معان على وقع التحليلات
قبل ثلاثة أعوام زار الملك عبد الله الثاني معان في خطوة بدت ناجحة بكل المقاييس، ولقي الملك يومها ترحيباً يليق به وبالمدينة، وكان حديثه يومها مع أهل معان مباشراً واضحاً، وتمّ اللقاء في جامعة الحسين بن طلال، وبعد ذلك لم تكن الدولة لتبخل على معان بالمشاريع من خلال شركة تطوير معان التي كان مفترض لها أن تُحدث تنمية جديدة في المنطقة، لكن برغم كل تلك الأموال التي صرفت لا يبدو أن نتائج الإنفاق تحققت، وتلك النتائج كانت تستهدف جذب الطلبة لجامعة الحسين من خارج المحافظة، وتخفيف نسب البطالة وتقليل التوتر في محافظة اختلطت أسباب تقييم عناصر التوتر فيها بين الديني والسياسي والجهوي والاقتصادي.
واليوم تصعد معان إلى الواجهة، ولنتذكر أن مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية وضع دراسة قبل أكثر من عشر سنوات بعنوان:» معان أزمة مفتوحة»، وكحال أي دراسة للأسف يعرف قيمتها إلا بعد الفوات الذي يُحيل التدبر إلى ندم مبني على أسس كثيرة، وهنا نتذكر أيضا أزمة الإدارة المحلية التي تفعل فعلها وغياب الدولة التي تركت الأزمة للمتفرجين حتى بتنا نسمع بما هو أقل من سقف الدولة والمواطنة في التعبير عن الغضب، فتقفز الهويات الضيقة إلى التعبير عن الذات والجهة بشكل مفزع.
وخلال أسبوع من أحداث جامعة الحسين بن طلال التي أريد لها أن تكون مؤسسة تحديثية تنموية تعليمية عند الـتأسيس، فاضت الأقلام والتحليلات عن معان، وبدأت حملات التهدئة والوعظ ودعوات التسكين، وكأن المسألة منتج الجامعة أو احد مخرجاتها للمجتمع، وما هي في حقيقة الأمر إلا مكان ومسرح لبدء شرارة العنف الذي كانت تشير إليه الكثير من حركات الاحتجاج المطلبي في معان والجفر والبادية الجنوبية وأغلبه مرتبط بأسباب اقتصادية، وما الجامعة إلا ضحية؛ لأنها دفعت منذ تأسيسها أزمة خاصة بها، وهي الإدارات الضعيفة التي توالت عليها.
ومنذ عقدين ونيف على احتجاجات هبة نيسان في العام 1989 ظلت معان مفتوحة على نمو الغضب والبطالة، وهناك مناطق أخرى تعيش بذات الظروف، وزاد الأمر سوءا مع التسريع الذي تمّ في وتيرة خصخصة المرافق والشركات والمنشآت العامة، وتحول الدولة عن دورها ورعايتها للمواطن وترك الثروات مفتوحة للنهب، وجاءت أفكار طبقة من الليبراليين التي دعت لإشراك القطاع الخاص كقوة تنظيم وضبط لتدبر إدارة المرافق التي تمّت خصصتها، وبشكل عقلاني لتهشم علاقة المواطن بالدولة، وكان الاهتمام بالمجتمع المحلي اقرب ما يستخدم مثل الديكور الهش.
لا بل تم تصوير المجتمع المحلي على أنه رافض للإنتاج ولا يملك قيم عمل وبالتالي أنتجت عنه صورة مجتمع المعونات والشحادين، فزاد الغضب غضباً، والفقر فقراً وتباعدت المسافة بين المواطن والدولة.
لذلك، تعاظمت إكراهات التهميش عند الناس، وهي تختلط اليوم بمطالب التمثيل والتخصيص فأعلنت محافظة البادية الجنوبية شعبياً، كأقصى تعبيرات الغضب الشعبي، ولكنها قد لا تكون سقفاً لذلك التعبير، وجاءت الدولة لتؤكد سلطتها بطريقة أيضا ملتبسة، وكأن الذين في صنع القرار نسوا أن سياسات الحكومات برهنت على أن مركزية القرار الاقتصادي والتنموي في عمان لم تأت إلا بالغضب والشعور بالتهميش في كافة المناطق البعيدة عن عمان. لذا، فإن أزمة معان تظل مفتوحة، ولن تكون الجامعة إلا ضحية سياسات الحكومات التي ترى أن المسألة متصلة بالعنف الجامعي للأسف؟!.
Mohannad974@yahoo.com