عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

العين العماوي: المساواة في الأجور تناقض استراتيجي يضع التزامنا الوطني على المحك

وكالة الناس ـ احمد قدورة

العين العماوي: المساواة في الأجور تناقض استراتيجي يضع التزامنا الوطني على المحك

العين العماوي تكتب: المساواة في الأجور..من الالتزام إلى التطبيق “خريطة طريق نحو العدالة الاقتصادية”

العين العماوي تكتب: الجذور الاجتماعية تحصر مساحات أجر محدودة للمرأة

بقلم: العين عبلة العماوي

في خضم التزام دولي متصاعد بإنصاف العمل واحتفال العالم باليوم الدولي للمساواة في الأجر، تُمثّل فجوة الأجور بين الجنسين تحدياً هيكلياً يضع التزامنا الوطني على المحك.

المفارقة هنا لاذعة: فقد مرّت عقود من الزمن على توقيع المملكة على اتفاقية منظمة العمل الدولية (100) التي تُلزم بمساواة الأجر عن العمل ذي القيمة المتساوية. ومع ذلك، يظل تحقيق العدالة الاقتصادية وإرساء مبدأ التكافؤ بعيد المنال.

هذا التباين الصارخ ليس مجرد إجحاف اجتماعي بحق نصف المجتمع، بل هو تناقض استراتيجي يُعيق تنفيذ محاور رؤية التحديث الاقتصادي ويقوّض مصداقية برامج الإصلاح الإداري الشاملة.

تُظهر نتائج مسح الاستخدام لعام 2023 أن الفوارق الأجرية بين الجنسين متجذرة في نسيج سوق العمل، تمتد من المهن الأولية حتى القمة الإدارية في القطاعين العام والخاص، لتكشف عن اختلال هيكلي عميق في توزيع القوة الاقتصادية والفرص بين الجنسين.

الأجور تبعاً للمستوى المهني: تمييز يتصاعد مع علو المنصب

في قمة الهرم المهني، حيث تُصنع القرارات، تتجسد المفارقة الصارخة؛ ففي فئة المشرعين وموظفي الإدارة العليا، يبلغ متوسط أجر الذكور (1,558 دينارًا) ما يزيد عن ثلث أجر الإناث (1,120 دينارًا). والأدهى، أن هذه الفجوة تتكرر في فئة المتخصصين (أكثر من 372 ألف عامل موزعون بالتساوي تقريباً)، حيث يتقاضى الذكور 807 دنانير مقابل 596 دينارًا للإناث، رغم تقارب ساعات العمل.

وعند النزول في السلم الوظيفي نحو المستويات الفنية والمساعدة، تتخذ الفجوة شكلاً آخر؛ فبالرغم من تقلصها النسبي، تظل حاجزاً حقيقياً. في فئة الكتبة، تتسع هذه الفجوة بشكل لافت (584 ديناراً للذكور مقابل 473 ديناراً للإناث)، مما يؤكد التركز المقلق للإناث في الوظائف المكتبية الروتينية التي تتسم بتدني الأجور وقلة قابلية الترقي والمكافآت، مما يسلط الضوء على أن التمييز يتغلغل بعمق في الهيكل الاقتصادي من أدنى مستوياته إلى أعلاها.

الأجور تبعاً للنشاط الاقتصادي: تحدي الإنصاف في القطاعين

تستمر الفجوة في تحدي مبدأ التكافؤ في القطاع العام، رغم تقارب ساعات العمل. تتجلى هذه المفارقة بقوة في قطاعي التعليم والصحة والعمل الاجتماعي؛ ففي الصحة، حيث تسيطر الإناث على أغلبية العاملين، يبلغ متوسط أجر الذكور 893 ديناراً مقابل 707 دنانير للإناث، مما يثبت أن هيمنة المرأة عددياً لا تُترجم إلى إنصاف مالي.

يُشكل القطاع الخاص مركز الثقل في التحدي، حيث يبلغ متوسط أجر الذكور 517 ديناراً مقابل 446 ديناراً للإناث. تظهر الفجوة السحيقة بوضوح في القطاعات كثيفة العمالة كـالصناعة التحويلية، حيث تتقاضى الإناث 319 ديناراً مقابل 442 ديناراً للذكور. كما تبقى القطاعات الأعلى أجراً مثل التعدين والمالية، مائلة بشدة لصالح الذكور، الأمر الذي يحد من قدرة الإناث على تحقيق الدخل المرتفع بشكل عام.

الخسارة الاقتصادية وضرورة الإصلاح الهيكلي

تظهر الخلاصة التحليلية أن فجوة الأجور تتسع تصاعدياً مع ارتفاع المستوى المهني، لتُثبت أن الإناث يخسرن مالياً أكثر كلما ارتقين في سلم المسؤولية. هذه الفجوة ليست نتيجة لاختلاف ساعات العمل، بل نتاج خلل بنيوي في توزيع الفرص يُركز النساء في القطاعات الخدمية ذات الأجر الأدنى. إن استمرار هذا التباين يُعد هدراً ممنهجاً لرأس المال البشري.

إن التحدي لا يقتصر على سلم الرواتب، بل يتجاوزه إلى تفكيك القيود البنيوية؛ فالجذور الثقافية والاجتماعية التقليدية تُكرّس تصورات نمطية لدور المرأة، ما يحصرها في مساحات محدودة الأجر. تتفاقم هذه المشكلة بسبب ضعف الملكية المشتركة في الثروة والأصول، الأمر الذي يُقوّض الاستقلالية الاقتصادية للمرأة.

والأهم، هو العبء المضاعف للعمل المنزلي غير المدفوع وضعف شبكات الدعم المهني، التي تشكل معاً جداراً غير مرئي أمام تقدمها. لذلك، يمثل تحقيق المساواة ضرورة اقتصادية واستراتيجية عاجلة تستوجب إصلاحات ثقافية ومؤسسية تتوافق مع مسارات التحديث الوطني.

خارطة الطريق: الشفافية والمحاسبة الإلزامية

تُبرز بيانات فجوة الأجور حاجة ملحة إلى تحوّل استراتيجي يُلزم القطاعين العام والخاص بثلاثة محاور رئيسية متكاملة.

 أولاً، الإصلاح الهيكلي لنظم الأجور والترقية: يجب إعادة هيكلة نظم التدرج الوظيفي ومراجعة سلم الرواتب لضمان وصول الإناث إلى المناصب الإشرافية والإدارية العليا بناءً على معايير الكفاءة والإنتاجية.

 ثانياً، الشفافية والمحاسبة الإلزامية: يجب فرض الشفافية القانونية عبر إلزام المؤسسات بنشر تقارير تفصيلية عن الأجور حسب الجنس والفئة المهنية.

 ثالثاً، التمكين والتخصص النوعي: يتوجب دمج العدالة الأجرية ضمن مسارات التحديث الإداري والاقتصادي، مع إطلاق برامج تدريب متخصصة تستهدف تأهيل الإناث لدخول القطاعات الصناعية والتقنية ذات الدخل المرتفع.