نقل فوري جدا
منذ بداية وعي الإنسان بذاته وهو يحلم بالانتقال السريع من مكان الى آخر بعيد، دون أن يتكلف مشقة الطريق، والتعرض لمخاطر الحيوانات الشرسة، وربما جاء هذا الحلم جزءا من متطلبات الحسد الذي كان يكنّه الإنسان للقرود التي تتنقل برشاقة بين الأغصان.
الكتب الدينية جميعها، من سماوية وأرضية، ذكرت أشكالا من الانتقال الفوري من مكان لآخر، وانعكس ذلك على الأداب والفنون ، ثم على قصص وأفلام الخيال العلمي فيما بعد، ولا شك أن بعضنا شاهد بعض حلقات المسلسل الخيالي العلمي (ستارترك)، حيث تم اعتماد النقل الفوري من مكان الى آخر؛ من أجل تخفيض الميزانية الهائلة للفيلم.
الحلم أصبح حقيقة قريبة منذ بدايات القرن الماضي مع نظريات أينشتاين «أبو كشة جنان» الذي ادعى أنه من الممكن فيزيائيا نقل ذرات من مكان الى آخر، وأكد ذلك من جاء بعده من جهابذة ميكانيكا الكم ونظرية الكوانتم، وقد تمكن العلماء حتى الان من نقل شعاع من مكان الى آخر ، وهم يجرون تجارب سرية منذ عقود لنقل المواد الصلبة والبشر من مكان الى اخر نقلا فوريا ..والحبل على الجرار .
ربما سنصحو يوما على أخبار بالبنط العريض: ان النقل الفوري انتقل من الحلم ، الى خانة الحقيقة الدامغة:
-تبا للخيل والبعارين والحمير والدواب جميعا ، التي تتحول الى مجال المباريات والمبارزات، وينتهي دورها في مجال النقل العام.
– تبا للسيارات والقطارات والطائرات بأنواعها.
– تبا للخدع السحرية التي كان يجريها المهرجون على خشبة المسرح.
– تبا لنقل القوات الى ساحة المعركة بمناورات مكشوفة أمام العدو.
أما الفوائد الجمة التي سنحصل عليها في الوطن العربي الممتد، فيمكن أن نتخيل بعضها في هذه العجالة:
– تتحقق الوحدة العربية ، ويتم الغاء الحدود عمليا وعلميا ، بعد أن صار بالإمكان التنقل دون المرور على الجمارك والأجهزة الأمنية ونقاط التفتيش والمقصات الطائرة،..لا فيزا..لا كفلاء ..لا تشفيّة لا حامض حلو..لا شربات!!
– فلتسقط مؤامرات الوطن البديل في الأردن للفلسطينيين ، حيث يستطيع الفلسطيني العودة الى أرض الأجداد بكل بساطة، لا بل أن كل عربي يستطيع ذلك ،فلا يجد اليهود بدا من الهرب الفوري خوفا من هذا المحيط المعادي، ويتحقق حلم العودة الفلسطيني ، ويصلي المسلم في الأقصى متى شاء، وكذلك يفعل المسيحي العربي في كنيسة القيامة.
تخيلوا شوارع خالية تماما من السيارات والحافلات …لا سائقين ولا قاطعي تذاكر ولا كمسارية . لا حوادث سير ، لا زوامير لا هوامير . طبعا لا ميكانيكية سيارات ولا بناشر ولا كروكة ….ولا شرطة سير.
تخيلوا فضاء خاليا من الطائرت ، سوى الطائرات الورقية ، وهواة التنقل بالطرق القديمة لغايات المتعة ، مثلما يركب أبناء المدن الخيل والبعارين والحمير حاليا، في الرحلات السياحية. سنخسر مضيفات الطيران الدمثات طبعا ، لكن لا بأس ، مقابل تنقل يخلو من المتاعب ، ورهاب الطائرات ، ناهيك عن الحوادث القاتلة .. والصندوق الأسود..وعدم العثور على ناجين.
التخوف الشرعي والوحيد من النقل الفوري في العالم العربي ، هو أن تنجح الأنظمة العربية في نقل جميع المعارضين والمحاورين والمتمردين والمترددين ..أن تنجح في نقلهم بسهولة ويسر، ودون المرور بمرحلة الربيع العربي، تنقلهم الى..الرفيق الأعلى.
ghishan@gmail.com