العجلوني يكتب..بين تطبيق القانون ، وفرض القوة ، وهيبة الدولة ، واستقواء الموظف العام وثقة المواطن

 كتب. د. يوسف العجلوني

سيادة القانون مبدأ جميل ومُطَمئِن وضروري لتنظيم الأمور مع جميع الأشخاص والمؤسسات ، ويشعرنا بالعزة والفخر حيث يكون الجميع مسؤولين أمام القوانين التي تُطبق العدل والمساواة ، وبذلك يُحتَكم في الاختلافات إلى القضاء المستقل الملتزم بالحق لتجنب التعسف ، وللتأكيد على الشفافية في الإجراءات القانونية ، والتمسك بالقواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

القانون ينظم مختلف العلاقات بين الناس ، ويحفظ الحقوق في المجتمع ، حيث أن تطور الدول وحضارتها تُقاس بمدى تطبيق وإحترام القوانين ، فلا يوجد أحد فوق القانون مهما بلغت مكانته وسلطته.

إن إحترام القانون يأتي عندما يُطبّق القانون بوضوح ، وبوحود مؤسسات تتابع ما يصدر من قوانين لتضمن التطبيق الصحيح ، ولا أحد يستطيع إيقافها ، ولها السلطة الكافية المطلقة لمنع أي تلاعب لتجاوز القانون أو الخروج عنه ؛ ومن هنا تبدأ ثقة المواطن بالقانون والدولة.

لا شك أن هيبة الدولة رمز يعكس القوة في دولة محترمة وراقية ، وذلك ضروري جداً ومهم وأساسي لاحترام المحترم وردع المخالفين والمخربين والفاسدين ، ويجب أن لا يكون الأمر موضع نقاش أو مزايدة من أحد ، ولا يجوز أن تُبنى هيبة الدولة من خلال موظف جاهل أو مسؤول أحمق ، أو قانون جائر ، ففي ذلك ضياع واضح للحقوق ، فأي هيبة تلك التي تربط هذه الهيبة مع الأعمال والسلوكات التي تقلل من كرامة المواطنين؟!

يجب على جميع المسؤولين أن يدركوا أن الدولة الحقيقية التي ترغب بأن يكون لها تاريخ هي التي تبني هيبتها على حب الشعب والمواطن ، فكرامة وهيبة المواطن من كرامة الدولة وهيبتها ، وبعد ذلك يكون هنالك ثقة بين المواطن والدولة .

يجب على الموظف العام احترام عمله والإلتزام بأبسط قواعد أخلاقيات العمل ، ألا وهي احترام الآخرين ، والنزاهة من كل النواحي ، والولاء للعمل والدولة ، ويكون لديه الشفافية التي تضمن قول الحقيقة بكاملها ، والتواصل بوضوح وصراحة ، وأن يكون منصفاً في كل المواقف ، وأن يكون محباً للخير ومتعاوناً ، ويحترم الآخرين بغض النظر عن الدين أو الجنس أو العرق.

يجهل بعض الموظفين في المؤسسات التي تتعامل بشكل مباشر مع المواطنين أن إهانة مواطن أو شتمه تترتب عليها عقوبة قانونية ، ولكن ذلك يعتمد على القدرة على تطبيق القانون وقوة الموظف ، ورأي المسؤول ومن يدعمهما.

نضطر في حياتنا اليومية للتعامل مع الكثير من الموظفين الذين يُشعرون المواطن بقلة القيمة وعدم الإحترام والاضطهاد ، معتقدين أن حماقتهم قوة ، والحقيقة أن معاملة الناس بازدراء تسبب الكثير من الضرر وخسارة الجانب الإنساني ، مما يسبب ضرراً للمؤسسات وسمعتها وانتاجيتها وقدرتها على الأداء ، وعندما تتكرر التصرفات المؤذية للمواطن ، ممكن أن تسود العدوانية وينعدم الإحترام ، ويتحول الناس دون وعي إلى التصرف بحمق مثل غيرهم ليردوا على التصرف الوقح أو للدفاع عن أنفسهم.

إن إنشغال بعض المدراء والمسؤولين في التخطيط لمصالحهم الشخصية جعلهم يتجاهلون ما يفعله بعض الموظفين من تجاوزات ألحقت الضرر بالمؤسسات والمواطنين ، والحقيقة إن ما دفع مثل هؤلاء الموظفين للإستمرار بالتمرد والتجاوز ما هو إلا عدم وجود نظام صارم وفوري يعطي كل ذي حق حقه.

عندما تضطر لمراجعة الدوائر الحكومية ، أو أثناء السير بالشارع وتوقفك سيارة الشرطة ، أو اثناء معاملة سفر بالمطار ، وأنت ‘مش مصدق تخلص’ ، وترغب بإنجاز المهمة على أحسن وجه وبراحة ، يقابلك أحد الموظفين الذي تشاهد في وجهه الغضب والإستعلاء والجهل والغباء المستند إلى قوة المكان الذي هو فيه ، فتراه ينظر إليك ‘بنص عين’ ويتكلم معك من ‘طرف خشمه’ ، وفي نفسه يقين أنه قادر على عدم إنجاز معاملتك ، أو تأخيرك ، أو عكس حالته النفسية عليك ، أو ممكن أن يعطيك معاملتك باستحقار ، ويطنش كلامك ، فكيف تتصرف مع هذه الأشكال؟

الأسهل والأسرع في مثل هذه المواقف هو البعد عن التعامل مع الموظف الأحمق إن استطعت ، ويكون التجاهل حلاً مريحاً لتجنب ضياع الوقت والإزعاج ، وممكن في بعض الحالات حتى لا تزعج نفسك أن تفترض حسن النية ، أو أن تركز على الجانب المشرق بالإستفادة من التجارب مع الحمقى ، وممكن أن تستخدم السمو الأخلاقي والترفع عن التدني مع هذه النوعيات ، وممكن أن تقنع نفسك بالتعاطف مع هذه النوعية من الموظفين ، فذلك يقلل من شعورك بالإهانة الواقعة منه عليك ، وممكن أن تأخذ تصرفه الغبي على محمل المرح والمزاح ، وممكن استخدام شعور عدم الإكتراث ، ولا تنسى أنك لست الوحيد الذي يواجه هذه التصرفات ، وفي الحالات الصعبة يمكنك الإستعانة بالزملاء والمعارف طلباً للدعم والنصيحة للخروج من مثل هذه المشاكل بكرامة وإحترام .

إلا أن الأصح والأفضل ، ولو أتعبت نفسك أو تأخرت قليلاً أن لا تسكت عن هذا النوع من الموظفين نهائياً ، لأن ذلك ظلم ، وإذا تجاوزت عن الظلم في مؤسسات الدولة ،ثق تماماً أن الظلم سوف يلاحقك حتى وأنت في بيتك ، لأن مؤسسات الدولة مرتبطة بالشارع والمجتمع ، وإذا حدث فيها خلل ما ، سيكون المواطن هو الضحية ؛ لا تسكت عن الظلم ،وتذكر المبدأ القائل “من أمن العقوبة أساء الأدب ” ، حتى وإن قال عنك الخانعون أنك تحب المشاكل ، اضمر في نفسك أن المخطىء يجب أن يُعاقَب ، والأولوية للوطن وتطوره وازدهاره.

يجب على جميع المؤسسات الخاصة والعامة في الدولة أن تعقد دورات لجميع موظفيها تختص في التعامل مع الجمهور ، وكذلك حثهم على ذلك بالتوجيهات الدائمة ، ومراقبة الإدارة لأداء الموظفين ، وتفعيل العقوبات المباشرة ، وذلك بالتفاعل مع شكاوي المراجعين ، لأن الموظف الذي يقابل الجمهور يجب أن يكون مستعداً لجميع أنماط العملاء.

إن تعامل المؤسسات مع الموظفين السيئين هو جزء لا مفر منه في الإدارة ، ونظراً لما يشكل وجود مثل هؤلاء داخل بيئة العمل من مشاكل ، يتوجب على المدراء إظهار القيادة القوية ، وامتلاك الخبرة في التعامل مع الموظف السيء ، لأن وجود موظف سيء داخل دائرة أو مؤسسة ، أو دورية شرطة ، أو مطار قد يؤدي إلى إضعاف الروح المعنوية للمواطن ،ويخلق بيئة عدائية ويثير الغضب الذي ممكن أن يعم المجتمع ، فتزداد المخالفات والجرائم.

عند تحديد الموظف السيء ، يجب منحه الوقت اللازم لتصحيح سلوكه ، وخلال هذه الفترة ، يجب مراقبة التغير والتحسين والتقدم بالخدمة ، ويجب تسجيل أية مشاكل جديدة لتكوين فكرة أفضل ، وتلافي تكرار الأخطاء ، وإذا مااستمر السلوك غير المرغوب فيه ، هنا يجب عمل إجراء تأديبي بناءً على الموقف ، فقد يتم نقل الموظف إلى مكان آخر أو وحدة مختلفة ، وتجدر الإشارة إلى أن النقل لا يكون الحل الجذري ، و يجب أن لا يُعوّل عليه ، لأنه فقط نوع من العقاب ، ونقل الموظف إلى مكان آخر غالباً لا يحل المشكلة الأساسية ، وهي الموظف نفسه.

المواطن يعرف بعد تجارب عديدة أن مختلف التصريحات من المسؤولين والدولة هي مجرد شعارات للإستهلاك العام ، ولا تُطبّق على أرض الواقع ، مثل : “الناس سواسية” ، “لا أحد فوق القانون”. فالقانون في الواقع يُطبّق على فئة دون أخرى ، وهناك من هم فوق القانون من المسؤولين وأصحاب المال والسلطة ، لذلك أصبح المواطن مقتنعاً أن الإلتزام بالقانون هو نوع من أنواع الضعف وقلة الحيلة ، وأن الذكي القوي المدعوم هو الذي لا يلتزم بأي قانون ، وبالتالي فإن الحذاقة والذكاء تقتضي تجاوز القانون ما أمكن ، فترى الفرد يحترم القانون ما دام مراقباً ، فإن زالت هذه المراقبة ، عاد إلى هواه من عدم الإلتزام بأية ضوابط ، والدليل على ذلك في الحياة اليومية أن الكثيرين لا يلتزمون بالشواخص المرورية أو الإشارة الحمراء إلا إذا شاهدوا شرطي المرور ، ولا يحترمون الدور في الطابور ، ولا يشعرون بالإحراج بالتزوير في المعالجة الطبية وصرف الأدوية ، ودائماً يبحثون عن وسيلة ما لتجاوز القانون ، سواء عن طريق واسطة أو رشوة ، إدراكاً منهم بأن ذلك أمر ممكن ويسهل الأمور ، وكل ذلك لأن المواطن فقد الثقة بالدولة ومسؤوليها وقوانينها.

عندما يرتاح المواطن ويعيش بكرامة ، ولا أحد يتعدى عليه ويشعر بالعزة لا بد أن يثق بالدولة ، ويكون أحرص من المسؤول نفسه على إحترام وتقدير الدولة ومقدراتها وعلمها ورموزها ، ويكون شعوره قوياً بالمبادىء والأفكار الوطنية وحب البلاد ، دون الحاجة للتاثيرات الزائلة من عواطف وشعارات لا تُرى نتائجها. ولكن عندما يكون الأمر عكس ذلك ، فسيكون المواطن غير مرتاح ، ومنهك من الأعباء وقلة الدخل والضرائب والمسقفات وفواتير الكهرباء الجائرة ، ومخالفات السير ، وضياع الحقوق ، والقانون الذي لا يُطَبّق على الجميع ، وهيبة الدولة التي تتمثل بشعارات ، ولا زال المواطن تحت سطوة استقواء الموظف العام في المؤسسات الرسمية وفي الشارع والمطار ، عندئذٍ ، لن يبقَ له ثقة بكل ما يخص الدولة من إعلام أو مسؤولين أو تصريحات أو هيبة أو قوانين.