إطالة اللسان على الشعب الفلسطيني
مرت ذكرى نكبة فلسطين، والنكبة متواصلة، ولم تتم مداواة آثارها، ولا رفع عارها عن العرب والمسلمين والفلسطينيين، وفي ذكرى النكبة تقتحم مجموعة إسرائيلية باحات الأقصى، ولا يحظى اقتحام الاقصى الا بتنديد السياسيين.
في هوامش النكبة، عناوين كثيرة، تنساب في العصب العربي، واليوم تسمع كلاماً في كل مكان، يؤشرعلى انقلاب التقييمات، فالضحية مدانة، والجلاد ُمبهّر الى الدرجة التي بات فيها كثيرون ُيغمضون عيونهم عن افعاله.
من هذه العناوين الكلام الذي تسمعه احياناً والذي يقول ان الفلسطينيين فرّوا عام ثمانية واربعين، وتركوا بلادهم ومدنهم وقراهم، والبعض يقول لك ان الفلسطينيين أخلوا ألف قرية طوعاً، وآخرون يقولون ان الفلسطينيين باعوا ارضهم لليهود قبل النكبة، ويأتيك ايضاً من يقول ان الفلسطيني فر ايضاً بزوجته واطفاله ولحاف نومه عام سبعة وستين ولم يتعلم من الدروس السابقة!.
كلام الجالسين في فراشهم، اولئك الذين ما حاربوا يوماً، ولاردّوا غزواً، ولا كانت لهم قضية مقدسة في يوم من الايام، والعربي المتكرش يمد قدمه معلناً استخلاصاته بأثر رجعي مكتفياً بلوم الشعب الفلسطيني، الذي هو ضحية العرب مثلما هو ضحية الاحتلال.
مظلومية الفلسطينيين تصبح ُمرّة وصعبة، لأنها تخضع مرات للمتاجرة، وتخضع مرات للمبالغة، وفي مرات يزيدها العربي بلسانه الطويل مرارة، لأنه يفتي بعد ستين عاماً من مشهد سقوط فلسطين، لمجرد انه شاهد صورة اللاجئين وهم يعبرون من مكان الى آخر.
قبل ادانة الفلسطيني على اللجوء، لا ننسى الثورات التي فجرها الشعب الفلسطيني قبل النكبة، وبعدها، وذاك الشح في الدعم العربي، وندرة السلاح والتواطؤ على فلسطين، فوق الهزائم العسكرية العربية في فلسطين.
الفلسطيني لم يبع أرضه لليهود، قبل النكبة، واغلب الذين باعوا كانوا من الملاك العرب من سورية ولبنان ومصر، آنذاك، والفلسطيني قدّم الشهداء والجرحى طوال عمره، ومقابل كل خائن هناك الف مقاوم.
الهجرات حينما بدأت كانت من موقع داخل فلسطين الى موقع آخر في فلسطين، وعائلات يافا وحيفا، التي هاجرت مثلا لم تختر المغتربات اولا، بل ذهبت الى غزة والضفة الغربية، باعتبار ان العودة خلال ايام، واي انتقال الى الجوارات العربية لاحقاً، جاء بعد ثبوت أن العودة باتت اكثر استحالة، وان النار ممتدة حتى الى موقع اللجوء الاول، في فلسطين.
منسوب الوعي لدى العرب في تلك الحقبة كان متواضعاً، وليس حكراً على شعب دون آخر، وهذا يفسر ايضا تأثر الفلسطيني بقصص الموت والقتل وهتك الأعراض، على يد الاحتلال، والذي حمل عائلته بعيداً حتى لا يؤذى في دمه وشرفه، وهو اساساً بلا سلاح، ولم يكن يمارس الجبن، بل إدارة الوجود، وفقا لتقييماته في تلك اللحظة.
ليس أدل على ذلك اننا بعد ستين عاماً، شهدنا هجرات ولجوء شعوب متعلمة وميسورة في ظروف افضل على ما يفترض، مثل العراقيين والسوريين، والذين خرجوا من ديارهم، ضمن ظروف اقل سوءاً الف مرة من الاحتلال الاسرائيلي، فهل يمكن وصف هؤلاء بالفارين والجبناء، أم انها قصة الإنسان وعائلته واطفاله وعرضه وحياته، وهي مقاييس تنطبق على كل الأمم؟!.
الأصعب على الفلسطيني من الاحتلال وقسوته، تثاقل العربي من وجود الفلسطيني، والتنابز بالالقاب، وما يمكن تسميته بإدانة العربي للفلسطيني، وتجريمه بأثر رجعي، وكأنه ينقص الفلسطيني في وجدانه كل هذا المس العميق بحياته؟!.
الشعب الفلسطيني الذي بلغ اثنى عشر مليوناً قبل ايام، مكوّن عربي وإسلامي، وليس فريداً ولا..فوق غيره، وهو جزء من هذه الأمة، فيه خير وفيه شر، مثل غيره ايضاً، واحيانا يتفرد بالأعمال الصالحة، وفي حالات يتورط في اخطاء فادحة، مثل كل البشر.
لايمكن تصديق الادعاء الذي يقول ان فلاناً يحب فلسطين لكنه لايحب الفلسطينيين، او ان علانا يحب فلسطيني الداخل ولايحترم فلسطيني الخارج، لأن التورط في التقسيمات الوجدانية، يؤدي الى غاية اسرائيلية بتقسيم الفلسطينيين الى مجموعات متباينة، فوق التقسيم الجغرافي الذي نراه غزة والضفة والثمانية وأربعين.
ليس مطلوباً من الفلسطيني ان يكون ذليلا مكسوراً جائعاً حتى يرضى عليه الاخرون، وحتى يمارسوا عقدتهم بالفوقية عليه، ويغدقون عليه من خيريتهم، باعتباره اليتيم، المحتاج لمسحة حنان على رأسه من يد العربي، فإن لم يكن كذلك نعتوه وشعبه بأسوأ الكلام.
ليس من حق الفلسطيني، ايضاً توظيف وتعظيم شعوره بالمظلومية، والمبالغة برسم هذه الصورة، لمضاعفة أرباحه اليومية، والادانة هنا لأخطاء كل العرب بمن فيهم الفلسطينيون قابلة لألف مقال، حتى لا نبقى نتحدث من منظار واحد.
نرد على نفر عربي قليل، أبى إلا أن يغادر عروبته ودينه، وهذا النفر لا يجعل المراقب يجحد بقية العرب، ووقفاتهم مع الفلسطينيين.
maher@addustour.com.jo