0020
0020
previous arrow
next arrow

العجلوني يكتب.. الحياة أيام تمضي : هل تستحق الحياة كل هذا العناء ؟

  كتب .د . يوسف العجلوني

الدنيا من أولها الى آخرها أحداث ولحظات ، ومهما بلغت من العمر ، فهي قصيرة وزائلة ، وكلما مضى يوم ، نقص من أعمارنا التي تمضي سريعاً ، وتنتهي الحياة.

مضت أيام طفولتنا والشباب ، وها نحن اليوم نعيش الشيخوخه ، فليس غريب إذا غادرناها ونحن نشعر أننا لم نكتفي أو أننا لم نعيشها كما نريد.

نمضي ونتعب ، ونحزن ونفرح ، ونحلم ونرفع سقف الأمنيات ، وفي الحقيقة نحن مجرد أناس عابرون ، يعرفنا من عاصرنا ، ولن يبقَ إلا جميل ما تركناه.

يجب أن نتعلم ممن سبقنا ، أن نعيش الحياة بقناعة ورضا ، وندرك أن ما هو مكتوب لنا سيكون لنا ومن نصيبنا ، وماهو ليس لنا لن نأخذه ابداً ، لا بقوتنا ولا بذكائنا ولا بكثرة الركض واللهث.

تعالوا نتسلسل في مسيرة الحياة والآمها ؛ الإنسان يعاني من الكبد والمشقة منذ أول نفس هواء يدخل رئتيه ، يصرخ الطفل متألماً من الهواء الداخل إلى صدره الذي يبدأ معه الحياة ، ويتألم ويعاني ساعة الفطام ، لانقطاعه عن صدر أمه ، ثم يتألم ويعاني بمرحلة التسنين ، وعندما يدخل الطفل في سن التعلم ، سيظل يعاني ويكابد أياماً وليال ، عليه أن يتحمل صعوبة الخروج من محيط المنزل إلى محيط أوسع ، وعليه نسيان النوم لحين متأخر ، والاستيقاظ المبكر ، صيفاً وشتاءً ، ومشقة التربية والتعلم والتعليمات المنزلية والاجتماعية من والديه والمدرسين.

تبدأ فترة الدراسة الأساسي والثانوي والجامعة ، وعلى الإنسان أن يتحمل كبد ومشقة التحضير والخوف من الامتحانات ، وما تسببه من هم وغم وقلق وترقب وانتظار للنتائج ، وتنتهي الدراسة والحصول على الشهادة ، وبعد أيام قليلة من النجاح ، تبدأ الأزمة الجديدة من مشقة البحث عن الوظيفة ومعاناة الانتظار وقلة المال ، ومن ثم معاناة وذل التدريب ، وتعب ومرار التأقلم على العمل وأوقاته والتردد بالخيار ، وبعد ذلك يبدأ صراع الأنداد في العمل ، ومكائد الزملاء والمنافسين وقسوة وظلم ونذالة المديرين ، وعدم الاكتفاء المادي وغيرها من أمور.

بعد الوظيفة والعمل ، وما أن نبدأ بالإستقرار ، حتى يبدأ التفكير في انشاء عائلة ، ويبدأ هم التفكير بالزواج ، وإيجاد الشريك المناسب ، وبرتوكولات الجاهة والخطبة والحفلات وأهل العريس وأهل العروس ، ومن ثم تبدأ مرحلة الزواج والتوافق والتخالف والتأقلم والتوابع المختلفة التي فيها المعاناة والقلق والتردد ونسيان النوم والمعارك المستمرة ، ثم مرحلة الإنجاب وتربية الأبناء والخوف عليهم ، وعبء التعليم ، ولا نصحى من شدة الكوابيس إلا ونحن قد دخلنا الى مرحلة الكهولة والأوجاع وتراجع القدرات الجسمية ، نحاول لملمة أمورنا واجتماعياتنا المتناثرة وصحتنا ولكن الأيام لا تتوقف ، وندخل في مرحلة الشيخوخة والضعف والعجز وقلة الحيلة في كل شيء ، والإنغلاق الاجتماعي ، وتأتي مرحلة أرذل العمر التي هي من المراحل الشاقة ، التي تبدأ معها الآلام والمواجع والأمراض والنسيان وضعف المقدرة العقلية وتوقف الأجهزة الجسمية عن العمل بكفاءة ، وتكبر المعاناة من عدم تقبل هذا النوع من العيش ، وتستمر المعاناة والألم والكآبة حتى دنو الأجل ، وفي أيام المنازعة للموت يبدأ الكبد الرهيب ، ويمر الإنسان بكل أنواع المعاناة في انتظار الموت وتمني الخلاص ، والخوف من القادم ، حتى يصل الإنسان إلى مرحلة فقدان الشعور وتنتهي المعرفة بكل شيء ومن ثم الموت.

الإنسان يموت وينتهي ذكره وكأنه لم يكن ، الحضارات تقوم وتنمو بقوة ثم تضعف وتتلاشى وتصبح فقط تاريخ ، وشعوب وأمم كثيرة عاشت قروناً طويلة وكان لها قدرها وعزها ومن ثم انتهت وتم نسيانها. الأيام تجري ولا تنتظر أحداً ليكمل ما بدأ به ، ولا أحد منا يعرف كم سيعيش ، ولا كيف ومتى يكون الموت.

نخاف من ذهاب أعمارنا ، ونخاف من الموت ، لأنه يخرجنا من الدنيا التي ألفناها ونشأنا فيها وأحببناها ، ولو فكرنا لعلمنا أننا على خطأ ، فكل شيء له نهاية ، وهذه الدنيا هي حياة كبد ومعاناة ويملأها الألم والشقاء والركض في مضمار مستمر لا ينتهي إلا بالموت.

الناس تختلف في كل شيء :اختلاف في الرأي ، على طابور الخبز والشاورما ، على المسير في الطريق ، على ركوب الباص وعلى وظيفة أو منصب ، وكل واحد يكيد للآخر ويحفر له لاشياء تافهة ، ومن أجل ماذا ؟ ما دام كل هذا المكسب مصيره الزوال ، وسوف يصبح كل موقف من المواقف لا يساوي شيئاً وستصل بنا الأمور في للنهاية ، ونترك وراءنا كل شيء.

الأيام تجري ، أناس تولد وأناس تموت ، جيل يسلم إلى جيل ، هذه هي دورة الحياة ، نتألم عندما ندخلها ونتألم عندما نخرج منها ، ليس لنا خيار ولا قرار ، ولا بد من أيام ممزوجة بالمرارة والتعب والعناء.

الحياة ممكن أن تتحول فيها فجأة من حالة نجاح وفرح إلى حالة فشل وحزن لفقدان عزيز أو غالى كان يعيش بيننا ونراه ويرانا ، وفجأة لا نجده ، شعور صعب ينتابنا جميعاً فى حالة الفراق والوداع ، لأن الحياة الدنيا لا تسير أبداً في خطٍ مستقيمٍ ، فهي لا تصفو لأحد ، والمشقة والشدائد والمصائب والبلايا من محطات الدنيا ، فإذا ضاقت بك الدنيا وغمرتك وجاءت الأمورُ على غير ما تريد ، فلا تجزع ولا تسخط ، فالبلاء يذهب ويبقى أثره وأجره ، فجهز نفسك على أن الدنيا دارُ امتحان ، لابد من أن تٌمتحن بها واجعل كل ذلك من بواعث حسن الظن في خالقك ، فهذه إرادته ومشيئته ، هو يعلم بما أصابك وسيعوضك خيراً ولن يخذلك الله أبداً.

عندما تطبقت عليك الدّنيا فجأة ، ستجد نفسك وحيداً ، وليس هنالك من معين ، ولن تعرف ما عليك فعله لتنهض على قدميك مجدّدا ، وستغيب عنك كل الطرق لتطرد بها هذا الغمّ المفاجئ الذي أنهك قواك وانهارت حياتك من أجله ، وخسرت أشياءً من نفسك ، وضاع شغفك لكل شيء ، ولم تعد ترغب حتى بالعيش ، هنا قف لحظة وتذكر أنّك لست وحدك في هذا المأزق فالجميع يمر بمثل هذة اللحظات ، وربّما أسوأ منها ، ومن هنا وجب عليك أن تعرفَ أنّ حياتك أبداً لم يُحكم عليها بالفشل لسبب سقوط واحد ، هذا أبداً لم يعني يوما أنّ كل شيء قد انتهى وولّى إلى غير رجعة ، هذا لا يعني أبداً أنّك لن تجد نفسك ثانية ، فالأمر يعني فقط أنّك تمر بمرحلة صعبة من اليأس والاكتئاب ، ويجب أن لا يُقعِدانك في القرنة الكريهة دون رحمة ، يجب أن تتحدّى الألم بكلّ قوة وإصرار ، واسترداد عافيتك ، واستعادة قوتك من جديد ، بمجرد أن تعيد ترتيب أحلامك ستعتريك الرغبة مجدداً في الحياة وفي النجاح ، سيأتيك الحافز الذي غاب عنك.

اسأل المساعدة والمعونة من أصحاب المحبة والعقل والاختصاص ، هناك مشاكل لن نجد لها أجوبة وحدنا ، لذا فالله يبعث لنا دائماً أشخاصاً كهؤلاء، فربما محادثة قصيرة معهم تجعلنا نسعى ونتحمس أكثر للحياة ، استفتهم في تجاربهم وآراءهم ، وفي الأخير تحلى بالصبر وبالأمل والتفاؤل.

الدنيا لا تأتي كمَا نشَاءْ ، ففيها المصاعب والانتكاسات ، وليسَ منَ السَهل عَلينا تقبل الأمُور عِندمَا لا تَكون كما نرغب ، لأننا لا نرى حكمة الله في ذلك ، وسَندركُ مع الأيام الخير الذي خبّأه الله لنا والشر الذي صرفهُ عنا ، فاصبر ، واعلم أن الخيرة فيما اختاره الله.

خلال مسيرتك في الحياة ، هناك من يرتكب أخطاء فادحة في المعاملة والأسلوب ، وهنالك من يزعم أنه يعرف الحياة بكل تفاصيلها ، فلا تترك فرصة أن تبدى رأيك ، ولا تتهرب من الحوار الإيجابي ، العبرة في المواقف والتجارب التي تهيئ لك الرؤية بأشكالها المختلفة ، الصعبة والسهلة ، وعلى مفترقات الطرق.

الحياة تحتاج منك أن تنتبه لخطواتك وأن تكون دون غباء ، انطق حلو الكلام ، وانتبه لإحساس الآخرين ومكانتهم ، ابتعد عن الخبث والخداع ، اعلم أن كثيراً ممن تراهم طوالاً عراضاً ، ستكتشف عند أول مواجهة كم كنت مخدوعاً وكم أنهم أنحف وأسخف كثيراً مما توقعت.

لا أحد يعرف متى سيكون آخر يوم له في الحياة على هذه الأرض ، لا تحكم على الناس من مجرد تصرف ، قد يكونوا ليسوا بهذا السوء ، تحقق بدون اندفاع زائد ، لا تخف من التجارب ، وافعل ما تريد أن تتذكره وتتفاخر به أمام نفسك عند كبرك ، فرأي الآخرين مهم لكن لا تهتم له كثيراً ، عليك ان تعرف قيمة الاعتدال ، فكثيراً ما تكون حماقات مرحلة الصبا رصيد انطلاقك في مرحلة التعقل.

غالباً ما يشعر الإنسان بالحزن وهو الألم النفسي الذي يمكن وصفه بالعجز واليأس والهم والأسى والكآبة ، وهي مشاعر سلبية قد تعيد حسابات الإنسان في كافة الأمور التي تواجهه، وتعكس عليه الهدوء وقلة النشاطات العاطفية ، ويميل الى الانطوائية، ويبدأ البكاء جزء من حياته ليعبر عن حزنه الشديد الذي يريحه في الكثير من الأوقات. في بعض الأوقات لا نستطيع التغلب على الحزن إلا من خلال التفريغ عما يجول بخاطرنا بالتحدث مع الأشخاص المقربين ، بالكتابة التي هي خير وسيلة للتعبير عما في القلب والشعور ، بالصبر الذي هو أفضل علاج للحزن ، بالنسيان لأن الأمور لن تعود بعد غياب ، واخيراً الدموع ممكن أن تريح القلب الحزين.

الحياة لاتستحق منا التناحر والتعصب الذى نعيشه ، فالحياة زائلة وكلنا راحلون ولن تبقَ سوى الكلمة الطيبة والسيرة الحسنة ، ويجب علينا جميعاً أن نحترم بعضنا البعض وأن نعمل لآخرتنا ونعلم أننا ضيوف فى هذه الدنيا وأن الله سوف يحاسبنا جميعاً على أفعالنا وأعمالنا ، وعلينا جميعاً أن نتحلى بالتسامح ونبتعد عن مطامع الدنيا التى تخلق بيننا الأحقاد والكراهية ، فإن كنت فى خصام مع أحد ، فيتوجب عليك على الفور أن تنهي هذا الخصام ، حتى لا يأتي اليوم الذى تندم فيه على عدم فعل ذلك ، فمن منا يضمن الحياة ونحن نرى أحبائنا يفارقونا فجأة دون اي مقدمات.

زيارة المقابر تعطيك عظة كبيرة ، وثقة أن القادر هو الله ولا شيء يستحق المعاناة ، ولا أحد يستطيع تحديد يوم وفاته ، ومعظم من في القبور لم ينهوا أعمالهم، ستشعر بحقيقة الحياة إذا ركزت أكثر بالأرواح التي في القبور ، وتتذكر ما كانوا عليه من شدة وضعف ، المنظر وحده يكفي ويعبر ، لا داعي للكلام ، فقط هي نظرات التأمل بهدوء وسكينة ، فى تلك اللحظات تدرك أن هذه الحياة لا تستحق منا أن نعطيها أكبر من حجمها الطبيعى التى تستحقه ، وكلنا نسير في هذا الطريق.

لا تأسف على ما مضى من العمر ، تفاءل ربما القادم أجمل وأحسن ، لا تترك اي شيء يشغلك ، واستمتع في جميع المحطات ، فقطار العمر لا ينتظر ، يجب أن يكون اللطف بالأقوال والأفعال ، وأن نكون أنقياء أصفياء واضحين وصريحين ، لا يجب ترك خطوط أو مناطق رمادية ولا علامات إستفهام مع من هم حولنا ، فبعض الود يضيع بين مقصودا لم يفهم ومفهوم لم يقصد.

الدنيا ثلاثة أيام: الأمس: عشناه ولن يعود ، واليوم: نعيشه ولن يدوم ، والغد: لا ندري أين سنكون؟ ، فصافح ، وسامح ، ودع الخلق للخالق ، فأنا ، وأنت ، وهم ، ونحن راحلون.

في هذه الدنيا تجمّل بالصبر وتحلَّى بالرضا ، واحتسب الأجر وتذكّر ما أعده اللهُ لأهل البلاء والمحن: ارح قلبك فسيكافئك الله على صبرك وأعلم أن الله تعالى يُوهب فضلًا لا ينضَب مَعينه ، ويُعطي خيرًا ممّا أخَذ ، ثِقُ بمشيئة الله وحكمته وسعة رحمته وبعظيم عدله والالتجاء إليه ، وأعلم أنه ليس عيباً أن تلجأ لله عند ضائقة حلّت بك ، إنما العيب أن تقطع الحبل الذي بينك وبين الله حين يُذهبْ عنك البلاء وتحلّ عليك الرَّحمةُ ، فكن مع الله يكن معك في كل أحوالك ، استعنْ به وتوكل عليه فهو أعظم معين.

د. يوسف العجلوني