عام على ‘‘انهيارات الجوفة‘‘: حلول مؤجلة ومعاناة مستمرة
Share
وكالة الناس – استيقظ أهالي مخيم الجوفة شرقي العاصمة عمّان بتاريخ 31 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي ، على كتاب ينص بضرورة اخلاء منزلين يجاوران البنايات التي انهارت في كانون الثاني (يناير)، ولكن الأهالي رفضوا الخروج، وسط غموضٍ لا يزال يلف مصير جيرانهم في الحي ممن فقدوا بيوتهم قبلهم. بعد انهيار ثلاثة مبانٍ في منطقة جبل الجوفة، أوصت لجنة السلامة العامة واللجنة الإنشائية في وزارة الأشغال، التي كشفت على الموقع حينها، بإزالة هذين المبنيين المجاورين، حتى يتسنى للجمعية العلمية الملكية إجراء دراسة شاملة للمنطقة، يقول المهندس منير قاقيش، وهو مستشار في الجمعية العلمية وعضو في لجنة السلامة العامة. ويضيف قاقيش أن هذه الدراسة الجيوتقنية تهدف إلى مسح المنطقة لمعرفة مناطق الخطر ومواقع المغر والكهوف والانزلاقات. حيث تم مخاطبة أمانة عمّان لتسهيل المهمة بتهيئة الموقع، وذلك لضمان “سلامة المواطنين”. بيد أن السكان تصدوا لهذه المحاولة في ذلك اليوم، فيما يتصدى جيرانهم أيضاً لاقتراح سمعوا به في وسائل الإعلام وتبلغوا به عن طريق النائب ديمة طهبوب، يقضي بتعويضهم بشقق في مشروع “سكن كريم لعيش كريم”. منذ حادثة الانهيار التي وقعت في كانون الثاني (يناير) من العام الحالي، يقطن أهالي المنطقة في بيوتٍ مستأجرةٍ، كانت وزارة التنمية الاجتماعية تدفع أجرتها بالتعاون مع المجلس النرويجي للاجئين حتى وقتٍ قريب. انتهى العقد الموقع بين مالكي البيوت المستأجرة مع المجلس في آب (اغسطس) الفائت، وانتهى التمديد الإضافي في شهر أيلول (سبتمبر)، والعديد منهم مُطالب بأجرة شهر تشرين الأول (اكتوبر) التي يزعمون أنهم لا يملكونها. على الرغم من ذلك، كثيرون يتشددون في رفض حلٍ يقتلعهم من أرضٍ يملكونها واشتروها من مؤسسة الإسكان والتطوير الحضري في الثمانينيات ويذهب بهم إلى ضواحي المدينة. ماذا حدث منذ كانون الثاني؟ مباشرةً بعد الانهيار، تم إخلاء قرابة 381 فرداً من المنطقة، أي 55 أسرةً، وتم إيواؤهم في شقق فندقية، ومن ثم في بيوتٍ مستأجرةٍ، حيث بلغ حجم الإنفاق على تدخلات وزارة التنمية الاجتماعية بحسب الناطق الإعلامي للوزارة فواز الرطروط “قرابة 150 ألف دينار على هذه الأسر”. ظل الأهالي يتطلعون إلى إعادة البناء في الموقع ذاته، ولكن العثور على المغارات الأثرية عند إزالة أنقاض البنايات المنهارة أطال مدة الانتظار إلى حين صدور قرار من مديرية الآثار العامة يبت باستملاك الأرض أو الاستغناء عنها، ويليه تحرك أمانة عمّان لتهيئة الموقع لإجراء دراسة من قبل الجمعية العلمية الملكية تبيّن سبب الانهيار ومدى صلاحية الموقع للبناء مرة أخرى. هذا القرار المنتظر صدر بكتابٍ رسميٍ في منتصف أيلول (سبتمبر) الماضي، بحسب مصادر مطلعة في دائرة الآثار العامة، حيث بينت الدائرة عدم تلبية الموقع لمعايير الاستملاك، وبالتالي لا حاجة للاستثمار فيه. يقول المواطن أحمد علقم، وهو متقاعد عسكري من سكّان البيوت المتضررة، أنهم التقوا بوزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء د.ممدوح العبادي بعد اعتصامات نفذها الأهالي وهو “لم يتطرق لملف سكن كريم”، كذلك لم يتطرق للشؤون الفنية ولا للقرارات، لكنه وعد بحل المشكلة، “لأننا كنا قد قدمنا استدعاء للديوان الملكي”. وأضاف علقم، وهو رب لأسرة تتألف من 7 أفراد، أن “منطق الفزعة” هو الذي تسيّد المشهد في الجوفة، فقد كان للجميع “الرغبة بالظهور إعلاميا بأنهم متواجدون.. بعد مرور أربعة أيام على الانهيار انقطع الاتصال بكل المسؤولين”. وعد سكن كريم لعيش كريم تعليقاً على اقتراح تعويض الأهالي بشقق سكن كريم لعيش كريم، قالت النائب ديمة طهبوب لمعدة التقرير “اتصل بي الوزير قال لي بشريهم أنه صدر قرار وأكدت لي إياه وزيرة ثانية، تمليكهم لشقق سكن كريم لعيش كريم، لأنه لا يمكن البناء في المنطقة التي يقيمون فيها حالياً”. وأضافت طهبوب أنها لم تتشاور مع الأهالي بعد في الاقتراح، ولكن “بيهمني مصلحتهم، ألا يخسروا خياراً قد لا يكون له بديل”. بيد أن ناصر الحاج، وهو الآخر من سكان البنايات المنهارة، والذي يصر على أنها انهارت بسبب منظومة الصرف الصحي المتهالكة في المنطقة، يخشى أن يكون ظنه في مكانه، وتقصد الحكومة سكن “أبو علندا” فيقول أنه “والله لو بيطوبوه كله، وببلاش، ويعطوني مصاري، ما بوخذه.. أنا ساكن بنص عمان، أروح على البيضا (سكن كريم منطقة أبو علندا)؟ اللي بده يركب من هناك لهون بده خمس ليرات”! ويشاطره الرأي شقيقه عزمي، الذي كان يقيم في البناية ذاتها، فيستهجن الاقتراح قائلاً “الناس التي بُنيت لأجلهم رفضوها، كيف نذهب نحن ونحن لدينا طابوه؟”، ويذكّر بأن هناك من اقترح إيواءهم في شقق المشروع مؤقتاً في بداية الأزمة، ولكنهم رفضوا حينها ذلك. بحسب الإجابات المستطلعة، يُعزى نفور السكان من المشروع لكثرة ما يُتداول حول مواصفات البناء، والتصدعات، وخصوصاً سكن منطقة “أبو علندا” لكونه “غير مخدوم” بالمقارنة مع منطقتهم على حد رأيهم، فسكانه أنفسهم يشتكون من قلة الخدمات وبعدهم عن المدارس والمستشفيات. يعلّق هيثم رمضان، والذي كان يجاور ناصر وعزمي بالسكن، فيقول “عندي أخ بيغسل كلى، لو صار معه حالة طارئة، لتصله الإسعاف بيكون راح”، ويضيف أنه يعمل في مهنة التدريس، ومطّلع بحكم عمله على السكن الذي مُنح للمعلمين “في بعض البيوت منهارة الجدران، والبنية التحتية مش صالحة، والصرف الصحي بفيض”. يعتبر رمضان أن الأهالي استطاعوا انتزاع أحد حقوقهم عندما قامت شركة مياهنا مؤخراً بتغيير مجرى خطوط الصرف الصحي، وأبعدتها عن المنازل، فـ”رح نطالب بأحسن من هيك.. مش يرمونا زي كأنه بنشحد، إحنا عنا بيوت قائمة وسبب سقوطها الصرف الصحي”. من جهته، يقول المهندس قاقيش، لمعدة التقرير، والذي كان مكلفاً بالذهاب إلى الموقع عند حدوث الانهيار، أنه لغاية اللحظة لم يحددوا بعد السبب والمسؤولية التامة. وفق قاقيش “رأينا حينها عمودا مصبوب جديد آيل للانهيار، وكان في بعض التنكات زادوهن جديد، وأجت ميّ عبّت العصر، وكان في أعمال بناء وتشييد.. لما بلشنا ننظف، لقينا بواقي حفر تحت المنزل.. أيضا نظام التصريف عندهم عبارة عن قنوات، ما الهاش خطوط صرف صحي مناسبة، الصرف الصحي أو المواد العادمة تمر بين قنوات مختلفة، وطبعا فيها مواد كيميائية مختلفة تؤدي إلى تآكل الخرسان والكونكريت.. عوامل كثيرة تجمعت”!. إذا ما طُبّق القرار، فهذا يعني ترحيل كل العائلات التي تم إخلاؤها عند الانهيار، أي أكثر من 50 عائلةً، من منطقة مخيم الجوفة، ولكن يبدو أن موقف عائلات البيوت “المُخلاة احترازياً” لا يختلف كثيراً عن موقف “أهالي البنايات المنهارة”. يقول المواطن أحمد الذيبة، وهو موظف حكومي يقطن في أحد البيوت المجاورة لموقع الانهيار، بأنه لا يستطيع عملياً الانتقال لشقق سكن كريم، فمن يسكن في تلك المناطق “بده يكون معه سيارة ودخله 500- 600 ليرة عشان يقدر يعيش”، الأمر المستحيل في حالته وهو يتقاضى راتبا تقاعديا يصل إلى نصف هذا المبلغ. ويضيف “ما بيعوضوني ببيت، ما بيعوضوني أصل الشارع ولا أنا في البلد، أو إذا مرض ابني، بحطه على كتفي بوصل البشير!” لم نتمكن من الحصول على رأي وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء ممدوح العبادي للتعليق لنا، رغم محاولاتنا المستمرة لأخذ وجهة نظره وهو أحد المسؤولين المطلعين على الملف. يلخص علقم عتب أهل المنطقة بالقول “نحن مواطنون، ولنا الحق في معرفة القرارات قبل صدورها، نحن بين المطرقة والسندان الآن، الإيجارات من جهة والالتزامات المتحققة علينا والمماطلات من جهة أخرى، قد تحتاج لأربعة أو خمسة أشهر، أقل واحد فينا مستأجر بـ 200 دينار، ولا أحد يرحم. بكرة سنُطلب للتنفيذ القضائي!”. مسؤوليات متعددة يرى المحامي مازن الطويل أن ثمة إهمالا حكوميا تجاه معاناة هؤلاء الأشخاص، وإن كان بعضهم يتحمل مسؤولية إقامة أبنية غير مرخصة ومخالفة للمواصفات، “لكن نحن أمام أمر واقع، فلا بد للحكومة أن تتعامل معه وتعالجه وتتحمل مسؤوليتها تجاهه، لا سيما وأن هناك تقصيرا من قبل أمانة عمان فيما يتعلق بالأبنية المخالفة، فبالنهاية هي مسؤولية الأمانة بالتنظيم وسكوت الأمانة على وجود مبان مخالفة وآيلة للانهيار فيه تقصير منها”. وتابع المحامي قوله إن هناك تقصيرا من قبل وزارة الأشغال فيما يتعلق بالبنية التحتية لتلك المباني، فإذا ثبت وقوع الانهيارات بسبب قنوات الصرف الصحي وتأثيرها على الأبنية، فإن “ذلك يستوجب التعويض لهؤلاء السكان ولكن ذلك بحاجة لتقارير خبرة تثبت أن أحد أسباب الانهيارات هو قنوات الصرف الصحي”. في هذه الحالة، يقول الطويل أن بإمكان السكان اللجوء للقضاء ورفع دعوى للمطالبة بهذا التعويض. برأي الطويل، لا يمكن النظر للمذكرة التي تلقاها السكان بتاريخ 31 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي “إلا كمحاولة من أمانة عمان لإخلاء مسؤوليتها”، فيما إذا حدث أي انهيار، خصوصاً وأننا مقبلون على فصل الشتاء، فالمشكلة قديمة وبدأت منذ شهر كانون الثاني (يناير) الماضي. المدير التنفيذي لدائرة رقابة الإعمار في أمانة عمان المهندس رائد حدادين، اوضح أن الأمانة “غير مخولة بالحديث عن سبب الانهيار”، وأضاف بأن الرقابة على المخالفات، والتي قد تهدّد سلامة المواطنين، ليست من اختصاصهم، فيقول “أمانة عمّان مهمتها تنظيمية.. السلامة مهمة المواطن؟ ليش في مكاتب هندسية؟ ليش في نقابة مهندسين؟”. على الرغم من ذلك، استطرد حدادين بحديثه السابق مع معدة التقرير، أن “الأصل أن تراقب أمانة عمّان ولكن يتم الطلب من المخالفين بالتوقف عن البناء، فـيبنون في الليل” على حد تعبيره. سكن لائق معيار الحد الأدنى الحق في السكن اللائق وضمان إعمال هذا الحق يكمن عن طريق السياسة والبرامج الحكومية الملائمة، وإعمال الحق في السكن اللائق واحدة من مسؤوليات الدول، كان مدخلا للمقررة الخاصة المعنية بالسكن اللائق كعنصر من العناصر المكونة للحق في مستوى معيشي ملائم، والتي قدمت تقريرها السنوي في اجتماعات الدورة الحادية والسبعين للجمعية العامة المتبوعة للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 2016. وقد اعتمدت اللجنة المعنية بـالحقوق الاقتصـادية والاجتماعيـة والثقافيـة، ضـمناً على الترابط القائم بين الحق في الحياة والحق في السكن اللائق، من أجل تحديد حالات الحرمان من الحقوق التي يجب أن تعالج على سبيل الأولويات. وذكرت اللجنة الأممية أن الدول في ظروف الحرمان من هذه المستويات الأساسية “مخلة مبدئيا بالوفاء بالتزاماتها بموجب أحكام العهد الدولي”. “لا يجوز نزع ملك إنسان إلا مقابل تعويض ولأجل المنفعة العامة وهو ما نصت عليه المادة 11 من الدستور الاردني والتي تنص: لا يستملك ملك أحد إلا للمنفعة العامة وفي مقابل تعويض عادل حسبما يعين في القانون”، كما يقول المحامي مازن الطويل. بعد قضاء شهورٍ طويلةٍ في استجداء الإجابات حول مصيرهم، لا يخفي سكان المنطقة شعورهم بالغبن وإهمال المسؤولين، ولكنهم لا يستغربون، فهي لا تأوي، على حد تعبيرهم، “سفارة أو حتى مسكن لنائب أو وزير”.