عاجل

د.يوسف العجلوني يكتب.. لو لم تفعل ذلك لما كنت أنت

كتب . د.يوسف العجلوني

يعيش الإنسان في حياته العديد من التجارب المختلفة، ويتعرض للكثير من المواقف التي يكتسب من خلالها خبرات مختلفة، ويتخطى العقبات، ويتفاعل إيجابياً أو سلبياً مع الكثير من الظروف والتغيرات الحياتية، وكل إنسان له طريقته للتعامل مع الظروف والأحداث، يقبل بعضها، ويرفض الأخرى. وكل إنسان له شخصيته وصفاته التي يتميز بها عن الآخرين، ومن الطبيعي أن يتقبل كل إنسان ذاته كما هي، ويتخذ القرارات حسب ظروفه وإمكانياته.

الخلافات ورفض الآخرين لما أنت عليه قد يؤدي إلى خيبات أمل وفقدان الشعور بالراحة؛ لذلك لا تبني سعادتك على رضا الآخرين، لأنها ستكون سعادة مزيفة وزائلة، فلا أحد يهمه إسعادك غير نفسك ذاتها.

من الطبيعي أن يلوم الإنسان نفسه، عندما يتخذ خطوة أو قراراً معيناً، ولكن ضمن الحدود المعقولة، دون أن يكون في ذلك مبالغة وجلد للذات، ويجب قلب الصفحة والتمتع بالحياة الجديدة وعدم الاكتراث لما يراه الآخرون، ويجب إهمال الذين يحاولون أن يقنعونا أن حب الذات أنانية، لأنه من حقنا أن نعيش حياة نرضاها وتناسبنا.

الذين يعيشون حسب آراء وتوجهات الآخرين ويهملون أنفسهم، سوف تمضي حياتهم وهم في دوامة، والصحيح أن الإنسان يجب أن يعيش كما تراه نفسه التي ستبقى معه طول العمر، ويجب أن يكون مقتنعاً برأيه وأفكاره، وترك الآخرين يفهمون كما يشاؤون، لأن الحياة واحدة وتنتهي، لذا كن كما أنت، فمن يريدك حقاً، سوف يقبلك كما أنت. وعش حياتك ولا تحاول أن تعيش حياة غيرك، ولا تكن إلا كما أنت، لا كما يراد لك أن تكون.

تأكد أن جميع من حولك متغير، والثابت الوحيد أنت، والحياة التي أنت تقودها بعقلك، أجمل وأفضل من حياة يقودها كلام الناس، وليتقبلك من يتقبلك، وليرفضك من يرفضك، ولا تستمع لما يقولون، ولا تتغير لإرضاء الناس، ولا تتلون لإعجابهم، ارضِ نفسك فقط.

أتخذ قراراتك بنفسك، وثق بنفسك واحترمها، ولا يهمك وصف الآخرين لك، وكن فخوراً بما قدمت وأنجزت، وكن متأكداً أن الآخرين لا يفهمون الأشياء كما تفهمها أنت، ولا تضيع وقتك في إقناع شخص بأن يقبل بك، فهناك من يتمنى القرب منك.

العلاقات البشرية ممكن أن تكون صحيحة وصحية، وممكن أن تكون علاقات مَريضة، بسبب أحد أطرافها، أو كليهما؛ وفي معظم الأوقات تفشل هذه العلاقات، وإذا حدث واستمعت من بعيد لأي من طرفي العلاقة، ولماذا فشلت، ستجد بأن الأسباب المُقدمة من الطرفين تبدو مُقنعة في مُجملها، ولا يرى أي طرف أنه المُسيء، ولا أحد منهما ممكن أن يقتنع أن كلامه أو تصرفاته مع الآخر هي الخطأ، ولا يمكن أن يقر ويعترف بأنه هو الجزء السيء والسام في العلاقة، وكلاهما يرى نفسه الضحية وليس الجاني.

يجب أن يكون رأي الآخرين بنا لا يعنينا بالطريقة التي تؤثر سلباً على سير حياتنا، ويجب الحفاظ على العلاقات الإيجابية الجيدة مع من حولنا، وعلينا أن نكون جاهزين للانسحاب إن شعرنا أن طرف العلاقة الآخر مؤذٍ نفسياً أو سام. ونبقى على إيقان أنه ليس من السهل أن نبني علاقة ناجحة وصحية وتستمر.

التصرف الحكيم مع الأشخاص الذين يبعثون السمية في أي من علاقاتك، هو أن تقطع العلاقة معهم تماماً، وذلك للإبقاء على جو إيجابي حولك. ويجب أن يكون هنالك خطوط حمراء في جميع العلاقات، حتى بين الأزواج والإخوان والأبناء، والصحيح أن لا يصل إليها أي من الطرفين، ويجب أن يكون هناك صمامات أمان تمنع التجاوزات الجذرية؛ بحيث لا يتم التلفظ بكلمات مؤذية مهما كان الوضع أو الغضب، لأن بعض الكلمات تحدث جرحاً عميقاً وإيلاماً للقلب والنفس يصعب شفاؤه، حتى وإن كان هنالك العديد من المبرارات لقولها، لأنه ممكن لهذه الكلمات أن تنهي العلاقة، أو تقتل أحد طرفيها.

عند حصول خلاف مؤثر مع إنسان قريب، ممكن أن يكون هنالك كلام تهديد بقطع أو إنهاء العلاقة، عندما لا يكون هنالك مبادرة لحل المشكلة، وذلك لا يعني بالحقيقة النية التامة في قطع العلاقة، أو الانفصال، حتى وإن بدت للطرف الآخر كذلك، بل كل ما في الأمر أنك تريد الحصول على رد الفعل الذي تريده، وهو الرجوع خطوة والاصلاح، وعدم تكرار الخطأ من الطرف الآخر.

الصحيح ومن الرقي والمحبة والشجاعة عندما يخطئ الإنسان أن يبادر ويعترف بالخطأ والاعتذار عنه. وكلمة آسف هنا، لها تأثير السحر في تصفية العلاقة ورجوع المياه إلى مجاريها. ويزداد الأمر سوءاً عندما يصر المخطئ على ذنبه، ويرى في تراجعه واعتذاره ضعفاً.

أن تكون شخصاً جيداً، لا يعني أن تكون شخصاً مثالياً، ولا أن تهلك نفسك ليرتاح الآخرون، وممكن أن يرى بعض الناس أن قرارك ليس حكيماً، وممكن أن تكون عصبياً، وممكن أن تقول كلام يزعج بعض الناس، ومن حقك أن تعبر عن شعورك وما يؤلمك، ومن حقك أن تختار، ومن حقك أن تغير المسار لما هو أكثر صحة لنفسيتك، ويناسبك ويريح بالك.

قد تتغير الأحوال،وتفشل العلاقات، ولكن المهم أن يتم تحمل المسؤولية الكاملة، وأن لا يكون هنالك نية أو قصد بالظلم، ومن حق أي إنسان أن يغير المسار، وذلك أفضل من الانتظار وإضاعة المزيد من الوقت واستمرار المعاناة وزيادة الفشل، حيث تمضي الأيام، وتكبر الخسارة؛ لذلك الأحسن هو اتخاذ القرار في الوقت المناسب، وعلى الإنسان أن يختار ما يليق به ويرضيه بكل المعاني دون تردد، وسوف تظهر المواقف أنواع الرجال، ويظهر أصحاب القرار الذين لا يخافون بالحق لومة لائم، والجميع يعرفهم ويعرفون أنهم لن يكونوا إلا كما هم، لا تنازل ولا جبن ولا هزيمة.

الخطوات نحو النجاح تمر بعوائق، لذلك انظر إلى هدفك فقط، وكن قوي الشخصية والإرادة، ولا تستسلم للظروف والإحباط والفشل، وابقَ شامخاً وواثقاً من نفسك، ولا تهمك أنفس الحاسدين والحاقدين، والغدارين.

بعض الناس ممكن أن يكون عاطفياً أكثر مما هو منطقي، وهنالك من هم عكس ذلك، لذلك فهم الناس ضروري، ولا تقارن الناس بنفسك أو ببعضهم البعض، ولا تهتم لسوء ظنهم أو طريقتهم بالرد أو كيف ينظرون للمواقف ويقيمونها.

قد يتعرض الإنسان إلى مواقف حياتية محرجة، تستلزم ردود مناسبة وفي وقتها، ولكن بعض الناس قد لا يكون لديهم القدرة على الرد مباشرة، لاختلاف الظروف والشخصيات، حيث أن البعض يتأخر بالتفكير والرد، وهذا له ايجابياته وسلبياته، ولكن المشكلة هنا الخوف من فوات الأوان، حيث لن يبقى فائدة من الرد. الأفضل دائماً التفكير الجيد في الحلول المتاحة في وقتها، والرد حسب أهمية الموقف وبوقته وزمانه، وكلما كان سريعاً وعلى قدر الحدث، كلما زاد النجاح والفائدة. ويكون الرد واضحاً ومناسباً ومحدداً وحازماً، وقبل أن ينتهي وقته. ويجب أن يكون الرد بعد المعرفة الكاملة بالموقف.

الأولاد أهم شيء بالدنيا، ويجب إعطاءهم الأولوية في كل شيء، والتنازل من أجلهم عن كل شيء مهما كانت الظروف، مع الانتباه أن يحصلوا على الأفضل لهم ولحياتهم، ويجب إعطاءهم الأهم مقابل الأقل أهمية. إن بقاء الأب معهم على قيد الحياة أهم من وفاته على حساب أيٍ كان من احتمالات أخرى. يجب على الأب أن يمنح أولاده كل ما يستطيع من قوة وعزة ومال، ولا يقصر معهم في تقديم خبراته الاجتماعية، ويدعمهم ويحميهم ويساعدهم في شؤون الحياة، وأن يهتم بنفسيتهم، ويعطي انتباه كبير لطبائعهم وأمزجتهم، فليس من الصحيح معاملتهم بنمط واحد، فهنالك تباين في نفسياتهم، وذلك قد يسبب آثاراً سلبية ونتائج عكسية عليهم.

ليس كل من هو باقٍ معك يستحق البقاء، وليس كل من يبتسم لك يحبك، وليس كل من يشاركك الضحك يتمنى لك الخير. بعض العلاقات يجب أن تنتهي، ليس لأنك قاسٍ، بل لأنك أصبحت قادراً على القرار، أو أنك مللت من الاستمرار بما لا يريحك. أغلق الأبواب التي تستهلك طاقتك الإيجابية؛ وستفتح أبوابًا ترفع حياتك للأفضل. هنالك أشخاص يسمموا حياتك، ويجب تجنبهم قدر المستطاع أو حذفهم قبل أن يدمّروا عقلك وروحك دون أن تلاحظ. بعض الناس لا يؤذونك مباشرة، لكنّهم يعطلون مستقبلك بقصد أو بدون قصد، ويمنعون تقدمك، ويُضعفون قناعاتك، ويكسرون ثقتك بنفسك مع الأيام.

الأشخاص الذين تلاحظ تأثيرهم السلبي عليك، الأفضل البعد عنهم أو الخلاص منهم؛ هؤلاء هم الذين لا يفرحون لك مهما نجحت ومهما تقدمت. الذين يريدوك أن تبقى في المستوى الذي يخدم راحتهم. الذين يعكرون مزاجك بمجرد وجودهم، جلوسك بجانبهم دقائق يتعبك يومًا كاملًا. الشخص الذي يجعلك تشعر بأنك مذنب طوال الوقت. الشخص الذي ينافسك بدل أن يفرح لك، فكل تقدم لك، هو تهديد له. الشخص الذي يتذكر أخطاءك، وينسى مواقفك الجميلة، والمرات التي وقفت فيها معه. الشخص الذي يجعل احترامك لذاتك ينخفض يومًا بعد يوم. الشخص الذي يطلب كل شيء ولا يعطي شيئًا، يأخذ دعمك، وقتك، اهتمامك ولا يعيد شيئًا. الشخص الذي يتقن الوعود، لكنه لا يحقق شيئًا. الشخص الذي يعدك بأنه سيتغير إلى الأحسن، ولا يحدث شيئاً، وممكن أن يصل به العناد أو عدم الاكتراث إلى أن لا يهمه أن يغير شيئاً، ويترك القرار لك، وهنا لا تتردد بتركه.

تأكد أن من لا يرى خيرك، لا يستحق قربك. ومن لا يعرف قوتك ومحبتك وعاطفتك وما في نفسك ولا يكترث لشعورك وردة فعلك، أكيد قرارك بتركه صحيح وفي مكانه، ولا تقلق ولا تندم، بل ارمِ كل شيء وراء ظهرك واطمأن؛ لأنك لو لم تتخذ القرار سوف تكون الأيام القادمة أصعب عليك، لأن المشاحنات والآلام والمعاناة سوف تزيد وتؤذي الجميع، وأكيد سيبعث الله لك من يقف معك لتكمل حياتك وأنت مرتاح القلب والبال وتكسب الدنيا والآخرة.

الناس أنواع وينطبق عليهم قول الله تعالى في سورة الليل:﴿وَٱلَّیۡلِ إِذَا یَغۡشَىٰ، وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ، وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰۤ، إِنَّ سَعۡیَكُمۡ لَشَتَّىٰ، فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ،وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ، فَسَنُیَسِّرُهُۥ لِلۡیُسۡرَىٰ، وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ، وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ، فَسَنُیَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرى) صدق الله العظيم.
إن الله يعلم ما في القلوب والسرائر، وله حكمته في ذلك. فهنالك ناس نالوا رضا الوالدين، وجبروا بخواطر الناس، فأرضاهم الله وأكرمهم، وهنالك أشخاص لم يحافظوا على نعمة الله التي كانوا غارقين فيها، وغرتهم أشياء بالية وزائلة، أو دخلت شياطين من الإنس على حياتهم وأثرت على مجراها سلباً، وأوصلتهم إلى مكان كان يجب أن لا يكونوا فيه، وهدموا بيوتهم، ولا شك أن شياطين الإنس سوف يلاقون حسابهم من الله في الدنيا والآخرة، لأن الله يمهل ولا يهمل، وعادل، وكل نفس بما كسبت رهينة، وكل إنسان يجزى بعمله.

الرجل القوي المتمرس بالحياة وله خبرات اكتسبها ممن يكبره سناً، أو من الناس الذين سبقوه في نفس الطريق يعرف ماذا يفعل، ويتخذ القرار بالوقت المناسب دون تسرع أو تأخير، ويراعي كل من يمسهم القرار، ولا يسير ضمن الروتين القاتل، ولا كما يقول الناس، فهو قد تعوّد على صنع القرار في المواقف العديدة، وهو أعلم بما يفعل، وأعلم بمن حوله، وله قدرة محددة على التحمل، وله ظروفه، ويستطيع تحمل جميع النتائج، فهو كما هو، وإن لم يفعل ذلك لن يكون هو، ولا كما نحن جميعاً نعرفه ونتوقع منه أن يفعل. ولأن الله لا يترك قلبًا مكسورًا بلا جبر، سوف يرسل له من يعيد إليه شعوره ويحبه، ومن يقدّر جهوده ومحبته ورغباته، ويحافظ على صحته التي أهداها، وماله الذي بذله. ولا ننسى ما هو أهم، وهو القضاء والقدر، لأنه حق مكتوب، “ليقضي الله أمراً كان مفعولاً”.

د.يوسف العجلوني