«ضو التابلو»
واحدة من عادات سائقي العمومي، أنهم لا يعبئون خزان الوقود تماماً، وإنما بمقدار «النقلة» ذهابا وإياباً، فإذا كان المشوار من اربد أو الرمثا إلى عمان وبالعكس يحتاج تسعة دنانير فإنهم يطلبون من عامل المحطة ان يضع بترولاً بالدنانير التسعة، ثم في النقلة التي تليها يصطفون في نفس المحطة ليضعوا بنزيناً بنفس المبلغ وينطلقوا.. ولا أدري حتى اللحظة ما الحكمة من ذلك سوى انه عُرف ابتدعه أحد الطفرانين ومشى عليه كل جمهور «الخط»!.
في رحلة العودة أكثر ما يلفت انتباه الركاب وبالذات الراكب الأمامي وذلك الجالس في وسط الكرسي الخلفي «ضوء التابلو» البرتقالي الذي يشير إلى نفاد البنزين وضرورة إعادة التعبئة، السائق يمضي بنفس السرعة «على السبحانية» والركاب النيام لا يعنيهم الأمر، ويبقي الراكب الأمامي او الأوسط من ينظر إلى الضوء المرعب الذي يشي بتوقّف المركبة في منتصف الطريق..لا المؤشر يدّل الركّاب كم من «الكيلوات» يكفي ما بقي من رحيق البنزين ليوصلهم، ولا السائق على علم متى «ستقطعه» السيارة برغم خبرته على الخط، ولا الركاب بمجملهم يعرفون مصيرهم في ظل هذه المغامرة، كل ما يعرفونه انه ثمة ضوء تحذيري يقول ان الوقود شارف على النفاد فتزوّدوا او تجهزّوا لــ» الدزّ «..وهنا لا تسعفني الذاكرة بإحصاء عدد المرات التي «انقطعنا فيها» لنفس السبب وقمنا بدفش السيارة مئات الأمتار بينما كان يقنعنا السائق بضرورة ركوبه خلف المقود كي لا «تحذف»السيارة أو «تهوّر» فلا بد من جلوسه ليحفظ خط سيرها الصحيح …
كلما جلست مع صاحب مصلحة أو مستثمر أو خبير بالاقتصاد أو قريب من صانعي القرار الا وشكا من الوضع الاقتصادي بصورة مرعبة، وحذر من القادم في العام المقبل، الكل يعبر عن الوضع بطريقته ودرايته وتجربته لكن كلّهم يجمعون أن «ضو التابلو» قد أضاء اللون البرتقالي منذ فترة، والبلد تمشي على «السبحانية» ولا ندري متى تنفد آخر قطرة من الميزانية، المؤشر لا يعطي أرقاما للمسافة أو لزمن، لكنه ينبّهنا جميعاً، انه عليكم أن ترشّدوا أولاً، وان تتزوّدوا من أقرب مساعدة خارجية أو استثمارية، والا سنضطر جميعاً للنزول و»الدزّ» لمسافات طويلة…
«ضو التابلو» ظاهر منذ فترة والمستيقظ من الركاب مرعوب من طول الطريق وإشارة التحذير، فما لزوم رفاهية المكيّف وكل هذه الأغاني الصاخبة في هذا الظرف «المطوقع» إذن ؟.