البعبع.. قصة ستيفن كينغ التي وصلت إلى السينما بعد نصف قرن
وكالة الناس – يُعرض في دور السينما حاليا عدد قليل من أفلام الرعب، أهمها أحدث اقتباس لملك الرعب ستيفن كينغ، وهو فيلم بعنوان “البعبع” (The Boogeyman).
وهذا الفيلم من إخراج البريطاني روب سافاج ذي المسيرة القصيرة والمتخصص في أفلام الرعب، وبطولة كل من صوفي تاتشر وكريس ميسينا وفيفيان ليرا بلير وديفيد داستمالشيان. وحقق حتى الآن إيرادات بلغت 50 مليون دولار، أمام ميزانية بـ35 مليون دولار فقط.
ونوى مديرو أستوديو ديزني في البداية عرضه إلكترونيًا فقط، لكن تغير هذا الرأي بعد العرض الاختباري على جمهور محدود وإعجابهم بما شاهدوه.
الحزن المرعب
تبدأ أحداث “البعبع” في منزل أحد الأطباء النفسيين الذي يستقبل فيه المرضى بغرفة ملحقة به، وبعد دقائق يتضح أن هذا الطبيب فقد زوجته منذ أسابيع قليلة في حادث مفاجئ أدخل الحزن بيتهم المشرق بالسعادة، وعليه الآن التأقلم مع الوضع الجديد، والتعامل مع فجيعة ابنتيه؛ الكبرى سادي المراهقة، والصغرى طفلة تدعى سوير.
وكما لو أن المصائب لا تأتي فرادى، يزوره مريض جديد حاملًا قصة مخيفة وغير مألوفة عن وحش أسماه “البعبع”. حكى له هذا الرجل المضطرب أنه بعد وفاة طفلته الصغرى وهي رضيعة خلال نومها بدأ أولاده الآخرون الشكوى من كائن يظهر في الظلام في غياب والديهم، لم يصدقهم في البداية بطبيعة الحال، لكن سرعان ما مات أولاده واحدا تلو الآخر، وتم اتهامه بقتلهم، ولكن برّأته الشرطة لاحقا، وأتى للطبيب النفسي حتى يبحث معه عن حل.
يقدم فيلم “البعبع” طبقتين من الحكي: الأولى هي القصة المرعبة لوحش يقتل الأطفال، ويستغل الظلمة في ترويعهم. والثانية عن تأثير فجيعة الموت المفاجئ وطريقة التعامل مع الحزن.
فكل من أفراد العائلة الصغيرة يتبع منهجًا مختلفًا؛ الطفلة بطبيعتها الأقرب للبساطة تتعامل معه بوعي أكثر من البقية، تتفهم موت والدتها، وتخلط حزنها بحياتها العادية، بينما يضطرب عالم المراهقة، فتلجأ للوحدة والعنف، ويدير الأب ظهره لموت زوجته، ويتجاهل الحزن، ورغم تخصصه في علاج آلام النفس البشرية فإنه لا يستطيع فعل ذلك مع نفسه.
الفيلم هنا لم يقدم فقط طبقتين للحكي، بل مزج بينهما في نقطة مفصلية، وهي أن هذا الوحش يترافق دومًا مع الحزن والمصاب الأليم، مثل وفاة ابن المريض، أو موت الأم في عائلة الطبيب النفسي، ويستغل الوحش هذه المشاعر السلبية، أو بالأحرى يتغذى عليها، ليتحول الوحش المادي المرعب في الفيلم إلى مجاز عن الحزن والألم بشكل بسيط وواضح وشاعري في آن واحد.
رعب ستيفن كينغ
نُشرت قصة “البعبع” أول مرة في عدد مارس/آذار 1973 في مجلة “كافيلار” (Cavalier)، أي قبل نجاحه الكبير بعد نشر رواية “كاري” عام 1974، عندما تحول بين يوم وليلة من معلم مدرسة فقير لا يحتوي منزله على هاتف لأنه لا يستطيع سداد فواتيره، إلى واحد من أشهر وأغنى الشخصيات في العالم.
وتم تضمين القصة لاحقًا في المجموعة القصصية “وردية ليل” (Night Shift) عام 1987. وحدث كثير من التغييرات في النص الأدبي عند تحوله إلى فيلم سينمائي.
وقصة ستيفن كينغ حُكمت بعدد محدود من الكلمات تبعًا لمتطلبات النشر في المجلة، وأتت مثل أغلب قصصه القصيرة في بدايته الأدبية مكثفة محكمة مع نهاية مفاجئة للقارئ.
وبدأت أحداثها مثل الفيلم في غرفة الطبيب النفسي، وفيها يحكي المريض القصة نفسها عن أولاده الذين يموتون الواحد تلو الآخر، ولكن مع اختلاف كبير؛ فالقصة لم يكن الهدف منها فقط الرعب، بل ركزت أيضًا بشكل خفي على طبيعة الأب المتسلط الذي يتحكم في أسرته ويرفض أن ينام أولاده بجواره عندما يخافون، ويتجاهل قلق زوجته حتى تفقد كل أبنائها.
مثلت قصص ستيفن كينغ الأولى تنويعات على رموز الرعب الشائعة في الثقافة الشعبية العالمية والأميركية خاصة، وبالتالي قصة “البعبع” لم تحتج إلى الكثير من التفاصيل، فقط الوحش الشهير في إعادة صياغة مشوقة للغاية، وربطها بقصة عائلة ذات أب متسلط، بينما تأتي المفاجئة في النهاية لتصدم القارئ.
أخذ كتاب سيناريو فيلم “البعبع” من النص الأدبي هذه البذرة المشوقة التي تمت كتابتها منذ 50 عامًا، وبنوا عليها عالما سينمائيا متكاملا مضيفين قصة الطبيب النفسي نفسه، الذي لم يتحول لوحش كما في القصة، لكن كانت عائلته ونضالها ضد هذا “البعبع” هي الأساس الجديد للفيلم السينمائي.
هو اقتباس مميز باعتبار أن النص الأدبي لم يحمل الكثير من التفاصيل، واحتاج فريق الكتاب إلى تركيب فيلم سينمائي أمين لروح النص، يحمل أفكاره وفي الوقت ذاته يتلاءم مع المشاهد في القرن 21.
وحقق فيلم “البعبع” إيرادات معقولة في السينما، خاصة أنه أنتج في الأساس للعرض على المنصات الإلكترونية.
لكن الأهم أنه قدم لمشاهديه تجربة مرعبة تحمل في داخلها أفكارا تستدعي إعمال الذهن بالإضافة إلى تسارع دقات القلب.