0020
0020
previous arrow
next arrow

القدر ما بركب إلاّ على ثلاثة .. تعدد الزوجات ما بين الكلام والتطبيق والخيال والواقع.

وكالة الناس – كتب . د. يوسف العجلوني – الأصل في حكم تعدّد الزوجات أنه مباح ؛ ولكن قد يكون مندوباً ، أو مكروهاً أو محرّماً ؛ فيكون مندوباً إذا كان الزوج بحاجة إلى أن يتزوج مرّة أخرى. ويكون مكروهاً إذا لم يكن الزوج بحاجةٍ إليه ، وإنما لزيادة التنعّم والترفيه. ويكون محرّماً في حال عدم قدرة الرجل على العدل بين زوجاته مادياً وجنسياً. وهنا يكون عقد الزواج صحيحاً ، لأن الحرمة هنا توجب الإثم على الزوج ولا تجعل العقدَ باطلاً.

الإباحة في تعدّد الزوجات جاءت لإغلاق باب الإنحراف ، ولتكون حلاً مثالياً لعلاج العنوسة. والشرط في الإباحة في تعدد الزوجات هو القدرة ، والعدل بين الزوجات.

الرجل له طبيعة ورأي يختلف عن المرأة في موضوع تعدد الزوجات. الزواج من زوجة واحدة ممكن أن يؤدي بالعلاقة بين الزوجين إلى نوع من الفتور بعد فترة من الزواج , فيبدأ الرجل بالتفكير بالزواج الثاني ، وبعد أن يتزوج بإمرأة أخرى فأنه سرعان ما يشتاق ويحنّ إلى زوجته الأولى مُتأثراً بالذكريات، ووفاءً للعشرة الطويلة بينهما ، وفي نفس الوقت ، قد تعجبه التجربة وليس عنده مانع من زوجة ثالثة ومن ثم التي تليها حتى ولو فشل في التجربة السابقة.

تعدّد الزوجات مسموح به في الشريعة الإسلامية والقانون ، ولكنه يلاقي قبولاً إجتماعياً متبايناً عند البعض؛ فهناك من يراه واجباً ، وهناك من هو مؤيدٌ ومترددٌ ، وهناك من هو ضده. ولكن تعدد الزوجات موجود في الواقع ، لذلك يجب إتباع النهج الصحيح والتعامل معه بمنطقية وعقلانية ، وتثقيف السيدات دينياً ومجتمعياً وعاطفياً ليتقبلن الأمر ، وتستمر الحياة طبيعية دون أزمات نفسية او خلافات مع الزوجة الثانية.

يَلجأ الرجل إلى الزواج الثاني ولا شكّ أنه يريد تجربة حياة مختلفة عن حياته السابقة ، وقد يكون هروباً من المشاكل اليومية والنكد مع الزوجة الأولى ليترك خلفه سلبيات الزواج الأول ؛ لذلك يتأمل الرجل من الزواج الثاني الحصول على راحة البال والسكينة والهدوء والسلام بعيداً عن الصراع على توافه الأمور ، ويطمح إلى مستوى أعلى من الرعاية الشخصية ، ممكن طلباً للاكتفاء الجنسي ، أو بسبب تغيّر الزوجة ، أو تقدم عمرها ، أو اختلاف طريقة تعاملها عاطفياً أو إجتماعياً أو مادياً، وممكن رغبةً بالدعم والمساندة من زوجة أخرى. وممكن أن يكون قرار الرجل غير ناضج ودون وعي ، وممكن أن يكون الرجل أناني حيث يعتبر سعادته الشخصية هي الأساس ، وممكن أن يكون القرار بسبب الغضب والإنتقام من زوجته السابقة لخلافات بينهما.

يتحمس الكثير من الرجال للزواج التالي خاصة إذا كانوا قادرين ، لكن الخوف هنا من أنانية الزوجة الأولى بعدم قبولها للزوجة الثانية ، وممكن أن يتعرقل الزواج الثاني من أهل الزوج وأهل الزوجة الأولى خاصة إذا كانت من أقاربه ، كما أن بعض الفتيات يرفضن الزواج من شخص متزوج.

الزواج الثاني له إيجابيات كثيرة: حيث يفيد في زيادة فرص الإنجاب خاصة في حالة عدم قدرة الزوجة الأولى على ذلك ، فيزداد عدد الأبناء ويزداد بذلك عدد المساهمين في إثراء دخل الأسرة.
كما أن تعدد الزوجات قد يُتيح الاستمتاع بالعلاقة الحميمة ضمن إطار ديني وإجتماعي مقبول. تعدد الزوجات يخفف من عبء المسؤوليات على الزوجة الأولى ويعطيها إستقلالية ومساحة شخصية؛ كما أن الزواج التالي فيه مخرج للفتيات غير المتزوجات من العازبات والأرامل والمطلقات في الحصول على حقهن بالزواج وتكوين أسرة . إن تعدد الزوجات يعطي فرصة أكبر لتحسين النسل ، فالرجال الذين يتميزون بأفضل الصفات يمررون جيناتهم لعدد أكبر من الأبناء من مختلف الزوجات ، مما يؤدي إلى تحسين صفات الجيل القادم في المجتمع. تعدد الزوجات مفيد ايضاً للزوجات أنفسهن ، فكلما كان عدد زوجات الرجل أكثر ، قلّ عدد الأطفال الذين تنجبهم كل زوجة ، وهذا مريح للجميع ، لأنه يقلل من الضغط النفسي والجسمي للزوجة الناجم عن الحمل والإنجاب.

ممكن أن يكون للزواج التالي سلبيات إن لم يكن مدروساً جيداً مثل: زيادة العبء المادي في الإنفاق على بيتين ، وعدم حصول الأطفال على الرعاية المناسبة ، وكثرة الضغط النفسي والنكد ، وتعكير الحياة والجحيم على جميع أفراد الأسرة بسبب الخلاف والتحاسد بين الزوجات ، وممكن أيضاً انتقال الخلافات من الزوجات إلى أبنائهن ، فتنشأ البغضة بين الإخوة ويتهدد استقرار الأسرة وسعادتها. ومن سلبيات تعدد الزوجات أيضاً صعوبة أن يعدل الزوج بين زوجاته. وقد يكون للتعدد أثراً سلبياً على الزوجة نفسها ، حيث يؤثر على حالتها النفسية ، نتيجة لمشاعرها السلبية تجاه الزوجة التالية ، والشعور المُتعب بالحاجة الدائمة إلى التنافس وإثبات الأفضلية للرجل مقارنة مع الزوجة الأخرى.

عندما يريد الرجل الزواج مرة أخرى، يبدأ في التركيز على تشويه صورة الزوجة الأولى ، ويعد التبريرات والتي من أهمها : لا تطيعني ، نكدية ، لا تهتم بمظهرها، مهملة ، متذمرة ، سلبية، مبذرة ، لا تحترم عائلتي ، وأمور أخرى .

عندما يصل الرجل سن الخمسين ، يرغب بشدة أن يعيش كل لحظة كما يريد، وأن يستمتع بكل شيء موجود ، ويبدأ بالتفكير بالزوجة الثانية لكي ينعم بمزيد من الإنتباه والعناية والإهتمام ، والعيش بجو يخلو من المشاكل والنكد ، ويتمنى وجود زوجة صادقة ومُحِبّة للحياة والزيارات والجلسات ، رزينة في تصرفاتها ومتزنة و حنونة ودافئة في مشاعرها ، يعتمد عليها في كل الأمور ، تحترم أهله ، واثقة من نفسها ، تُحب العلاقة الحميمة وتتمتع بذكاء عاطفي ، وتتقبل واقع حياته وترضى بظروفه كما هي ، ولا بأس أن يكون عندها بعض البساطة والغباء.

القليل القليل من الرجال ومعظم النساء لديهم القناعة أن الإقدام على تعدد الزوحات يَنُمّ عن أنانية وقسوة وغدر الزوج بشريكة حياته السابقة التي أمّنته على نفسها وقلبها وعمرها . ولكن هذا الشعور في الواقع يُنافي حقيقة التعدد إذا ما أخذنا أسبابه وفوائده بعين الإعتبار.

قد تظهر علامات على الرجل الذي ينوي الزواج الثاني أو من تزوج الثانية بالخفية منها: يكون مشغولاً دائماً بالعمل وزيارة أصحابه ويكون متوتراً وقلقاً دائماً ، ويحتفظ برقم سري للهاتف لا تعلمه الزوجة الأولى ، ولا يترك هاتفه المحمول أبداً ، وهو دائم الإنشغال بالمكالمات الهاتفية وبصوت منخفض ، ويبدأ يخرج من المنزل بدون زوجته الأولى وبحجج مختلفة ، ويَكثُر انتقاده لزوجته الأولى في شكلها وطريقة كلامها وفي الأمور المنزلية ، ويصبح نومه متقطع ، ويزداد اهتمامه بنفسه ومظهره بطريقة مُبالغ فيها ، ويشترك في النوادي الرياضية ، ويتصرف كالمراهقين ، ولا يهتم بزوجته الأولى كالسابق ، ويفقد الرغبة في الجلوس وتبادل الحديث معها ، ويقصّر في السؤال عنها والإطمئنان عليها ،
وتبدأ حلقة الكذب والتناقض في الكثير من الأحيان ، وذلك كله إما لإخفاء شعوره أو لأنه يبرر لنفسه ما يقوم به.

إذا كنت ترغب بالزواج الثاني وتريد النجاح ، عليك الإنتباه للأمور التالية: التحضير الصحيح للزواج التالي بقناعة كاملة ، إنتبه أن الزواج السابق لا يضمن تلقائياً نجاح الزواج المُقبل ، من المهم أيضاً الإقتناع بأن الرغبة في الحصول على زواج أفضل لا تعني أبداً أن الزواج الثاني سيكون سهلاً ، لا تسوق أعباء زواجك السابق إلى زواجك الحالي ، إبحث عن علاج قبل حدوث أي مشكلة ولا تنتظر الحلول المحتملة ، تجنب مقارنة الزوجة الجديدة بالقديمة ، لا تخف من النقاش الصريح لأنَّ كبت المشاعر له آثار صحية ضارة ويمكن أن يسبب لك الموت المبكر ؛ يجب التعامل مع المواقف الجديدة بصبر وتمهل وبمنظور جديد. يجب أن يكون بحوزتك تكلفة الزواج وزيادة لحياتك الجديدة ، يجب أن يكون عندك منزل ثاني متكامل ومريح ، يجب أن يكون لديك الإستعداد البدني لإنجاب الأولاد ، يجب إقناع عائلتك بزواجك الثاني ، ولا تنسى طلب الموافقة من زوجتك السابقة وإقناعها لتقف معك.

يجب عدم الهروب من الحقيقة والواقع ونعترف بفضل تعدد الزوجات لحل الكثير من مشاكلنا؛ وعلى السيدات أن يضعن المصلحة العامة ومصلحة بنات جنسهن فوق مصالحهن الشخصية في إيجاد فرص للزواج ، يجب على المجتمع أن ينظر إلى تعدد الزوجات نظرة تفاؤل واطمئنان ، يجب على المؤسسات الإجتماعية والدينية أن تقوم بنشر الوعي الصحيح فيما يتعلق بموضوع تعدد الزوحات وفوائده للمجتمع ، يجب العمل على تخفيف نفور السيدات من تعدد الزوجات.

تعتبر الزوجة الأولى أو السابقة محور نجاح الزواج التالي أو فشله ، لذلك يجب التركيز عليها بإقناعها بالمصلحة العامة والمجتمعية من خلال عمل برامج خاصة تشجعها على تقبّل فكرة الزوجة الثانية ؛ كما يجب إقناعها بممارسة حياتها الطبيعية في حالة التعدد. وإقناعها أيضاً أن بعض الأفكار الداخلية المزعجة لها ليست عقلانية أحياناً ، وأن فكرة وجود عيب فيها جعل زوجها يتزوج عليها ليست واقعية. فزواج الزوج لا يعني بالضرورة أنها سيئة أو ليست مطلوبة. كما يجب تدريبها على مواجهة حديث الناس عنها أو شفقتهم عليها ؛ وعدم تشجيعها على السلوكيات العدوانية والمدمرة مع زوجها ، أو ضد الزوجة الثانية ، وعليها الصبر والتكيف مع الوضع الجديد بروح رياضية وعدم ترك المنزل بتاتاً.

وأخيراً أقول لك أيها الرجل:
١. معك حق القدر ما بركب الا على ثلاثة ، واذا ما ثبت وضل يتحرك ، لازم يركب على اربعة ، بصير اكثر ثبات ، وكاحتياط لو فقد واحده بضلوا ثلاثة والقدر بضل ثابت.
٢. أنك بتعدد الزوجات سوف ترضي غرورك ، وستُشبع رغباتك الجنسية ، ولكن إنتبه، إن نكد زوجة واحدة كفيلٌ بأن يسوّد عيشتك وعيشة أهلك بجدارة ، ويقلب حياتك رأساً على عقب ، فكيف عندما يكون النكد التراكمي من عدة زوجات ؟! فقط لديك حل إستراتيجي واحد في هيك مأزق: إنك تحاول أن تخفف من نكد الزوجات من خلال شبكهم مع بعضهم البعض وتفريقهم ، ودير بالك يتجمعن ضدك ، وفي هيك حالة رح يكون وضعك صعب جداً ولا تُحسد عليه ، ولا أعتقد أنك تستطيع تحمله ، ورح تنقلب حياتك إلى جحيم في الدنيا والآخرة ، وإذا ضليت عايش بعد ذلك بدون سكري وضغط وجلطات قلبية ودماغية ومعظم الأمراض النفسية والإجتماعية ، ادعُ الله للآخرين من الرجال الرجال أن يرزقهم الله بما رُزِقتَ به.
رحمك الله يا أخي.
القدر راكب على ثلاثة والطبخة محروقة.

د. يوسف العجلوني