مشاعر الخوف تجتاحهم.. ما الذي يخشاه السوريون بعد فوز المتطرف فيلدرز “ترامب هولندا”؟
اجتاحت مشاعر “القلق” و”الخوف من المستقبل” السوريين لا سيما الذين ينتظرون الحصول على تصاريح الإقامة أو الجنسية بعد “الزلزال السياسي” الذي هز هولندا وأوروبا بكاملها إثر فوز أكثر الأحزاب تطرفاً ومعاداة للإسلام واللاجئين في الانتخابات التي أُجريت في البلاد قبل أيام.
ووفقاً لاستطلاعات الرأي لدى خروج الناخبين من مكاتب الاقتراع الذي تم الإعلان عنه أصبح حزب “الحرية” الذي يتزعمه اليميني المتطرف خيرت فيلدرز هو الأكبر بـحصوله على 37 مقعداً.
وحصل تحالف حزب “اليسار الأخضر” و”العمل” على 25 مقعداً، وحصل حزب الشعب (يمين وسط) على 24 مقعداً، كما حصل حزب “عقد اجتماعي جديد” بزعامة بيتر أومتزيخت على 20 مقعداً.
أما حزب الديمقراطيين (D66) فحصل على 9 مقاعد وحزب الفلاحين على 7 مقاعد. وحصل حزب النداء الديمقراطي المسيحي(CDA) على 5 مقاعد ومثله الحزب الاشتراكي (SP).
وحصل حزب “منتدى من أجل الديمقراطية” اليميني على ثلاثة مقاعد ومثله حزب “من أجل الحيوانات” والاتحاد المسيحي وحزب الاشتراكيين و”دينك”، في حين حصل “فولت” على مقعدين و حزب (JA21) اليميني على مقعد واحد.
وستعلن اللجنة المركزية للانتخابات النتائج النهائية الرسمية يوم الجمعة 1 من كانون الأول/ ديسمبر وسيجتمع النواب الجدد لأول مرة يوم الأربعاء في السادس من الشهر نفسه.
صدمة وانتقادات
بعد صدور النتائج غير الرسمية عبر كثير من الساسة الهولنديين عن صدمتهم ووصفت وزيرة المالية المنتهية ولايتها وزعيمة حزب الديمقراطيين السابقة سيغريد كاخ فوز “الحرية” بأنه “مثير للقلق”، وقالت كاخ التي حصل حزبها على 10 مقاعد في تصريحات لها “أتلقى ردود أفعال من الخارج: ويسألون ماذا حدث لانتخاباتكم؟”.
كما قالت السياسية المعروفة بدعمها للاجئين في تصريحات صحفية لها “إن فيلدرز بدأ مؤخراً يتظاهر بأنه أصبح الأم تيريزا ولكنه على مدار العشرين عاما الماضية كان يمارس العنصرية ويبث الكراهية ضد مجموعات معينة في المجتمع وأعتقد أن رجلا بعمر الستين لا يتغير بيوم أو يومين”، مضيفة بأنه قد يصبح رئيس وزراء رسميا “لكنه ليس رئيسيا”.
بدوره انتقد زعيم حزب اليسار الأخضر والعمل فرانس تيمرمانز وسائل الإعلام لأنها سألت زعيم حزب الحرية خيرت فيلدرز القليل جداً خلال الحملة الانتخابية عن برنامجه الانتخابي “الذي يقصي فيه مليون هولندي”.
وشكك تيمرمانز باتخاذ فيلدرز موقفاً أكثر اعتدالاً وبقوله بأنه يريد أن يصبح رئيس وزراء لكل الشعب الهولندي، وأكد أن فيلدرز لا ينأى بنفسه ولو قليلاً عن برنامج حزب “الحرية” الذي يدعو إلى حظر المساجد والقرآن والحجاب.
“تضامن”
على المستوى الشعبي عبر المئات سواء في الشارع وعبر مواقع التواصل الاجتماعي عن تضامنهم ووقوفهم إلى جانب المسلمين واللاجئين، وتظاهر أكثر من ألف هولندي في ساحة الدام في أمستردام للتعبير عن وقوفهم إلى جانب المتخوفين من فوز فيلدرز ورددوا شعارات “مرحباً باللاجئين هنا” إضافة إلى شعارات ضد السياسي الهولندي المتطرف وإسرائيل.
كما تظاهر في أوتريخت أيضاً أكثر من ألف هولندي ورددوا شعارات تندد بنتائج الانتخابات وتتضامن مع اللاجئين والمسلمين مثل “لستم وحدكم”.
وكانت المظاهرة من تنظيم شريفة سلامي من حزب اليسار الأخضر وماتيس كليج من حزب العمل الهولندي (PvdA)، وقالت سلامي “لن نقبل أبداً أن يُنظر إلى بعض الناس على أنهم أقل أو مستبعدون أو يتعرضون للتمييز”.
ونقلت وسائل إعلام هولندية عن أحد المتظاهرين قوله “نحن هنا من باب التضامن مع جميع الهولنديين وخاصة هنا في أوتريخت حيث رأينا أن جزءاً كبيراً جداً من السكان غير راضين عن نتائج الانتخابات”.
كما قالت متظاهرة أخرى إنها تتعامل مع اللاجئين كل يوم في عملها في أحد مركز الإيواء إنها لا تستطيع أن تتقبل أن فيلدرز يطلق على اللاجئين “باحثين عن الثروة”!.
كما نظمت الحركة المناهضة للفاشية أيضاً مظاهرة في ساحة البلدية في أوتريخت وحضر المظاهرة نحو 400 شخص ودعا أحد المتحدثين إلى “إضراب وطني” إذا انضم حزب “الحرية” المتطرف إلى الائتلاف الحكومي.
وفي لايدن أيضاً تظاهر مئات الهولنديين دعماً للأقلية المسلمة واللاجئين الخائفين من الحكومة اليمينية القادمة.
“مشهد ضبابي” ومساع لإفشال فيلدرز
سياسياً، ما زال المشهد ضبابياً حول شكل الحكومة القادمة وتوجهاتها إزاء قضية اللجوء في ظل رفض بعض الأحزاب الكبيرة التعاون مع فيلدرز.
واستبق حزب الشعب “VVD” مشاورات تشكيل الحكومة برفض المشاركة في حكومة مع حزب “الحرية” بحسب ما قالت رئيسة الحزب ديلان يسيلجوز الأمر الذي تسبب بحالة من الغضب بين أعضاء “VVD” في البلاد الذين قالوا إنهم “غير راضين” و”غاضبين” من تصريحات رئيسة الحزب، وفق ما نقلت وسائل إعلام هولندية.
من جانبه قال فيلدرز: “إنه أمر مخيب للآمال للغاية”، مضيفاً “إنه اختيارها.. لكنني لا أعتقد أن هذا ما يريده الهولنديون.. وبطبيعة الحال، هولندا تنتظر حكومة يمين الوسط”.
أما أومتزيخت فقال إنه كان ينبغي على يسيلجوز أن تعلن ذلك خلال المحادثات معتبراً أن ذلك “غريب”.
في الأثناء يدرس تحالف “حزب العمل واليسار الأخضر” الاندماج مع أحزاب الديمقراطيين والشعب وعقد اجتماعي جديد.
ووفقاً لزعيم الحزب فرانس تيمرمانز، فإن اسم الحزب الجديد يمكن أن يكون GroenLinks-Pvda-D66-VVD-NSC.
ويقول تيمرمانز “لقد أثبت الاندماج بين GroenLinks وحزب العمل نجاحه الكبير.. وسيؤدي ذلك الاندماج إلى إنشاء حزب كبير واحد من يسار الوسط يمكنه توفير توازن قوي مع حزب الحرية”، وفق ما ذكر موقع “نيوز بال” الهولندي.
وأعرب السياسي الهولندي عن أمله بتشكيل ذلك التحالف قبل مشاورات تشكيل الحكومة، مضيفاً إلى أنه “بضربة واحدة يمكن أن يخلق أكبر حزب على الإطلاق وبالتالي سيكون التفاوض مع فيلدرز غير ضروري لأنه سيكون لدينا الأغلبية البرلمانية 78 مقعداً وأنا يمكن أن أصبح رئيس وزراء على سبيل المثال”.
من جانبه دعا فيلدرز بعض قادة الأحزاب إلى الجلوس لتشكيل الحكومة وكتب على صفحته في فيس بوك “إذا جلس (رئيسة حزب الشعب VVD) ديلان يسيلجوز و(رئيس حزب عقد اجتماعي جديد NSC) بيتر أومتزخت معي ومع (رئيسة حزب الفلاحين BBB) كارولين فان دير بلاس غداً على الطاولة وبدأنا جميعاً في التحدث وتقديم تنازلات معقولة، فسوف نتوصل إلى اتفاق ائتلاف في غضون ثلاثة أسابيع”، مضيفاً بأن “هذا ما يريده الناخبون وهو الأفضل لهولندا”.
كما قال أيضاً “لقد اعتقدوا لسنوات أنهم قادرون على تهميش حزب الحرية سياسياً (…) لكنهم نسوا أنني أستمر دائماً، ولا أستسلم أبداً، والنكسات تجعلني أقوى والآن أصبحنا أكبر حزب في هولندا”، مضيفاً “سأظل إيجابياً ومعقولاً.. سأستمر في الاعتدال لأن المسؤولية التي أشعر بها كبيرة جداً”. وتابع السياسي الشعبوي “يريد حزب الحرية أن يساهم في حل المشكلات الكبرى التي تواجه الهولنديين: عدد كبير جداً من طالبي اللجوء، وعدد قليل جداً من المنازل، وقوة شرائية غير كافية، وسوء الرعاية الصحية.. اليوم أو غدًا أو بعد غد، سيساعد حزب الحرية في حكم هولندا وسأصبح رئيساً لوزراء هذا البلد الجميل”.
“قلق وخوف”
في الأثناء، لا يزال القلق هو سيد الموقف بين طالبي اللجوء السوريين الذين يخشون من تغير القوانين المتعلقة بسياسة اللجوء في البلاد خصوصاً أن حزب “الحرية” والأحزاب اليمينية الأخرى تتراوح مطالبهم بين إغلاق باب اللجوء في وجه كل اللاجئين وبين الحد من تدفقهم.
ويقول طالب اللجوء السوري نذير العلي المقيم في مركز إيواء قرب مدينة أوتريخت، لموقع تلفزيون سوريا “خبر صادم جداً هو فوز اليمين في الانتخابات”، مضيفاً “خائف جداً على مستقبلي هنا لا أدري إن كان بإمكاني الحصول في المستقبل على تصريح إقامة ولم شملي مع أسرتي، قبل أن يفوز اليمين كان علينا أن ننتظر ما يقارب العامين والنصف للحصول على إقامة ولم شمل وسكن”.
ويتابع “لا أدري ربما يتغير كل شيء حتى قوانين اللجوء ربما سيتعبرون سوريا آمنة”.
وفي بعض الدول الأوروبية كالسويد مثلاً تعتبر الحكومة بعض المدن السورية “آمنة” وبالتالي لا يحق لهم الحصول على حق اللجوء ويخشى كثير من طالبي اللجوء السوريين تطبيق سيناريو السويد في هولندا لكن هذا المخاوف في غير محلها حتى الآن كون وزارة الخارجية الهولندية ذكرت في آخر تقييم لها للوضع في سوريا أن كل البلاد غير آمنة لعودة اللاجئين وأن هناك خطرا على حياتهم في حال عودتهم.
ويدعو حزب “الحرية” في برنامجه الانتخابي إلى سحب تصاريح اللجوء المؤقتة للسوريين بذريعة أن هناك “أجزاء من سوريا آمنة”، كما يؤكد على أن حاملي الإقامة الذين يذهبون في عطلة إلى بلدهم الأصلي “سيفقدون على الفور تصريح إقامتهم”.
كما يدعو إلى تجميد اللجوء في البلاد وحظر الجنسية المزدوجة وإعادة مراقبة الحدود الهولندية لصد طالبي اللجوء وإلغاء معاهدة الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين.
من جانبه يقول السوري “عبد الله.ق” (طلب عدم ذكر اسمه كاملا) المقيم في مركز إيواء قرب مدينة دنهاخ بحزن “يبدو أن الحظ السيئ يرافقنا أينما حللنا.. ما زلنا بانتظار الحصول على تصريح الإقامة لكننا الآن لا ندري ماذا سيقرر السياسيون بخصوصنا”.
ويضيف طالب اللجوء لموقع تلفزيون سوريا “هل ستتغير قوانين اللجوء؟.. سمعت عن قوانين مقترحة من أحزاب يمينية للحد من اللجوء”، ويتابع أن “المشهد مظلم ولا أحد يعرف ما الذي ستقرره الأحزاب اليمينية”.
خوف من تعديل قانون التجنيس
القلق لا يعتري طالبي اللجوء فقط، فالسوريون الحاصلون على إقامة وينتظرون الحصول على الجنسية يشعرون أيضاً بالقلق خوفاً من تغيير قوانين التجنيس.
ويقول اللاجئ السوري زياد.ق (طلب عدم ذكر اسمه كاملا) المقيم في مدينة دلفت لموقع تلفزيون سوريا “أنا مقيم في هولندا منذ ثلاثة أعوام وبالتالي علي الانتظار عامين آخرين كي يحق لي التقدم للحصول على الجنسية”.
ويضيف زياد “لا أدري الآن ما الذي سيحصل بعد فوز الأحزاب اليمينية ربما يضعون شروطا جديدة أو تصبح المدة أطول”.
بدوره يقول رامي الأحمد المقيم في قرية نوتدورب “اخترت هولندا من بين كل الدول الأوروبية لأن الحصول على جنسيتها أسهل من باقي الدول الآن كثير من السوريين خائفون من تغير كل القوانين التي تخص الجنسية.. لم أتخيل أبداً في حياتي أن أكثر الأحزاب اليمينية تطرفاً سيفوز في الانتخابات”.
وكان حزب الشعب (يمين وسط) قد اقترح في عام 2020 عدة تعديلات على قانون التجنيس منها رفع مدة الحصول على الجنسية من خمس سنوات إلى سبع سنوات لكنه لم يستطع تمرير المقترح في مجلس النواب بعد اعتراض عدد من الأحزاب عليه.
كما اقترح الحزب أيضاَ رفع شرط مستوى اللغة إلى B1 وحالياً يجب على اللاجئ تجاوز مستوى A2 للحصول على الجنسية، من جانبه يقترح حزب “JA 21” رفع مستوى شرط اللغة المطلوب للتقدم للحصول على الجنسية إلى C1 وهو المستوى الذي يصعب حتى على الهولنديين أنفسهم اجتيازه!.
وشهدت مراكز الإيواء في هولندا قبل أشهر ازدحاماً بسبب قلة الأماكن المخصصة لطالبي اللجوء الأمر الذي أحدث ضجة في البلاد وسط معاناة آلاف من طالبي اللجوء السوريين من فترات الانتظار الطويلة للحصول على تصاريح الإقامة.
ويقدّر عدد اللاجئين السوريين في هولندا بأكثر من 150 ألف لاجئ، حصل عدد كبير منهم على الجنسية الهولندية، في حين ينتظر البقية الحصول عليها بعد استيفاء الشروط اللازمة، وأبرزها: (تعلّم اللغة الهولندية وإقامتهم لمدة خمسة أعوام).