العجلوني يكتب..هل ما تجمعه من مال يستحق ما تفقده من جهدك ووقتك وراحتك وصحتك واصحابك ؟
وكالة الناس – كتب. د. يوسف العجلوني – المال الوفير يجعل الحياة أسهل ويمكنك من أن تفعل معظم ما تراه مناسباً وقتما تشاء ، ممكن أن تسافر حول العالم ، وتمتلك بيتاً واسعاً وسيارة فخمة ، ممكن أن تشتري به أنواعاً من الجاه والسلطة ، ممكن أن يجعلك مؤثراً بالمجتمع ، ولكن إلى حد معين ، في نفس الوقت ممكن أن يجلب لك الشرور والغيرة والكره ودعاء الناس عليك ، لذلك لا تنسى أن تسال نفسك بين الحين والآخر ” هل يستحق هذا المال هذا الجهد وضياع الوقت والصحة ؟ ، وهل أنت سعيد حقاً ؟ ، وهل أنت تضع المال في مكانه الصحيح ؟ ، وهل أنت تستفيد في حياتك الخاصة مما تملك ؟.
مع الأيام يمكن جمع المال بكميات مختلفة وعادةً بطريقة تراكمية تحتاج للصبر والجهد والوقت والتفكير والقلق ، وتكون العلاقة طردية مع ذكاء الشخص وحجم العمل ومكانه ، وكيفية وماهية الطريق المتبع لجمع المال ، وحجم رأس المال.
هناك طرق أسرع من غيرها لكسب المال ، ولكن الأضمن هي التي تعتمد على التخطيط والمواقيت الصحيحة للربح ، والإدارة الجيدة لترتيب النفقات والتوفير ، وتنمية رأس المال وإعادة استثماره ، وتطوير وتوسيع المشاريع قدر الإمكان ضمن درجة خطورة منطقية ومدروسة ، ويجب أن لا يكون هنالك أي ديون غير محتملة قبل الشروع بأيّ استثمارات جديدة ، ويجب أن يكون هنالك حد ومكان للمغامرة وتحديد المتغيرات من وقت لآخر ، وتذكر أن العمر يمضي واستخدامات المال والفائدة منه تتغير.
من أصعب الأمور أن تكون بحاجة للمال ولا تستطيع الحصول عليه ، وتدور حولك كل الهموم المتعلقة بالمال والحاجة له.
عندما تملك المال وتقوم بتوفير ما تحبه نفسك ، سوف تبدأ بعدها بالتطلع إلى ما هو أرقى وأعلى ، وتأتيك أفكار مختلفة ، وتصبح معظم الأشياء تحت مستوى النظر ، ويقل إعجابك بالكثير مما يشتريه المال ، وتقل الإثارة ، وممكن أن تقل الرغبة في الكثير من الأشياء التي كنت تسعى إليها.
المال منطقياً لا بد أن يجلب لك الراحة المادية وسهولة القيام وتنفيذ أشياء عديدة ، لكن ذلك لا يعني بالضرورة المتعة المطلقة أو السعادة والرضى أو راحة البال ، أو صفاء الذهن ، أو النوم المريح.
ممكن أن يحرمك المال من الإنسانية وأمور عديدة فطرية ، وممكن أن يشكل لك قلقاً ومعاناة ، ولا أحد يعطيك المجال أو يصدقك لأنه ينظر لك فقط من الناحية المالية ، وكأنه ليس مسموحاً لك أن يكون لديك احتياجات بشرية ونفسية ، ويجب عليك أن تكون من يعطي دائماً ، وقتك ليس ملكك ، وعواطفك ليست مهمة ، وفي معظم الأحيان يكون القرب والمحبة واللطف الذي يبديه الناس لك سببه طمعهم في مالك.
المال أثناء السعي وراءه قد يسبب ضياع الأيام الجميلة والصحة والحياة ، المال قد يسبب لك العناء والمشقة في المحافظة عليه والخوف من ضياعه ، ودرجة نقصانه وكفايته مع الأيام ، وكيفية إدارته ، وطرق زيادته.
صاحب المال يرغب في أن يبقى صاحب مالٍ إلى الأبد ، وسوف يفوته الكثير من متع الحياة ، وسوف يبقى يركض وراء المال ، وبعد سنوات طويلة سوف يكتشف بأنه أضاع الكثير من الأمور التي لا يعوضها المال.
أنت لست إنساناً خارقاً لتكون متاكداً أنك دائماً على حق ، وليس لأنك تملك المال تستطيع أن تتكلم كما تريد ، وحاجة الناس يجب أن لا تكون مكاناً للتحكم بهم ، وليس كل الناس يمكن مساومتهم ، والمال ليس له نفس الأهمية عند الجميع ، والحق هو الأساس وأصحاب الحق الرجال لا يتركون الحق سواء كان لهم أم عليهم. أنت لا تستطيع أن تحل كل ما تمر به من أزمات وصعاب بنفسك حتى لو ساعدك أصحاب النفوس الضعيفة ، الذين تشتريهم بالمال ، ويجب عليك أن تطلب المساعدة إذا نفسك تقبلت أن تحتاجها ، وهنالك الكثير من الناس ممن حولك ويحبوك يستطيعون أن ينجزوا المهام التي تقوم بها بكفاءة أكبر وسهولة أكثر مما تقوم به.
المال بالتأكيد يجعلك تنجح العديد من العلاقات الفاشلة مع بعض الناس ، ولكن لا يمكنك أبداً أن تنجح علاقة مع أصحاب المبادئ الذين لا يغريهم المال والجاه ، وإذا بدأت هذه العلاقة لن تستمر، فعندما تبدأ بعلاقة قد بدأت بمصلحة، يكون التوافق مزوراً وزائلاً ، وسوف تفشل العلاقة وتنهار في أقرب وقت ، ولن يبقَ لها سبيل بعد ذلك ، وسوف تجني نتائج طمعك من الهموم والمشاكل التي أنت بغنى عنها ، وسوف تبقى وحيداً حتى بوجود أقرب الناس.
المال عند أهل المنطق والعقلاء وكرماء النفس ، وسيلة لحفظ الكرامة وعزة النفس ، وتحسين مستوى الحياة وعمل الخير ، وخدمة للإنسانية ، وتيسير الأمور ، وليس غاية قد تعاني من الكثير لأجلها ، والمال وُجِد لخدمتك ولم توجد أنت لخدمته.
بعض الناس يصبح همه الوحيد جمع المال بشتى الوسائل ، لا يهمه إن كان ذلك بالحق أو بالباطل ، بالحلال أو بالحرام ، حتى يجد نفسه في آخر محطات العمر ، وإذا به وقد ترك ماله للورثة من أزواج بناته وزوجات أبنائه ، فما نال من ماله غير التعب ، وضياع العمر والصحة والأصحاب والأهل ، وجسمه قد أنهكه القلق والشقاء والتعاسة ، هذا هو الإنسان الذي حكم على نفسه بأن يكون عبداً للمال ، فقد عانى في جمعه ، وعاش على حراسته ، وخاف على ضياعه ، ليبقى المال في الدنيا ، ويذهب هو ولم ينوبه من المال سوى وزره وحسابه.
إن الاستمرار في جمع المال لعبة خطيرة ، ولا يُنصَح بها ، وليس لها نهاية ، وتستهلك
ما هو أغلى من المال ، مثل الصحة والعيش المريح والأصحاب والأحباب ، ولا أعتقد أن المال يستحق أي زيادة غير مبررة من العناء والألم والشقاء.
إن من أجمل الأشياء في هذه الدنيا أن يكون لديك من المال ما يكفي ، وأن تهتم بصحتك حتى تستطيع أن تستمتع بالمال ، ولا تقلق في البحث عن طبيب أو دواء أو مستشفى لتصلح ما استهلك الدهر والهموم والتعب من صحتك.
الصحة هي الأساس والأهم ، فلا خير فى المال بلا صحة ، وماذا سيفعل الإنسان بأرقام مهما كبرت من المال مرصدة فى البنوك وأملاك كثيرة في كل مكان وهو لا يستطيع أن يخرج من بيته لأن صحته لا تسمح جسدياً أو نفسياً ، الأيام أثبتت أن لا شيء أهم من الصحة ، لأنها لا تشترى بمال الدنيا كلها.
الذي يخاف على المال ، يخاف من كل شي ، ولن تستقر حياته ، وهو الوحيد الذي يفرح أهله بموته ، فهو يبخل بالمال على نفسه وأهله ، وذلك خوفاً من أن يقل المال أو يفنى ، وإذا طال عمره وعاش ، سوف يعيش وحوله الكثير من المشاكل والعقبات في إبقاء الأموال وتكديسها.
وفي النهاية هنالك نقطتان:
١. علاقة الإنسان مع المال مُحزِنة ، فالإنسان يبدأ بمال قليل ويملك الصحة والشباب ، وخلال سعيه للمال يستهلك صحته وشبابه في ركضه من أجل المال ، فيبدأ حياته ضعيفاً مادياً ، وينهي حياته ضعيفاً صحياً وبينهما يضيع العمر ، ويبقى المال في الدنيا.
٢. حان الوقت للتوقف عن اللهث وراء المال والاستمتاع بما حققت من مال ، وعليك أن تكسب الوقت للعيش الكريم المريح بعزة وأنت بصحتك ، فالحياة تأتي مرة واحدة ، وأيامها معدودة ، ولم تدم هي ولا المال لأحد .
د. يوسف العجلوني