د. العجلوني يكتب..تسجيل المكالمات الهاتفية هدم للقيم الإجتماعية وضياع للثقة بين الناس وإثارة للفتن
كتب. د. يوسف العجلوني
تقوم الجهات الحكومية والمؤسسات الخاصة والشركات الخدمية والبنوك بتسجيل المكالمات الهاتفية لمراقبة وضمان جودة الخدمة ، وهذا من حقها ، بشرط إعلام العميل بوجود تسجيل للمكالمات لديها وهذا يجعلها في مأمن.
لا يحق لأي شخص تسجيل المكالمات الهاتفية بصفته الشخصية دون الحصول على إذن من الجهات الأمنية في الدولة حفاظاً على خصوصية وحرية وحقوق وكرامة المواطنين ، ومنعاً لنشر الفتنة والجرائم.
إن القيام بتسجيل حديث أي انسان دون علمه ، لتحقيق هدف شخصي هو تصرف معيب ، ويحمل معنى الاستقواء على الآخرين والتنمر وعدم الإكتراث، وعدم احترام الشعور والعلاقات الإنسانية ، وفيه إساءة واضحة وصريحة للطرف الآخر ، لاسيما إذا ما تم إرسال ذلك التسجيل لأطراف أخرى ، بقصد الإساءة الشخصية أو المهنية أو العلمية لمن تمت مغافلته وخداعه ، أو للتشكيك بكلامة ، أو التقليل من قيمته ، أو تحريض الناس ضده ، أو حتى على سبيل استدراجه لحديث لم يكن يرغب الشخص بإعلانه لأحد ، الأمر الذي من شأنه إثارة الفتنة ، والمشكلات الإجتماعية بين الأطراف المختلفة ، وذلك مُحرّم شرعاً ؛ لأن فيه تعدٍ وخيانة ، وإذا كان المنقول مما يصلح ذات البين فإسماعه للغير يدخل في النميمة المحرمة ، ويُعد من باب التجسس المنهيّ عنه.
تسجيل المكالمات يتعارض مع مكارم الأخلاق ، وهو دليل على سوء النية ، ويقصد به في معظم الأوقات الإساءة للآخرين ، وممكن أن يكون للتشهير أو التحريض ، ويتسبب في تدمير العلاقات الإنسانية.
تسجيل المكالمات ونشرها مخالف للقانون ، ويعتبر جريمة يعاقب عليها القانون ، لأن هناك العديد من البدائل القانونية والشرعية والإجتماعية والأخلاقية لإثبات الحق دون اللجوء لهذه الطرق المبتذلة ، وأنه يجب على مسجل المكالمة إبلاغ المسجل له بوجود تسجيل للحصول على موافقته وعدم مغافلته ، تجنباُ للعواقب القانونية.
تنص المادة 71 من قانون الإتصالات : “كل من نشر أو أشاع مضمون أي اتصال بواسطة شبكة اتصالات عامة أو خاصة أو رسالة هاتفية اطلع عليها بحكم وظيفته أو قام بتسجيلها دون سند قانوني يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن (100) دينار ولا تزيد على (300) دينار أو بكلتا العقوبتين”.
الذين يسجلون المكالمات يعمدون إليها لغايات في أنفسهم ، منها الإيذاء والإيقاع بالناس، والنيل من سمعتهم، واغتيال شخصياتهم ، والتقليل من شأنهم ، وتفرقتهم عن أحبابهم وأصحابهم ، واستدراجهم لقول ما لا يرغبون بقوله من أجل نشره أو بثه أو تناقله ، ولا شك أن من يقوم بذلك هو شخص يبحث عن دور ما في المجتمع للصعود على ظهور الآخرين وإلحاق المصائب بهم ، أو قد يكون يعاني من مشكلات إجتماعية ونفسية ، أو عنده أشياء أخرى لا يستطيع أحد معرفتها ، وغير مصنفة اجتماعياً أو طبياً ، وممكن أن يكون يفتقد لمشاعر الثقة والأمان لكل من حوله ، أو أن لديه دوافع عدائية سادية تجاه الآخرين ، أو لإرضاء أزماته ونزواته والعقد المركبة لديه.
تسجيل المكالمات هو تحويل التكنولوجيا من وسيلة اتصال راق إلى أخرى تبث البغضاء ، ولذلك هي تصرفات غير مسؤولة ، ولا أخلاقية ، ولها آثار سلبية تتسبب بخرق وإضعاف روابط الصداقة، ومن شأنها إشاعة القلق وعدم الإحترام وعدم الثقة والكراهية بين الناس.
الخطورة في تسجيل المكالمات تكمن بمن يصدق التسجيل ، دون مراجعة صاحب الصوت ، ليتحقق من سياق ما حدث ، وبالتالي يتحقق هدف من رتّب لكل هذا السيناريو ، بإلحاق الضرر النفسي والمعنوي والإجتماعي لمن تم تسجيل المكالمة له.
يجب توعية المجتمع بمخاطر هذه الظاهرة وما يمكن أن تتسبب به من أضرار عظيمة ، وانتهاك للخصوصية ، وكسر القلوب ، وتفريق الأخوة والأقارب وطلاق الأزواج ، ونشر المعاني السلبية في المجتمع ، تسجيل المكالمات هو أداة شر يمكن أن تدمّر العلاقات بين الناس بسهولة وبسرعة فائقة ، وتزعزع الثقة داخل المجتمع الواحد ، وينتج عنها حساسية فيما بين الناس ، وتخلق العداوات والمشكلات ، ويكون لها آثار سلبية أكبر في المستقبل.
تسجيل المكالمات دون إذن ، هي مغافلة وانتهاك للخصوصية وتجاوز للقيم والكرامة والانسانية ، حتى ولو لم يكن هناك هدف سلبي من التسجيل ؛ لأنه قد يصل التسجيل بطريقة أو بأخرى إلى أناس آخرين ، وقد ينتشر على نطاق أوسع ، مما يُسبب الحرج ، وذلك يتسبب في الأذى والألم لمن تقربوا منك يوماً ، وممكن ذلك أن يدفع من اتصل بك إلى عدم الإتصال بك بتاتاً بعد ذلك.