0020
0020
previous arrow
next arrow

العجلوني يكتب.. الوظيفة أعباء وعناء وتعب

 كتب. د. يوسف العجلوني

بعد الإنتهاء من الوظيفة في المؤسسات العامة ، تبدأ مرحلة جديدة، بطعم جديدٍ من الحياة الحرة المريحة الممتعة الخالية من الكثير من الإجهاد والإرهاق ، وتنتهي الظروف والواجبات غير الملائمة ، والتي كانت لا تتناسب مع الطموح وليس فيها استقرار ولا راحة البال.

الوظيفة في مقتبل العمر للناشئين تعني الحصول على عمل منتظم يضمن راتباً شهرياً لتأمين لقمة العيش ، ويبدأ بعد ذلك التعود على هذا النوع من الحياة لسهولة الإستمرار بها ، وخاصة لأصحاب الفكر المحدود ، ويكون التفكير بتغيير هذه الوظيفة أو تركها هو إحتمال صعب وقرار مخيف.

الخوف من خوض التجارب المختلفة بالعمل ، واحتمالات الخطورة والخسارة يؤدي إلى الإبتعاد عن العمل الحر الخاص ، وذلك يؤدي إلى هدر الأفكار والطاقات والتطوير ويقلل من التنافس ، ويقلل من تنوع روافد الإنتاج.

أصحاب الفكر الإقتصادي والمستقبل والإنتاج ، والذين لا يخافون المغامرة واعتادوا على المثابرة والعمل الجاد والإجتهاد ، ينظرون للعمل الخاص على أنه فرصة للتحسين وحياة أفضل من الصعب الحصول على مثلها في العمل العام مهما حصل الموظف على مناصب.

الخلاص من العمل العام له الكثير من الفوائد ؛ فأنت تستطيع التحكم في الحياة الشخصية واتخاذ القرارات المناسبة ، وتكون ثمرة جهدك وتفوقك هو ملكك الخاص بك. ويكون مصيرك بين يديك ، تختار ساعات عملك والأشخاص الذين تتوافق معهم ، وتحقق أهدافك بالوقت الذي تراه مناسباً ، ويكون لكل مجتهد نصيب ، ولا يضيع الوقت سدى.
العمل الخاص فيه شغف وحماس ، ولا يوجد يوم يشبه الآخر ، وهنالك أشياء وتجارب جديدة. ويمكنك الدفاع عما تؤمن به ، ويكون لك رؤيتك وطموحاتك وأهدافك الخاصة ، ويمكنك تحقيق ذاتك ويكون الإنجاز لك وتقطف ثماره بنفسك.

في الدول الفقيرة ثقافياً وسياسياً ومالياً واجتماعياً ، لا يوجد موظف في العمل العام لم يمر بأوقات عصيبة وظلم وخذلان ، ولا بد أن يكون قد تعرض للإساءات المعنوية والمهنية ، وهذا ما يجعل بعض الناس الأحرار لا يهمهم الإستمرار بالعمل العام ، ويسعون إلى الخلاص منه والتوجه إلى العمل الخاص الذي يمكنهم من الإبتعاد عن هؤلاء الذين يعانون من الأمراض النفسية كالحسد والحقد والغيرة ، ويلجأ هؤلاء الأحرار إلى القيام بمشاريع خاصة خالية من الكثير من الضغوطات والنذالة.

ترك الوظيفة في الوقت المناسب لا شك أنه ذكاء خارق وإنجاز عظيم لا يدركه إلا أصحاب المعرفة المتمكنون من قدراتهم ، ولهم مكانتهم بالعمل العام ويحبون الحياة المستقرة النقية.

يكون الوقت المناسب لترك العمل العام عندما لا تتماشى الوظيغة مع الأهداف ، وهنالك أشياء تقول لك يجب إنهاء العمل العام الذي أصبح ضرره أكثر من نفعه ، وفيه خسارة للوقت والجهد والمال ؛ اترك العمل العام إذا بدأتَ تشعر بعدم الرغبة في الذهاب إلى العمل ، عندما تصبح ظروف العمل غير مريحة وبائسة ، عندما تبدأ المؤسسة بالتفكك والإنهيار والإفلاس ، عندما تكون بيئة العمل مكاناً خصباً للعصابات والكلاب والأنذال ، عندما لا يمكن حل المشاكل مهما صغرت ، عندما يكون المدير غبياً أحمقاً ويفتقر لصفات الرجولة والإدارة وليس عنده من الضمير شيء ليصبح أداة تُدار لا تُدير ، وليس لها أي قدرة على التغيير. عندما يصبح المدير ضعيفاً ينصت بغباء لكل ما يُقال أمامه ويبني أحكامه على مايصدر من أفواه الحاسدين الملثمين بلثام الرياء واللإنسانية. وعندما يكون المدير يعاني من أعتلالات نفسية جعلت منه انساناً لايثق حتى بنفسه وغير قادر على إدارة ذاته ، اترك العمل العام عندما تصبح بيئة العمل كئيبة وسلبية وتستنزف الصحة والطاقات ولا يكون للكفاءة دور في التقييم ، عندما يفتقد التوازن بين العمل والحياة الشخصية، وعندما يتم ترقية أشخاص على حساب آخرين ، وعندما تزداد الأعباء دون مقابل مادي أو معنوي ، عندما لا تحظى الأفكار البناءة بما يُفترض لها ويكون الملل وعدم التطوير هو السائد، عندما لا يكون هنالك مجال للتعلم وتحسين الخبرات.

إن الخلاص من مسؤولية الوظيفة العامة شيء جميل وضرورة لحياة أفضل لما تبقى من الحياة للتمتع بالمزايا المختلفة من الحرية في كل شيء وراحة البال دون مراقبة ومتاعب وتفاهات ومكائد . لكل أمر أوان.
فالخلاص من العمل العام يعتبر ضرورة ملحة إذا أصبح الأمر يتعلق بصحتك ومكانتك الإجتماعية وراحتك وكرامتك.

لا شك أن الكثيرين من الناجحين من المهنين ذوي الشخصية القيادية سوف يكون لهم فرص متعددة بعد انتهاء العمل العام ، وسيكون العمل الشخصي والخاص أفضل بالنسبة لهم ، وسيكون لديهم مجال أكبر في الإستمتاع بما هو جديد ، والقدرة على مزاولة النشاطات والهوايات التي حُرِموا منها لفترة طويلة.

إن الحياة بعد انتهاء الوظيفة مليئة بما يعود بالمسرَّة والإرتياح ، ويكون الكسب أكبر والميزات واضحة ونافعة ، ويكون هنالك تغييراً كلياً في حياتك ، ولحسابك الشخصي ، أنت لن تُصبح تابعاً لأحد ، وستتحكم في كل ما يخصك بدون أي قيود ، سوف تعمل عندما تريد ، ولديك حرية تعديل جدول أعمالك لساعات العمل الأكثر إنتاجية ، لم يعد العمل من الشركة أو المكتب أمراً ضرورياً ، ويمكنك العمل من المنزل. سَتُصبح مسؤولاً عن نفسك ، وتركز على الأعمال التي تُشبع إبداعك ومهاراتك ، العمل الحر يطور مهاراتك الشخصية والإبداعية بإستمرار ، وسترتفع المعنويات من نجاح إلى نجاح ، وتزيد الثقة بالنفس ، ويمكنك أن تزيد انتشار مشاريعك وتوسيع دائرة أعمالك ومعارفك ، مع توفر الأمان والاستقرار ، ويمكنك اختيار العملاء المناسبين ، وإن لم يناسبك أسلوب العميل يُمكنك الإعتذار بكل سهولة عن عدم إتمام العمل. في العمل الحر هناك المزيد من المال بكل راحة ويسر.

الوظيفة العامة ممكن أن تجلب المناحرات والمتاعب وقلة القيمة ، ويضيع عليك وقت أنت بحاجته للأشياء الجميلة؛ فلن تستطيع التغيب إلا بإذن ، ولن تأخذ عطلة راحة إلا برخصة ، ولن تستطيع السفر والتنزه إلا بتوقيع والذي قد يكون مستحيلاً في أغلب الأحيان ، وإذا مرضت لن يصدقك أحد ، ولن تتمتع بنوم الصباح ، أنت تعيش على أعصابك متوتراً تعاني من التعب النفسي ، ستظل تنتظر الزيادة في الأجور والترقيات ، ولن تكون أبداً كما أنت تريد أو تطمح.

الآن وقد وصلت للتقاعد بعد سنوات طويلة من العمل العام ، وفي صباح أول يوم من تقاعدك ، ستنتبه أن الأولاد رحلوا عن البيت ، وغزا الشيب رأسك وأنت تتساءل متى وقع كل هذا؟ حينها ستعرف أن الوظيفة سرقت عمرك وأيام شبابك الجميلة ، سيعاتبك ضميرك لماذا لم تغادرها وأنت في كامل طاقتك؟ لتستمتع بجمال زوجتك وأبناءك ، ستبرر لنفسك أنه لم يكن لديك الإمكانيات ولم يكن لديك خيار آخر ، ستصاب باليأس والإكتئاب . وستبدأ رحلة الزيارات للمستشفيات والركض بين الأطباء ، وسترحل دون أن يعلم أحد بمعاناتك ، وسيكون موتك حينئذٍ خلاصاً لك واستمتاعاً للورثة بما استطعت أن تحصل عليه من القليل من المال.

انتبه واقتنص الفرصة لحياة أفضل ، واستثمر خبراتك في شيء مفيد ، وعش حياتك كما أنت تريد ، ولا تبقَ في عمل لا يناسبك أو يستهلك طاقاتك وصحتك ، ولا تستمر بالعمل مع الأغبياء والحمقى ، فذلك ليس فخراً ، ولا تساوم ، واهتم ببيتك وعائلتك ، واصنع سعادتك بنفسك ، وامنح نفسك وقتاً كافياً لراحتك ومتعتك ومن يحبونك.

د. يوسف العجلوني