د. يوسف العجلوني يكتب.. الأدب واللطف قهر ومعاناة
كتب. د. يوسف العجلوني
في المجتمع الراقي ، يُعتبر الأدب واللطف من السلوكيات الإيجابية المحمودة والدالة على حسن الأخلاق ، وهي فضائل تحض عليها كل الأديان ، ولكن أحيانا تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، فمن الممكن أن يكون لهذه الصفات تأثيراً عكسياً على صاحبها ، فقد تكون سبباً للمعاناة والقهر جرّاء عدم القدرة على أَخْذ الحق أو المُطالبة به ممن تجاوز الحد وتطاول على الناس الطيّبين.
الأدب والأخلاق يجب أن تُلزم الإنسان بأن يكون صادقاً ونزيهاً وصريحاً ، ويتمتع بأسلوب جميل ولطيف في تعامله مع الآخرين ، ويحترم خصوصية الآخرين ، ويحب الخير لمن حوله دون النظر لأية مصلحة ، ويُقدّر الآخرين وظروفهم ويُعطي كلّ ذي حقٍ حقه ، ويتكلم بأدب ، وينتقي الكلمات المناسبة في المواقف المختلفة ، ويعرف حدوده ولا يتدخل فيما لا يعنيه. الإنسان المؤدب الخلوق بعيد عن عنصرية الدين أو العرق أو الجنس أو الهوية ، هو إنسان عطوف وإيجابي ويضع نفسه في محلّ الطرف الآخر ، ويحب مُجاملة الآخرين ، ويحرص على التفاعل الجيّد أثناء المحادثة ، ويبذل الجهد النفسي والجسدي والوقت والمال من أجل إسعاد الآخرين.
يتّصف الإنسان الطيّب بسمات جيّدة والتي يُفترض أن تنعكس على الآخرين عند التعامل معهم ؛ فهو يتصرف بأدب وأخلاق ويتوقع الرد الجميل ، ولكن بعض الأغبياء والحمقى من الناس ينظرون إليه من زاوية أخرى ، ويرونه ضعيفاً وغير قادر على الرد ، لأنهم لا يفهمون الأدب والرقي ولم يعتادوا عليه.
أحياناً هنالك علاقة عكسية بين الأدب واللطف مع العائد المادي الذي يجنيه الفرد في العمل ، وكذلك من حيث الترقية والمناصب ، لأنّ الشخص المؤدب يرفض أن يُمدَح على منجزاته ويرفض أن يَنسب الفضل إلى نفسه ، مما يجعل نظام التقييم من المسؤولين الحمقى يُغفِل دوره وأهمّيته، والشخص المؤدب يتجنّب أن يُفاوض من أجل زيادة أو مكافأة مالية أو ترقية ما أو منفعة شخصية. الأدب واللطف قد يسببان لكَ أيضاً مشاكل في عملكَ وتَحمّل ماهو فوق طاقتك ، لأنّك دائماً تخشى أن تجرح شعور الآخرين ، وذلك سيحرمك من القدرة على الدفاع عن حقوقك الشخصية ورغباتك.
صحيح أنه أحياناً يتم استغلال الشخص المؤدب ، ولكن في نفس الوقت هذا لا يعني أن يكون عدائياً مع الآخرين ، والحلّ هنا هو الحزم في التفاوض وإبداء الرأي الحقيقيّ حسب الاشخاص والموقف ، وأن لا يعمل ما لا يودّ فعله ، وأن يُبيّن الصواب والخطأ ، وحدود كلّ طرف من أطراف النقاش.
المشكلة الرئيسية لديكَ ، بوصفك شخصاً مؤدباً ولطيفاً ، هو أنّك تخشى التورّط في الخلافات والنقاشات التي قد تتحوّل إلى نزاعات ، لذلك يجب أن تتعلّم مهارات التفاوض ، وتحديداً أن تتعلّم الاستمرار بالنقاش لإيصال ما تُريد دون أن تنفعل ، أو تسارع إلى إنهاء النقاش والتخلّي عمّا تريد قوله. تعلّم أن تقول’ لا ‘حين تشعر بأنّه يتوجّب عليكَ ذلك ، ولا تُحمّل نفسك فوق طاقتها لأنّك لن تستطيع إرضاء جميع النّاس طوال الوقت ، وانتبه أنّه لتكون محبوباً لا يعني ذلك أن تدمّر صحّتك ومصالحك الشخصية ، لا بد أن تضع حدود صحّية للعلاقات وتحافظ فيها على مسافة بينك وبين الآخرين بطريقة تضمن لكَ الراحة والأمان ، حتى لا يستطيع أحد اختراق خصوصيتك واستباحة أوقاتك ورغباتك في أوقاتٍ كثيرة ، وأكيد أن رسم الحدود دائماً يحافظ على العلاقات أكثر ممّا يُفسدها ، على عكس ما هو متوقّع.
لا تشعر بالحاجة إلى فعل شيءٍ كبير وغير اعتيادي لتكون شخصاً مميزاً ، فكل ما عليك فعله هو أن تكون براحتك وحسب ظروفك. الحياة مراحل ، والتغير مع مرور الوقت أمر لا مفر منه ، ويجب أن يكون إلى الأفضل ، وعليك أن تبقى على اطّلاع ومعرفة بما حولك ، وأن تسعى للتطوّر الشخصي في مختلف النواحي.
لا تتراجع ، حتى وإن لاحظت اختلافاً ممن تتعامل معهم من زملاء وأصدقاء وأقارب. تصرّف بشخصيتك الحقيقية. افعل ما يمليه عليك عقلك وقلبك ، وقُل ما تشعر به بداخلك دون حرج. لا حاجة للحديث عن الآخرين ومهاجمتهم ، ولو كانوا سيئين ، وكل ما عليك فعله هو تجاهلهم. حافظ على مبادئك وقيمك ، واستمر بالسير بقوة وثبات ، مستفيداً من خبرتك وتجارب الآخرين. لا يعني اتّباعك لاتجاه معين أنك تتخلّى عن شخصيتك. اعرف الوقت الذي يكون فيه السير مع التيار أكثر فائدة من الثبات مكانك ، ولا تُتعبْ نفسك في معاكسته ، ولا داعي للجهد والتعب الذي يهدد راحتك ووقتك ومالك. كن على طبيعتك في معظم الأوقات ، ولا تحاول أن تجعل نفسك مطابقاً لرغبات وأهواء الآخرين.
لا تكن فظًا إن انتقدك شخص آخر بشكل بنّاء ، فمن الطبيعي أن يكون هنالك آراء وزوايا مختلفة ، وقول الحق حجة على الجميع. لا تشعر بالفشل عند قول الآخرين أشياء سيئة عنك ، واعترف بحقيقة أنه لا يوجد من هو كامل وكذلك هو أنت ، وقُم بالرد المناسب وتوضيح الواقع ، ولا تقلق ولا تعطِ اهتماماً كبيراً لما يقال ، ولا تهتم للآراء التي تشعر أن ليس لها داعٍ ، أو لا تعجبك ، أو ليس ضمن دائرتك. لا تقارن نفسك بالآخرين ، ولا تسمح للناس بمقارنتك بأشخاص آخرين. لا تتفق مع الأشخاص الذين يتعاملون بخبث أو قلة أدب ، ولا تبقَ معهم. انتبه دائماً ان لا تكن متعنتاً بالرأي أو مغروراً بالقرار ، واكتفِ برضاك عن نفسك وتصرفاتك ، ولا داعي أن يعرف الجميع انجازاتك وأمجادك.
لا تسمح لأي شخص باتّخاذ قرارات بدلاً منك ، واعلم أن كل شيءٍ سيصبح بخير في النهاية ما دامت الأمور ضمن قناعتك واختيارك.