للأخطاء الطبّية منها : عدم الإلتزام بالأسس العلميّة خلال ممارسة المهنة وعدم الدقّة في العمل، ووجود مشاكل شخصيّة بين المريض والطبيب أو الجهة الطبيّة، والتقصير في الواجبات الوظيفية، والإهمال في توقّعات النتائج، وعدم الاهتمام بحلّ النتائج السيّئة، وعدم التّركيز والدّقة في العمل بشكلٍ مناسب، وقد يكون نتيجة التعب الجسديّ والنفسيّ وامتهان من هم غير مؤّهلين للمهنة الطبيّة، واتّخاذ الإجراءات غير المناسبة، والبطء في معالجة الحالات الطارئة، وعدم استشارة الإختصاصات الأخرى التي يحتاج لها المريض، وتعطّل الأجهزة المستخدمة، وعدم وضع قوانين صارمةٍ للعاملين بالمجال الطبّي، وعدم التدريب الصحيح الكافي وعدم توفر الأجهزة الطبيّة الحديثة الضروريّة، والإهمال في تعقيم الأدوات وقلّة الرقابة والمتابعة، وعدم اختصاص مقدم الرعاية الصحية، وعدم توضيح الخطة العلاجية للمريض، وعدم تعاون مرافقي المريض أو المريض نفسه، وعدم تطبيق معايير السلامة في المستشفيات، والعشوائيّة في العمل، وتشابه الأسماء بين المرضى، وعدم صدق المريض في قصته السريرية، وتشتت المريض بالمتابعة بين عدد من الاختصاصيين، واختلاف أماكن العلاج، ومراجعة الأطباء الذين هم ليسوا من ذوي الإختصاصات المطلوبة، ونظرة المريض للتوفير المادي.

الطبيب في العمل الطبي مطالَب ببذل جهد وعِناية لعلاج المريض وليس بتحقيق نتيجة، ومن حق المريض أخذ العلاج المناسِب، ومن حق الطبيب الدفاع عن نفسه وكرامته، وحماية كيانه كإنسان. من حق الطبيب أن لا يعالج مريض أساء له، ومن حق المريض أن لا يُعالج دون رضاه، ما عدا الحالات التي تتطلب تدخلاً طبياً طارئاً، حيث أن الطبيب هنا ملزم، ولا يجوز الامتناع عن علاج المريض، بغض النظر عن الموقف، وفي حالة عدم تناسب اختصاصه مع طبيعة التدخل الطبي الذي تتطلبه حالة المريض المصاب، يتم إجراء الإسعافات الأولية اللازمة له، ثم توجيهه إلى ذوي الاختصاص.

الأخطاء الطبية في الأردن محدودة جداً مقارنة بعدد الأخطاء التي يتم تسجيلها في الدول المتقدمة، وذلك بفضل الجو الاجتماعي الأردني، وطبيعة الأردنين وجديتهم بالعمل، والعرف المتداول، وكفاءة ومهارة الأطباء، وبفضل التشريعات والقوانين الصارمة، وعدالة القضاء.

هنالك الكثير من الإجراءات التي من الممكن أن تخفض من الأخطاء الطبية، ابتداءً من طريقة التدريس في الجامعات إلى معايير الكفاءة والخبرة المتبعة، وتوفير الاستقرار الوظيفي، وبيئة العمل، وتوفير مناخ ملائم للأطباء، وتوفير الحماية للمرضى لكافة حقوقهم،
واتباع البروتوكولات والإجراءات الصحيحة المجربة، والتعامل بوضوح، وعدم التكتم عن أي معلومة من شأنها أن تساعد أو تمنع عملية الشفاء، وشرح الأدوية الموصوفة للمريض من حيث الجرعة والوقت. يجب على الممارس الصحي أن يسأل المريض عن قصته السريرية بالكامل، وأن يضع أمامه جميع المخاوف المحتملة. يجب على المريض التأكد من اختصاص الطبيب وخبرته في مجال عمله. يجب أن تكون هنالك خدمة صحية متكاملة، والعمل بروح الفريق، وتطبيق مهارات الاتصال والتواصل. يجب على المريض أن يعلم أن إلاكثار من أخذ الأدوية أو اجراء التحاليل أو الممارسات غير الموصوفة من قبل طبيب مختص هي أمر غير لازم. يجب على المريض مراجعة الأماكن الموثوقة وسؤال المختص عن الحالة الصحية، وفهم جميع المضاعفات التي يمكن أن تحدث، والأشياء التي يمكن أن تساهم في الشفاء. الفريق الطبي يجب أن يتألف من جميع الاختصاصات. يجب تطبيق معايير الجودة وتقديم خدمات ذات كفاءة عالية.

حتى بوجود الأخطاء الطبية، يجب أن تستمر وتتطور مهنة الطب، ويجب أن يكون هنالك إجراءات قانونية تكفل حماية مزاولي المهن الطبية؛ لا يجوز التحقيق مع مزاولي المهن الطبية أو القبض عليهم أو حبسهم احتياطاً نتيجة شكوى ضدهم، إلا بعد ورود التقرير الطبي النهائي من الجهة الصحية، والتأكد من وجود الخطأ الطبي.

إن إحصاء الأخطاء الطبية تعتمد على الإبلاغ التطوعي من أطراف العلاقة الثلاثة في الرعاية الصحية: وهم المريض، والممارس الصحي، وركن الإدارة. وحسب الاحصاءات العالمية؛ أكثر التخصصات التي تحدث فيها الأخطاء الطبية هي تخصصي الجراحة والنسائية والتوليد، وأما أكثر الأقسام التي تحدث فيها الأخطاء الطبية فهي العناية المركزة وغرف العمليات والطوارئ.

في حالة حصول خطأ طبي؛ يجب على أطراف العلاقة الثلاثة المريض والممارس الصحي والإداري أن ينشروا ثقافة الإبلاغ التطوعي عن الأخطاء الطبية لكي يساهموا في تحسين آداء النظام البشري في المنظومة الصحية. يجب على مقدم الرعاية الصحية المسؤول عن الخطأ الطبي الاعتراف بارتكاب الخطأ الطبي للمريض وعائلته، ومناقشة الخطأ مع فريق الرعاية الصحية بشكل كامل، وطلب المشورة المهنية من مختص أكثر كفاءة وخبرة، لتقليل التوتر وتأنيب الضمير.

لاحاجة للخبرة والذكاء ولا معنى للشهادات دون قيم إنسانية، ولن يكون هنالك طبيب إذا لم يتواجد المريض. لذلك يجب احترام المريض وتقدير جهود الأطباء الذين يتعاملون مع مرضاهم بطريقة محترمة، ويخففون عنهم هموهم، وهؤلاء يستحقون الإنصاف، في نفس الوقت وجود حماية قانونية للحفاظ على حقوق الأطباء، وعدم المساس بحياتهم الشخصية، ودعمهم لتحسين مهاراتهم. وأي إشكالية يجب أن يتحملها جميع أطراف العلاقة الطبية، ولا يجوز تلويث سمعة الخدمة الطبية، ويجب احترام الطبيب والمريض، لأن في ذلك احترام للمجتمع والدولة والإنسانية.