شعب خجول جداًَ..
قال لي أحد الأصدقاء وقد بلغ من العمر عتيّاً، أنه أثناء النظرة الأولى للفتاة التي قدم لخطبتها (أصبحت زوجته لاحقا) والحديث الطفيف المتبادل بينهما لم يجد عنصر كيمياء واحد بين دماغه ودماغها فقرر الخروج من المأزق في أقل الخسائر ، وأثناء انتظار السيدة الوالدة رد ابنها الفوري حول رأيه بالعروس ، تردد ،تلعثم ،لم يستطع ان يشبك حرفين معاً..فاعتبروا أن السكوت علامة الرضا وأن الخجل وحده منعه من التعبير عن إعجابه لا أكثر ،فقرأ الحضور الفاتحة وقرروا إحضار جاهة موسعة بعد يومين.. يقول الصديق الكهل ، أنه قد أخبر أمه في نفس المساء بعدم الموافقة، وأبدى رغبته وهو في كامل قواه العقلية التراجع عن خطبة الفتاة ،لأنه لم يعط رأياً بالموافقة أصلاً.. فقرعته الحجّة بعبارة–أعتقد نصف الشعب يدفع ثمنها الآن بمواقف مختلفة–«مش عيب عليك… انت زلمة ؟؟ عيب الزلمة يرجع بحكيه»..المحصّلة بعد عشرين سنة من الزواج؛ أربعة أولاد وثلاث بنات وضرة وطليقة ، فقد قرر بعد عشرين سنة أن يتزوج الثانية لأن الأولى زوجة المجتمع–وقد تركها لهم–أما الثانية فهي زوجته التي هي من اختياره الواعي دون مؤثرات..
بطبعنا نحن شعب خجول جداً، نفرّ من المواجهة قدر الإمكان، نفضّل أن نُظلم على أن نطالب بحقّنا… يعدّ الخباز الأرغفة ويناولنا فنخجل أن نقول له أن البيع بالوزن لا بالأرغفة كي لا نتّهم بالبخل، لا ندقق فاتورة المطعم وندفع المبلغ المؤلف من خيال المحاسب كي لا نتّهم بــ» القطمطة»، نخجل أن نقول لمن أسهب في مديح المسؤول أنك منافق كي لا نتهم بالفجاجة ، ونخجل ان نقول للمسؤول الذي مص دم البلد وأورث أبنائه «الشلمونة» أنك فاسد ولا تنجب الا فاسداًَ كي لا نتهم بالتجنّي ، ونخجل أن نقول للحكومات أن المواطن بالنسبة لكم مجرّد «جاعد» «بالبرد بتلبسوه وبالحمّ بتشحلوه» ، عند النائبات تريدون تكاتفنا ووقفتنا مع الوطن وعند الرخاء تركلونا بأرجلكم بأقصى ما أوتيتم من عزم مثل «قطط اللحّامين»..ونخجل أن نقول لأبن العشيرة المترشح بالإكراه باسم العشيرة «ضب خطّك» والزم بيتك فأنت لا تصلح ، لا تقرأ ولا تكتب ولا تشرّع ولا تراقب فنسكت حفاظاً على وحدة العشيرة ونساهم بالخطيئة ،نخجل أن نقول للمرشح الفاسد الذي يشتري شعبيته بأمواله أن مكانك «باحة السجن» لا قبة البرلمان ،ونخجل أن نقول لمن يبيع ضميره وفرح في «القروش» على وجه العيد والمدارس، ستدفع ثمن ما قبضت أضعافا عندما يصل من اشتراك إلى البرلمان، نخجل أن نقول، أن كل ما يجري من حولنا مجرّد «…» مكتوبة ومؤدّاة كل يعرف دوره ويعرف متى يدخل ومتى يخرج ومتى يصرخ ومتى يسكت ومتى يبدّل ملابسه ومتى يمسح مكياجه ، والجمهور هو الوحيد الذي يدفع تذاكر مشاهدته مضاعفة من روزنامة العمر..