انخفاض الرواتب وارتفاع الاسعار يضعان 44 % من المواطنين بمواجهة عجز مالي غير مسبوق
ايجار المنزل والمواصلات وفواتير الكهرباء والمياه، جميعها مصاريف عملت على ابتلاع راتبي بالكامل”، بهذه الكلمات أبدى نائل السعيد وهو رب لاسرة مكونة من ثلاثة أفراد امتعاضه الشديد من الظروف المعيشية التي تحتم عليه صرف راتبه دون قدرته على توفير أي مبلغ.
وبين السعيد وهو موظف في إحدى الشركات ويتقاضى راتب 300 دينار، أن راتبه يصرف في أول ثلاثة أيام من الشهر، مفصلاً ذلك بدفعه ايجار المنزل 120 دينارا في إحدى الاحياء الشعبية، ومواصلاته الى ذهاباً وإياباً 55 دينارا، و35 دينارا بدل فواتير كهرباء ومياه، وما تبقى من راتبه 90 دينارا يخصصها لاحتياجات المنزل وأطفاله الاثنين.
وأظهر مسح العمالة والبطالة السنوي لدائرة الاحصاءات، أن 44.6 بالمائة من العاملين في الأردن يتقاضون رواتب تقل عن 300 دينار وهو المستوى ذاته في العام 2011.
وكشفت بيانات المسح أن 12.4 % من العاملين في المملكة، يتقاضون رواتب تقل عن 200 دينار، وهو ما يشكل خرقاً للحد الأدنى للاجور المعتمد في الأردن والبالغ 190 ديناراً.
وقال الثلاثيني وفي عينيه بصيص أمل في البحث عن عمل إضافي ينشله من بئر الديون الواقعة عليه لتلبية احتياجات أطفاله، “انني أتمنى إيجاد عمل إضافي حتى لو كان عامل فحم في أحد المقاهي، لعلي اختلط مع الطبقة الغنية ويجدون لي عملاً اخر لكي اشتري سيارة”.
وفي ذات السياق يقول العشريني كمال التيتي والذي يعمل كبائع في أحد محال الالبسة من الساعة العاشرة مساء وحتى منتصف الليل، “انا اتقاضى راتب 280 دينارا ولا يشملني الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، وراتبي لا يغطي الالتزامات الحياتية المفروضة على أي مواطن، خصوصاً في ظل الارتفاع المستمر لاسعار المشتقات النفطية والتي يصحبها ارتفاع في أسعار المواد الغذائية”.
وفي سياق متصل، كشفت البيانات أن 38 % من العاطلين عن العمل يقضون فترة تزيد على عام في البحث عن فرصة وظيفية، من بينهم 17 % يقضون أكثر من عامين.
وفي مفارقة اخرى للانظمة والتشريعات المعمول بها يقضي 6 % من العاملين في الأردن أكثر من 60 ساعة في الاسبوع في العمل.
وباحتساب 6 ايام عمل في الاسبوع فإن هؤلاء يقضون أكثر من 10 ساعات طيلة 6 أيام اسبوعياً في العمل، فيما كانت النسبة 61 بالمائة لمن يقضون 40 الى 60 ساعة اسبوعياً في العمل.
وزاد التيتي وهو أب لطلفلين انه يتمنى الحصول على فرصة عمل في الخارج لكي يواكب الغلاء الواقع على المجتمع، متسائلاً عن مدى قدرة جيل الشباب المقبل على الزواج في توفير مصاريف دخول القفص الذهبي في ظل الغلاء المعيشي التي تشهده المملكة، وفي المقابل تآكل مداخيل المواطنين وتراجع القدرة الشرائية.
من جهته قال الخبير الاقتصادي الدكتور محمد البشير، ان الارتفاع المستمر للمشتقات النفطية والناتجة عنها في ارتفاع أسعار السلع الاساسية لا تواكبه أي زيادة في مداخيل المواطنين، ما يعمل على ارتفاع معدل التضخم، الامر الذي يستوجب تدخلا سريعا من الحكومة بتغيير سياستها في الضريبة بما يتواءم مع مداخيل المواطنين.
ولم تظهر بيانات مسح العمالة والبطالة 2012 اي اختلافات تذكر عن مستوى الاجور مع العام 2011، وأن 1.4 % من المشتغلين الأردنيين يتقاضون رواتب تقل عن 100 دينار شهرياً.
أما نسبة من يتقاضون رواتب تقل عن 500 دينار في المملكة فكانت 89.4 % من المشتغلين بحسب البيانات المسحية لدائرة الاحصاءات العامة.
وبين البشير ان الطبقة الوسطى في المجتمع أصبحت تهبط تدريجياً ليتم شمولها مع الطبقة الفقيرة ما ينذر بحالة خطر جراء تراجع القدرات الشرائية لدى المواطنين، ما يعمل على زيادة نسبة الفقر في المجتمع، الامر الذي يؤدي الى زيادة معدلات البطالة خصوصاً بين فئة الشباب.
وأشار البشير، أن نسبة الرواتب والأجور والعلاوات تشكل تشوها كبيرا في الموازنة، الأمر الذي يتطلب من الحكومة العمل على وجود حلول لتغطية هذه النسبة من خلال تعظيم إيراداتها بشكل يستهدف الطبقات الغنية.
وارتفع معدل البطالة في المملكة للربع الرابع من العام الماضي 2012 إلى 12.5 % مقابل 12.1 % للربع ذاته من 2011.
وقال البشير إن مجموع الرواتب والأجور يمثل قاعدة مهمة للمستهلكين في المملكة ويشكل البنية الأساسية لتحريك الاقتصاد المحلي، موضحاً أن تعديل السياسات الضريبية يعد من الحلول التي من الممكن أن تتبعها الحكومة لخلق توازن في الرواتب تلك النسبة وبشكل يحافظ على معدل رواتب الموظفين.
وتظهر البيانات ذاتها معاناة المبتدئين في العمل وصغار الموظفين في الحصول على اجور عادلة، إذ إنه في الفترة العمرية 15 الى 24 سنة فإن 65.3 % من المشتغلين في هذا العمر يتقاضون رواتب تقل عن 300 دينار.
وتظهر البيانات نفسها، أن العاملين في القطاع العقاري يحصلون على أفضل أجور من بين كافة النشاطات الاقتصادية، إذ إن نسبة من يتقاضون رواتب تفوق 500 دينار في هذا النشاط كانت 35.4 %.
أما نسبة من يتقاضون رواتب تزيد على 500 دينار في المنظمات الدولية العاملة في الأردن، فكانت 33.7 %، تلاها الشركات التعدينية التي يبلغ نسبة العاملين فيها ويتقاضون هذا المعدل من الاجور 33.3 %، وجاء تالياً العاملون في الانشطة المهنية والعلمية والتقنية التي يتقاضى فيها 25.6 % من العاملين اجورا تزيد على 500 دينار.
ويشار الى ان وزارة التخطيط والتعاون الدولي أعلنت في نهاية العام الماضي وفي أحدث بيانتها أنّ نسبة الفقر في المملكة وصلت إلى 14.4 % للعام 2010 مقارنة بـ13.3 % للعام 2008.