د. يوسف العجلوني يكتب.. الجبناء لا يبنون وطناً
كتب. د. يوسف العجلوني
لا يقر على ضيمٍ سوى رجل ،
لم يدرِ ما المجد في معنىً ولا كَلِم.
إن الجبان يموت آلاف المرات ، ولكن الشجاع لا يذوق الموت إلا مرةً واحدةً.
الشجاعة هي خلقٌ أصيل ، ومن أهم الصفات التي تُزيّن الرجال وتقودهم إلى الظَفَرٍ والنصرِ واستحالة الهزيمة ، وتمكنهم من مواجهة المخاطر والظروف والتحديات بقوةٍ وعزيمةٍ ، دونما انحناء أو ضعف. تُعتبر الشجاعة من صفات الإنسان الناجح الذي يعيش الحياة بتميز ، ويحقق النجاحات المتلاحقة بمختلف المجالات. الشجاعُ قادرٌ على تحمّل المصاعب ، ويمتلك الجرأة في القول والعمل ، ولديه القدرة على مواجهة عدد كبير من الناس ليدافع عن فكرٍ ما ، فالشجاعة تكون في العقل وطريقة التفكير واتخاذ القرار ، ويكون التصرف مبنياً على قواعد صحيحة. والشجاعة لا تتعلق بعمر أو جنس أو مكان أو زمان ، فهناك نساء شجاعات أظهرن قوةً كبيرةً في المواجهة ضدّ الباطل قولاً وفعلاً.
وجود الشجعان في أيّ مكان يجعلهم علامةً فارقةً ومميزة بين الحضور دون وجود أي خوف ، لأنهم يعلمون أن الروح والعمر والحياة والموت والرزق كلها بيد الله تعالى ، ولن يستطيع أحدٌ أن يسلبهم إياها إلا بأمر الله ، فهم لا يفكرون بالعواقب ، وهذا ما يمنحهم الإلهام الصادق الذي يدلّهم كيف يكونوا اقوياء وأذكياء، ويعرفون الهدف وكيف يحققونه، ومتى ينسحبوا ومتى يواجهوا.
الجُبن خُلُق ذميم يشين صاحبه ويجلب إليه الذل والخزي والهوان وقلة القيمة أينما كان ، ومهما كان منصبه وماله ، لأنه لا يستطيع أن يكون بمواقف الرجال ، ولا يستطيع حماية نفسه وأهله وماله.
الجبان هو الذي يَهاب التقدم في كل شيء ، فهو ضعيف القلب ولايستطيع قول الحق أو العمل به ، ويتّبع الجبان مسالك الهالكين ، ويكون خاضعاً ذليلاً لغيره ، ولا يملك القدرة على اتخاذ القرار في حال وجود تبعات له ، ولا يستطيع تحمل المسؤولية ، ويتفادى ويهرب من مواقف القوة والمواجهة والرجولة.
الجبان قد يصبح وحشاً مفترساً إذا ما أُتيحت له الفرصة لذلك ، وإذا كان يشعر بالحقد على الحياة و المجتمع ، وممكن أن يصبح أحمقاً ويتسم بالخوف والغباء ، وحينما يواجه أي موقف سرعان ما يلجأ إلى الفرار والهروب والاستجداء. ولا شَكّ أنك تستطيع تمييز الجبان الأحمق الغبي من شكلهِ وكلامهِ وتصرفاتهِ مثل : الغضب غير المبرّر وعدم وجود سبب مقنع يستحق ذلك ، والكلام المستمر من غير منفعة ، وإفشاء السر ؛ كما أن الجبان الأحمق لايستطيع أن يُفرّق بين عدوه وصديقه ، ويتكلم بتفاهة وهو متأكد من عدم صحة كلامه ، ويتوهم أنه أعقل الناس. والمصيبة عندما يجد الجبان من يؤازره ويصفق له ويدعمه ، عندئذٍ يستفحل ويتمرد ويستأسد. والطامة الكبرى عندما يتركز المزيج من الحمق والجبن والغباء ليصبح كوكتيل مضمون لإحداث الكوارث والفشل والهدم الممنهج والفساد الشامل.
الجبناء لا يُعتَمد عليهم إذا كان الهدف هو التقدم والرفعة والاستمرارية والبناء. الجبناء لا يعنيهم المجد والعزة والإباء ، فهم لا يجرؤن على رفع رؤوسهم ، ولايستطيعون مناقشة الأمور التي تتعلق بالمصلحة العامة ، أو إبداء الآراء الصائبة وإن رأوا طريق خراب المجتمع وضياع مقدرات الوطن واضحةً أمامهم.
الجبناء لا تُؤثّر فيهم المبادىء ولا الأخلاق ولا أي وازع ديني ، وهم فقط وسيلة يختارها الضعفاء والفاسدون لتعيينهم مسؤولين ليس لمؤهلاتهم ، ولكن لتوفير بيئة عمل صامتة عن الحق ، ولتطبيق كل ما يُملى عليهم سواء كان حقاً أو باطلاً.
الجبناء هم أعداء الوطن والمؤسسات ، وهم البلاء بعينه ، وبدايةُ كلّ قصة فساد ، وأساس للظلم ، وفقدان للثقة بالدولة ، وغلاف للهدم ، وإنهاء للتفكير بالتحسين والتطوير ، والقضاء على الأمل المؤسسي ، وطمس النظرة المستقبلية الجميلة.
الجبناء لا يستحقون البقاء في مناصب صُنِعت للرجال ، وتكون نهايتهم سريعة ، ومن السهل تمييزهم عن الشجعان ، ولابُدّ في وقت ما أن ينكشفوا ، ويحتقرهم الناس وخاصة بعد أن يفقدون سلطة المنصب. لذلك فإن الجبناء لا يستحقون أن يكبروا منذ البداية ، فالحياة والمجد والأوطان صُنِعت للأقوياء والشجعان.
من الممكن أن يتعرض أي إنسان للإضطهاد أو الظلم ، وفي هذه الحالة يجب أن تدافع عن حقوقك ، وتعبر عن رأيك، ولا تنتظر أن يتحدث أحدٌ نيابةً عنك ، فالدفاع عن النفس والتعبير عن الرأي هو أحد الأمور الهامة التي تَنُمُّ عن ثقتك بنفسك لتحيا حياةً كريمةً بحريةٍ وعزٍ وفخرٍ ، ولهذا كن شجاعاً ، وبادر بكل الأمور التي يمكنك أن تقاومها ، ولا تتنازل عن حقوقك ومبادئك وحقوق الناس والوطن ، ولا تخشَ شيئاً ، ومع الوقت ستجد شعورك وشخصيتك ومستوى معيشتك ونوعيتها أفضل بكثير. وسوف يبقى الجبانُ يشعر بالدونية وعدم الثقة بالنفس ، ولن يكون له أي قيمة في المجتمع ، ولن يُسَجّل له التاريخ أي موقف.