هربا من المشاعر السلبية يغلقون عالمهم على الشبكة العنكبوتية
قرر الاربعيني «عادل» الغاء حسابيه على موقعي التواصل الاجتماعي الفيسبوك وتويتر واقفال جهازه المحمول حتى اشعار اخر مبررا ذلك بتوقه للراحة النفسية والهدوء اللذين غابا عن حياته منذ ان بدأ التعامل مع تلك التقنيات مرغما , بفعل ما اسماه زلزال التواصل « غير الاجتماعي « على الاطلاق .
ويصف شعوره لحظه اتخاذ قراره بانه خليط من « الاشمئزاز « المصحوب بالغثيان واحساس غريب بانه يدور في فراغ ويبحث عن لاشيء مع اشخاص لا يمتون له باي صلة , مستغرقا ساعات من الضياع والانفصال عن محيطه .
يشاطر عادل في قراره هذا الكثيرون ممن يفكرون جديا بالغاء حساباتهم على الشبكة العنكبوتية ويشعرون بذات المشاعر ، وسط تساؤلات ملحة عن طبيعة الاثار النفسية المترتبة على ادمان بلا مبرر وبلا هدف , وهل من الطبيعي ان يصاب المرء بعوارض مختلفة كحالة من « القرف « او الاشمئزاز , او الغثيان , والاحساس بالذنب على اوقات تضيع بلا طائل .
يبرر مختصون اجتماعيون قيام اشخاص باغلاق حساباتهم اذا كان لصالح الصحة العامة والهدوء النفسي والراحة مع التشديد على نبذ الانكفاء على الذات فيما يؤكد مختصون بعلم النفس ان عالم القرية الكونية يتطلب من الجميع الانفتاح العقلاني والتصرف مع هذا العالم الافتراضي بوسطية واعتدال .
سكرتير التحرير بالدائرة الرياضية بجريدة «الرأي « لؤي العبادي: : ما دفعني لاغلاق حسابي على الفيس بوك هو احساسي بالعيش في عالم افتراضي اكثر مما هو واقعي فضلا عن اختراق حياتي الشخصية من كثيرين معلقا : اتمنى لو ان الفيسبوك لم يظهر ابدا في حياتي. ويستدرك عجزت عن اعادة اغلاقه لادماني على التواصل الالكتروني وكسلي بالعودة الى التواصل الاصيل والانساني والواقعي .
و فكر الثلاثيني زياد ،الموظف في القطاع العام ، جديا في اغلاق حسابه لان الفيسبوك اخذه من عالم الكتاب الذي كان معتادا على قراءته بشكل دوري، مشيرا الى انه حاول الالتفاف على ادمانه هذا بشراء اكثر من كتاب اخيرا، بيد انه لم يفلح بتناسي الفيسبوك والعودة الى شغفه بالكتب . بينما تقول الثلاثينية اسماء انها قررت الغاء حسابها على الفيسبوك اكثر من مرة و فعلت ذلك اخيرا بعد ان تسبب لها الادمان عليه بمشكلات عائلية(…) بسبب حالة التوتر التي تسيطر عليها بعد ساعات من تصفحه مشيرة الى وجود دراسات علمية تبين الاثار النفسية الحقيقية لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي .
اما الناشطة على الفيسبوك انديرا حداد فترى انها لا تفكر ابدا في اغلاق حسابها واصفة اعتيادها عليه بالورطة التي لا رجعة عنها ولكنها تناقض نفسها حين تتمنى لو ان وسائل الاتصال هذه لم تكتشف لانها ابعدتها عن الواقع والغت الكثير من الاعمال التي كانت من المفترض ان تنجزها .
اما استاذ علم الاجتماع بجامعة مؤته الدكتور فايز المجالي فيؤكد ان الافراط في استخدام حسابات التواصل الاجتماعي يؤدي حتما الى مشاعر سلبية تأتي ردة فعل على احساس الشخص بانه يضيع وقته بلا طائل , الامر الذي يحبسه في دائرة من القلق والتوتر اللذين يجهزان على الراحة النفسية او يقتربان من ذلك.
ويدعو الدكتور المجالي الاشخاص الى هدنة من هذا العالم الافتراضي في سياق عودة اصيلة للذات لتحديد ماذا يريدون من تلك الحسابات وماذا تضيف لهم وتأخذ منهم وعلى اثرها يحسبون حسبتهم في العودة المعتدلة المحسوبة بساعات مقننة تعود بفائدة خاصة اذا تم استثمار الفيسبوك او تويتر او غيرهما من الحسابات ذات الاستخدام المشابه بشكل امثل .
المتخصص في علم النفس التربوي بجامعة اليرموك الدكتور شفيق علاونة لفت الى ان مشكلة الجيل هي الافراط في الاقبال على التكنولوجيا حد الهوس ما يترتب على ذلك حتما آثار نفسية عديدة ليس حصرا في القلق والتوتر وانما قد تصل احيانا الى وساوس قهرية تؤدي بالشخص الى التطرف في سلوكه وتبعده عن الاعتدال .
ويحذر في هذا السياق من ان الاثار النفسية المختلفة من قلق وتوتر واحباط وعزلة وغيرها قد تؤدي لاحقا الى الاكتئاب الذي يولد المشاعر السلبية المرتبطة بالتفكير الهدام ومن ضمن ذلك التفكير بالانتحار , لذلك فان المطلوب ليس الانكفاء واغلاق الحسابات وانما تغليب العقلانية والتعامل باعتدال مع كل الوسائل التكنولوجية .
ويفسر اقدام اشخاص على اغلاق حساباتهم من الناحية النفسية بقوله : قد يرتبط ذلك بضعف التصميم الذاتي وغياب الارادة , والاصل ان تتم معالجة المشكلة بعد تشخيصها اي ان الذي يشعر بدوار او توتر مثلا , لابد له لحظتها من اغلاق جهاز الحاسوب ليرتاح فكره وجسده وليس التفكير باغلاق الفيسبوك او تويتر او غيرهما وكأن تلك النوافذ الالكترونية هي المسؤولة الاولى والاخيرة عن الحالة الصحية العضوية للاشخاص .