الأغوار إذ تحتج وتشكو التهميش
وادي الأردن والأغوار الجنوبية عنوان للفشل في التنمية، وعنوان لغياب هيبة الدولة وسلطة القانون والتهميش والفقر وغياب المبادرة، وما توالي احتجاج الناس هناك على سوء الخدمات العامة وتجاهل مطالبهم من قبل الحكومات، إلا حق مشروع؛ لأن الأغوار ظلت دوما خارج الاهتمام التنموي الفعلي النوعي، فمثلا أغوار الكرك قد لا يوجد منها أي مدير عام أو من هو في رتبة أمين عام أو نائب رئيس جامعة، والمستشفيات الخدمات الصحية ظلت لعقود من الزمن في حالة يرثى لها، وقد تكون اليوم في حال أفضل.
وهناك حالات مشابهة أيضا في الأغوار الشمالية، تشكو من التهميش وانعدام التمثيل، وتشكو غياب الخدمات، وهناك حكومات أدمنت الوعود، ولو تحققت الوعود أو قليل منها، لأيقن الناس بضرورة تطبيق القانون، أما واقع الحال فينبئ بتجدد الاحتجاج في الأغوار بشكل عام، دوما نتيجة غياب الخدمات وسوء إدارة الاقتصاد الزراعي الذي يعيش عليه الناس والشعور بالغبن.
لقد آمن سكان الأغوار بالدولة ورسالتها، لكنهم يرون كل اليوم المزيد من البطء بتحقيق مطالبهم، هناك طرق متأخر العمل في انجازها، هناك مدارس سيئة، وهناك ظروف بائسة في بعض المراكز الصحية، وفي كل مرة كان يكفي أن يستنجد الناس بالملك، ليوجه الحكومات إلى الحل، وكثيرا ما زار الملك مناطق في مختلف الأغوار ووقف على معاناتهم وأوعز بحل المشاكل. لكن دائما هناك المستجد من التحديات والكثير من غياب القانون وانتشار السلاح والممنوعات والفوضى التي لا يمكن تصورها.
في مقابل انتشار القوى العاملة غير المنظمة وتنوع الجريمة هناك، ظلت وعود الحكومات إلى إقليم وادي الأردن في آخر عقد، خيالية وغير واقعية أحيانا، إذ كان هناك وعود بمطار لتسويق منتجات الأغوار الزراعية لموجهة كثرة الإنتاج الذي ينزل للسوق في موعد قصير من السنة، وقيل أن هناك توجه لمنطقة أو إقليم تنموي شامل، وعاش الناس على رهان تبعات السلام ووعوده الذهبية، لكن للأسف السلام بعد عقدين ونصف العقد لم يقدم إلا المزيد من الشعور بالغبن والتهميش.
ليست الأغوار في مجملها تعيش على حافة التهميش والفقر والبطالة، لكن للأسف هناك في هذا البلد من هو مسموع الصوت ومن هو متجاهل، هناك مناطق تستطيع أن تحصل على الخدمات بقوة الصوت والتهديد، وهناك من هم موقنون بأن الدولة لا تهدي للناس الحياة والعيش، وبالتالي لا بد من العمل حتى لو تكرر الخطأ في ذات العمل وهذه هي حالة الزراعة والمزارعين في الأغوار.
في هكذا ظرف، فإن العدالة صعبة التحقق، ولا يمكن إلغاء الواسطة، وسيظل العنف والخروج على القانون مباح في عيون الفاعلين في هذا المجال، لأنهم لا يرون الدولة مظلة للجميع، تنمح ذات الفرص وتقدم ذات المستوى من الرعاية والاهتمام لمواطنيها وبعدالة متساوية.
أخيراً، احتجاجات الأغوار على التهميش، سواء كانت أغوار الوسط أو الشمال أو الجنوب، فيها كثير من الحق والأسباب المقنعة لها.
Mohannad974@yahoo.com