رسالة الأميرة هيا للحسين
أطلت الأميرة هيا بنت الحسين على الأردنيين عبر رسالة فريدة سطرتها بعناية لكن بحساسية مفرطة في ذكرى ميلاد الراحل الكبير الملك الحسين بن طلال وجدت تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل .
بين سطور الرسالة ومفرداتها العفوية معان كبيرة وفهم واع لطبيعة المجتمع الأردني كما تركه الحسين لوريثه الملك عبدالله الثاني ولعل هذه التركة كانت وما زالت تمنح هذا المجتمع أسباب الحياة القوية .
تقول الأميرة مخاطبة الحسين حيا كما تراه « لم تقرأ المزاج العام، أو بحثت عن مكانتك بين الجماهير، بل بحثت عن نبض ومشاعر الجميع، من نساء، وأطفال، وفقراء وأغنياء، وبدو، وشركس، وفلسطينيين، ومسيحيين ومسلمين .. فالكبار كانوا المرجع بالنسبة لك، والشباب مستقبلك .. وتكمل .. لم تطلب من شعبك الولاء، بل كنت من أدى الولاء لشعبه. «
هذا تلخيص مكثف لبنية المجتمع الأردني المتعدد والمتنوع كما عمل الحسين على بنائه وكما ورث مبادئه وقناعاته لأبنائه وبناته من الأمراء ولكل من عملوا معه فكانت هذه الدائرة المتينة من الفهم المتقدم لأسباب الحياة القوية للمجتمع الأردني كفيلة بطرد كل من يخرج عنها تعصبا وإقليمية أو تطرفا وجهوية بعيدا الى خارج دائرتها ولو كان العكس لكان الأردن يعيش اليوم دوامة مثل تلك التي دخل الى عمقها غيره .
لفتتني الثقة التي نظرت فيها الأميرة التي تعيش في بيت لا يقل دفئا وحكمة عن بيتها الأردني في الإمارات العربية وفي دبي تحديدا فرغم بعد المسافة فإن رباط العاطفة والأرض والأسرة أشد ترابطا , ففي ثنايا الرسالة كلام مطمئن الى واقع المملكة ومستقبلها فتقول « لربما لأن أردننا بقي كما عهدناه الأقوى والأكثر صلابة.. فنحن في الأردن لم تمر علينا لحظة بدون تحديات.. وهذا ما ميزنا وجعلنا ما نحن عليه الآن.. فأيامنا الحالية لا تختلف كثيرا عما مضى.. ففي السنوات الأخيرة كان الأردن الملاذ الآمن للكثيرين.»
مثل هذه الرسائل هي ما يحتاجها البلد لنشر وزرع الطمأنينة وحب الحياة والثقة في هذا البلد وإمكاناته والأهم الطمأنينة للحياة على أرضه , فنحن لسنا بحاجة اليوم الى من ينشر فينا الخوف والرعب والقلق سواء عبر ممارسات نراها ترتكب التهويل ولا تتوقف عن التحذير أو عبر تصريحات تدفع بالتشاؤم دون التفاؤل وتنبه صباح مساء الى صعوبة الأوضاع التي يعرفها المواطن العادي قبل أن تعرفها النخب لكنه يرفض أن يستسلم لها فتراه يتحرك ويعمل ويعيش ويفرح وكأن شيئا في خارج الحدود لا يحدث .
الحسين ترك أعمدة الحكمة, فكان يرى أن كل واحد من أبناء الشعب هو الأخ أو الأب أو الابن، يوقّر كبيرهم، ويرحم صغيرهم وضعيفهم، ويساوي بينهم في الحقوق والواجبات، ويصفح ويعفو عمن أساء منهم، ويصل الليل بالنهار لخدمتهم والسهر على مصالحهم، ومستقبل أجيالهم القادمة, وهذا ما يسير عليه عبدالله الثاني.
الحسين لم يحظ بعشق أسرته الصغيرة فقط بل له في قلوب كبيرة عشق لا ينتهي بالتقادم .