0020
0020
previous arrow
next arrow

د. يوسف العجلوني يكتب.. عندما ينضج الفكر وتفهم الحياة

 

الحياة تتغير باستمرار ، ولابُدّ أن يكون فيها الراحة والتعب ، السعادة والبؤس ، وممكن أن تدخل في مصيبة ويتبعها حالة من الإكتئاب وتشعر أنه لم يبقَ شيء ، وتضيق بك الدنيا وينتهي الأمل بكل شيء ولا يبقى عندك شعور تجاه أي شيء ، ولكن تستمر الحياة ، وما هي إلا أيام وتمضي ، ويخف الألم ، وممكن أن ترجع أقوى مما سبق.

الأيام تتبدل ، وهكذا نحن ، سوف يتغير جسمك وشعورك وأفكارك وفهمك للحياة ، وسوف تتغير نظرتك للناس والمواقف ، وسوف تمر بأوقات صعبة ، وتشعر بالألم الشديد تارةً وبالفرح تارةً أخرى ، ومهما كانت المعاناة تذكر أن الحياة لن تتكرر مرتين ، وهذا الوقت سيمضي ، لذلك دائماً قم بتقييم الموقف بشكل إيجابي ، واعطِ كل اللحظات الصغيرة في حياتك قيمة ، ولا تضيع أي فرصة فيها صالحك لأنك حزين ، وتأكد أن الحياة مستمرة مهما كانت المصيبة.

عليك بذل الجهد والعمل من أجل أن تحيا حياة سعيدة ، وإذا كنت تشعر بعدم الراحة فى وقت ما، فلا تكن سلبياً ، وفكر فى كيفيه الخروج من هذه المرحلة من خلال التركيز على ما تحب وما هو لك ، وأن تكسب خبرات وتتعلم كيف تجعل الأيام القادمة احسن ، وذلك سوف يعيد لك شعور الراحة ، ويبعدك عن التوتر والقلق والحزن ، ويمكنك التحكم في شعورك بدقة أكثر كلما فهمت المواقف أسرع ، وسوف تصبح الأحداث التي تمر بك مجرد وقت سيمضي من حياتك.

الحياة محطات ، من المتوقع فيها أن تتعرض إلى الهبوط والصعود ، إلى الإنتصار والهزيمة ، هي دولاب طالع نازل ، فلا يوجد أحد خالٍ من المتاعب والمشاكل ، والحياه غدارة وقد تقودك إلى أوقات سيئة دون أن يكون لديك خيار آخر ، يجب عليك أن تحدد هدفك فى الحياة ، وترسم الخطة ومسار المستقبل الذي تريده ، ودائماً التزم بما أنت فيه فى الوقت الحاضر ، واستفد من المعرفة والخبرات التي اكتسبتها في الماضي ، ولا داعي لإعادة التجربة مرات ولا بأس إن تذوقت مرارتها.

من الفهم والحكمة أن يكون هنالك اعتدال فى أي عمل تقوم فيه : الاعتدال فى التعامل مع الآخرين، والاعتدال فى التزاماتك العائلية ، والاعتدال في التسوق وفي تناول الطعام ، وفي تقسيم الوقت والزيارات والقراءة وأوقات المتعة. عامل الآخرين بالطريقة التي تريد أن تُعامل بها ، حاول أن تكون حساساً لاحتياجات الآخرين ، وحاول أن تبث روح الفرح في كل من حولك.

الرقي ينعكس عن ثقافة الإنسان وتربيته وقيمه وتطلعاته وطموحاته ، ويُمكن التعرف بنسبة جيدة على الشخص الراقي من اللقاء الأول ، من نظراته وحديثه وطريقة تفكيره وتصرفاته ؛ الإنسان الراقي رصين متواضع دمث ، يتجنب كل ما يسبب للآخرين من شعور بعدم الراحة أو الألم ، هو إنسان موضوعي واقعي وصادق ، ذو حكمة في إدارة المواقف ، يتنزه عن كل ما هو مخالف للفطرة والطبيعة البشرية والباطل. هو لبق ومتزن بالكلام ومؤدب بالحوار ، يهدف إلى تقريب وجهات النظر وليس للمخالفة في كل شيء ، ردوده مناسبة للوقت والمكان ولقبيله ، يحترم الخصوصيات والمواعيد ، الإنسان الراقي عقلاني ، يتحكم في انفعالاته وعواطفه ، لا يتتبع زلات الآخرين ، ولا يُقحم نفسه فيما لا يعنيه ، واسع الاطلاع ومتعدد العلاقات والخبرات.
لديه القدرة على التفكير العميق وربط الأسباب بالمسببات والنتائج ، أسلوبه جميل يجعل الآخرين يقتنعون بحجته وتحليله للأمور . لا يُسلِّم بكل ما يسمع ، لا يتأثر بكثرة ناقديه ولا بقلة مؤيديه ، هو يتصور المشاكل وحلها من كل النواحي والزوايا ، متعاون ولطيف مع الجميع ، يميز المهم من التافه، ويتابع التعلم مدى الحياة.

من علامات فهم الحياة احياناً التغافل ؛ فتغض الطرف عن الهفوات ، ولا تحصي السيئات ، وتترفع عن الصغائر ، هو فن يتقنه محترفو السعادة وأصحاب الإرادة القوية والنفوس الراقية التي تقدر الشعور الإنساني ولا تريد أن تخدش حياء الناس ، أو تكسر خاطرهم وذلك بالسمو الإنساني والإرتقاء في التعامل والشعور.

النضوج الفكري يكون عندما يمتلك الإنسان قدرات عقلية كافية ووظائف فكرية سليمة، ويستطيع التفكير بعمق ، وقادر على التكيف مع البيئة المحيطة به ، ويعرف المكان الملائم لأي تصرف يصدر منه ، ويكون عندما يتحمل الإنسان المسؤولية ، فعندما يعي كيفية الاستقلالية في الحياة وأتخاذ القرارات دون الحاجة إلى مساعدة أي شخص.

النضوج الفكري هو ثمار التجارب الحياتية السابقة وكيفية الإستفادة منها ، ويظهر في الهدوء والتأني في إطلاق الحكم على الآخرين ، في مواجهة الصعوبات ، في الصمود أمام المواقف الصعبة ، في الإعتراف بالأخطاء والإعتذار عنها بروح الإقدام والشجاعة ، في التحلي بالجرأة والشجاعة بعيداً عن التفاهات والسخافات ، ويتمثل أيضاً في الإتزان ، وفي التواضع ، وفي محبة المحيطين والإصغاء إليهم ، والشعور بما يعانون به من مشكلات وآلام ، في استيعاب الجميع والتعامل معهم بمرونة ، في السيطرة على الغيرة والأنانية والمشاعر السلبية التي قد يسببها عدم الرضا عن الذات وعدم الثقة بالنفس ، ويتجلى النضوج الفكري في عدم الثرثرة وكثرة الكلام فيما لا يفيد ، وفي تقبل الفشل واعتباره خطوة للوصول إلى النجاح ، وبالاكتفاء بأقل عدد من الصداقات ، ممن يتناسبون معك فكرياً واجتماعياً والقناعة بذلك ، وفي احترام من حولك مهما كان قدرهم ، وفي عدم فرض الرأي على الآخرين ، وعدم التورط في جدالات تافهة.

الأشخاص المثقفون هم أكثر امتلاكاً للنضوج الفكري وفهماً للحياة ، والثقافة لا تعتمد على السن فقط ولكن أيضاً على المطالعة ومجالسة كل الطبقات وخوض تجارب قوية في الحياة والتنقل من مكان لآخر . المثقفون حقاً لا يعطون لتوافه الأمور أكثر من قدرها ؛ ولا يكدر مزاجهم زحام الشوارع ، ولا تستفزهم كلمة نابية من غبي أحمق ، وعندما يتعاملون مع كاذب ، لن يكون همهم أن يحشدوا الأدلة والقرائن لإثبات كذبه.

إن كنت تفهم الحياة فأنت تدرك أنك المسؤول عن صحتك وعن كل شؤون حياتك، تعرف أنه لن يحمل أحد عنك هماً ولن يقاسمك شخص سهراً ، ولن يتبرع أحد بأخذ المرض عنك ، لذلك إعتنِ بنفسك ودللها دون أنانية ، لا تتبع أخبار الناس بكل تفاصيلها : سافروا ؟ ماذا أكلوا ؟ وما هو نوع سيارتهم؟ أين يسكنون؟ لماذا قالوا كذا وعملوا كذا ؟

إذا بدأت تفهم الحياة ، سوف تدرك أن حياتك رهن تفكيرك ؛ والتغيير منوط بتغيير طريقة التفكير وليس بتغيير بيئة أو بامتلاك مال ، أو بترقية في وظيفة ، وستدرك أن من الناس من هو سيء الخلق وقليل الأدب ، ومنهم بسيط الفهم ، ومنهم الغبي والأحمق ، والبعض منهم لا تُسعفه أخلاقه أنْ يكون صاحب مروءة حتى في أوقات الوئام. يجب عليك التكيّف مع الظروف قدر المستطاع ، وبعد ذلك سيكون لديك الخيار بأن تسعى لتغيير ما يمكن تغييره نحو الإتجاه الذي تريده أنت ، ولن تستطع إصلاح كل شيء ، فالجاهل سيظل على حاله مهما كان مثقفاً ، والغبي سيظل غبياً.

إذا أردت أن تعيش بسعادة ؛ ارمِ كل المشاكل والهموم وكل ما يضايقك وراء ظهـرك ، وانظر للأمام ، امشِ في الشارع دون حاجة لان يعرفك أحد ، لا مانع من ابتسامة ساخرة وأنت ترى الناس تتلوّن وتتصارع وتخدع بعضها من أجل أشياء لا لزوم ولا قيمة لها ، اعلم أن فرح اليوم لا يدوم ، وقد يكون مقدمة لحزن الغد ، والعكس صحيح ، قوّي إيمانك بالقضاء والقدر ، وتأكد أن الخيرة فيما اختاره الله لك ، حاول أن ترضي من يهمك من الناس ، و الأفضل الاهتمام بنفسك اولا”، وتأكد أن إرضاء الجميع غاية لا تدرك ، وقد تستهلك منك وقتك وجهدك وسعادتك وفقدان الصداقات الحقيقية ، وتأكد أن هؤلاء الأشخاص الذين تسعى لإرضائهم قد يكونون سبباً في استنزاف طاقتك وشعورك ودون جدوى.

تجنب الشعور بالذنب عندما تكون مقتنعاً من داخلك أنك تقوم بالعمل الصحيح ، وعبّر دائماً عما في نفسك مهما كان الشخص الذي أمامك ، حاول أن تقوم بذلك بلطف ومنطق ، ودائماً دافع عن نفسك واحفظ كرامتك ، تعلم فن قول كلمة’ لا ‘ وبسهولة وبابتسامة ، واعلم أن الذين سيغضبون لمجرد أنك لا تفعل ما يريدون ، هم أشخاص سيئون ، والناس الذين يستحقون أن يكونوا في حياتك هم من تهمهم مصلحتك وراحتك وشعورك ونفسيتك.

د. يوسف العجلوني