أيـن دول الأنظمة الملكية؟!
في ظل كل هذا «التفتت» العربي، الذي يصفه البعض بأنه أسوأ وضع مرَّ به العرب في تاريخهم البعيد والقريب، وبالطبع فإن هذا غير صحيح على الإطلاق فقد واجهت الأمة العربية أوضاعا أكثر سوءاً من هذه الأوضاع بكثير، فإنه لا بد من مبادرة ، باتت ضرورية ولازمة حتى لا تتردى الأمور أكثر مما هي متردية، للبدء ولو بخطوة واحدة للملمة الشمل فماوتسي تونغ الذي هو من أهم قادة ورموز القرن العشرين كان قد قال عندما بدأ مسيرته الطويلة:» إن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة» .
ربما أن هناك من يعتبر هذا الكلام «هذياناً» سياسياًّ دافعه كل هذا التردي الذي وصلت إليه الأمة العربية والذي وصل إلى حد أن الإيرانيين باتوا يحتلون دولتين عربيتين عاصمة إحداهما كانت عاصمة الدولة العباسية وعاصمة الثانية كانت عاصمة الأمويين الذين أوصلوا مجد العرب إلى أقصى أرجاء الأرض والتي هي الآن مستباحة لـ «الطير من كل جنس» وسلمها أقزام هذا الزمن لكل هذه الفرق المذهبية التي لم يعد عليها إلا تحويل المسجد الأموي إلى «تكية» طائفية، لكن لا ضير ليقُلْ هؤلاء ما يشاؤون طالما أنَّ تجاوزات الأمم على هذه الأمة العظيمة قد وصلت إلى كل هذه الحدود التي لم تعد تحتمل ولم تعد تطاق.
إن هذا هو واقع الحال وهو واقع مخزٍ ومؤلم وسيزداد خزياً وإيلاماً إذا بقي الجميع يضعون رؤوسهم بين الرؤوس المطأطئة وهم يرددون ومعهم غيرهم : «يا قطاع الرؤوس» .. وواقع الحال يحتاج استبداله بحال أفضلٍ :»تسر الصديق وتغيض العدا» إلى مبادرة إنقاذية عاجلة ليس في هيئة قمة عربية جديدة تضاف إلى القمم السابقة التي وللأسف كانت كلها فاشلة بل في هيئة مجموعة طلائعية من الأنظمة الملكية ومع الإعتذار الشديد لأرض الكنانة مصر التي أشغلتها مؤامرات الإخوان المسلمين بنفسها وحرمت العرب، الذين يمرون الآن بظروف ليس أسوأ منها ظروف، من مبادراتها القومية المعروفة .
لا بُّد الآن ورغم كل هذا الإنشغال الضروري واللازم من أن تكون هناك مبادرة من قبل الأنظمة الملكية التي تتمتع بشرعية مكَّنتها من الصمود في وجه كل هذه العواصف الهوجاء وهنا، حتى لا يكون هذا الكلام عاماً ومجرد كلام، فإن البداية .. الخطوة الأولى يجب أن تكون من الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية ومعها وإلى جانبها المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية.. ومن يريد من دول الخليج العربي التي تعتبر نفسها أنظمة ملكية .
إن طريق الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة ولذلك فإنه على هذه الدول الملكية أن تبادر إلى مثل هذه الخطوة وكل هذا مع ضرورة أن تكون مصر العظيمة مشاركة وحاضرة وإحدى أثافي القدر… إن المطلوب ليس وحدة عربية لا شاملة ولا مجزوءة وإنما التنسيق التكاملي ولو بالحدود الدنيا وبحيث لا تترك أي دولة عربية «تُقلِّع شوكها بنفسها» وتضطر إلى مد يدها إلى الأعداء الذين تجاوزت إهاناتهم لنا ولأمتنا كل الحدود.
هناك مثل يقول:»إن الذئاب تستهدف الشاة المتطرفة المنفردة» ويقيناً أن هذا هو ما يحصل الآن وحيث أن إحتلال إيران لإثنتين من أهم الدول العربية سيشجعها على المزيد من استهداف العرب وكياناتهم .. وهنا فإنه على الذين يغطون عيونهم بأكف أيديهم حتى لا يرون الحقائق و كل هذا الذي يجري في هذه المنطقة أن «يتذكروا» ذلك المثل العربي القائل :»أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض».. وأن من يتغذَّى بأخيك سيتعشى بك لا محالة.