هل تضع التسهيلات الجديدة مصر على خريطة السينما العالمية؟
وكالة الناس – بعد سنوات من الجدل بشأن أنشطة تصوير الأفلام السينمائية العالمية في مصر، وافق مجلس الوزراء المصري على مشروع قرار بإصدار لائحة تنظيم التصوير الأجنبي داخل مصر.
فدائماً ما أثارت هذه القضية انتقادات من صناع الأفلام بسبب تعقيد الإجراءات مما دفع بعض منتجي الأفلام العالمية إلى اختيار مواقع تصوير في دول أخرى حتى إن كانت الأحداث تدور في مصر.
وتنص اللائحة على أن تتولى “لجنة مصر للأفلام” التابعة للشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي – وهي شركة مساهمة مصرية للخدمات الإعلامية تديرها الحكومة المصرية وتضم مجموعة واسعة من الاستوديوهات -، تتولى إجراء التنسيقات اللازمة للحصول على موافقات الجهات ذات الصلة بأعمال التصوير الأجنبي داخل مصر، وتكون هي الجهة الوحيدة المنوط بها ذلك.
وتنص أيضا على أن تلتزم جهات الدولة المختلفة بالتنسيق مع اللجنة لتسهيل الإجراءات اللازمة لأعمال التصوير الأجنبي داخل جمهورية مصر العربية.
صناعة السينما تحتاج دعما حقيقياً
وعن هذه العقبات التي تواجه صناع السينما، يقول المنتج السينمائي، صفي الدين محمود، لبي بي سي “على سبيل المثال عندما يأتيني سيناريو به مشهد يدور في القطار، وهذا المشهد يحتاج أربعة أيام تصوير، ستصل تكلفة الحصول على التصاريح اللازمة للتصوير في القطار إلى أرقام كبيرة جدا، ولكي أصور داخل موقع أثري سيتطلب ذلك إجراءات وتصاريح كثيرة، وكذلك في البحر أو أي مكان آخر”.
ويضيف: “أنا كمنتج مصري أحتاج إلى تسهيلات لكي أستطيع أن أقول في الخارج أن لدي تسهيلات، لابد ألا تتعامل الدولة مع صناعة السينما كمنتج ترفيهي، لا يوجد دعم حقيقي صادق من الموظفين في الوزارات”.
ويأتي هذا القرار بعد أيام من إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عزم السلطات إنشاء مدينة إعلام جديدة خلال 3 سنوات.
كما أوضح رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن المدينة الجديدة ستحتوي على استوديوهات عالمية لتصوير الأفلام الكبيرة سواء المصرية أو الأجنبية، وأن هذه المدينة ستسهم بشكل كبير في زيادة الرواج السياحي، مع توفير فنادق وإقامات للسياح والمستثمرين القادمين لمتابعة الأنشطة السينمائية.
ومن المقترح أن يكون موقع المدينة بالقرب من منطقة الأهرامات، وذلك ضمن التخطيط الشامل للمنطقة المحيطة بالأهرامات.
ويصف الناقد الفني، محمد عبد الرحمن، هذا التحرك الحكومي بأنه إيجابي ويقول لبي بي سي ” لسنوات طويلة تحدثنا عن أهمية تسهيل تصوير الأفلام غير المصرية داخل مصر وعقدنا مقارنات بين دول عربية قدمت هذه التسهيلات لكن لأسباب بيروقراطية وأسباب أخرى تتعلق بالتعامل الفردي مع هذا النوع من الأنشطة حيث تتعامل كل إدارة وكأنها هي المسئولة فقط، وهناك بعض الأفراد حاولت الاستفادة منها بشكل شخصي، أدت هذه الأسباب إلى تعطيل الكثير من الأفلام، لكن إذا تم تنفيذ هذه اللائحة كما هي ولم تحدث العراقيل المتوقعة سيكون شيئا إيجابيا”.
نافذة رقمية للتصوير الأجنبي
تنص اللائحة الجديدة على أن تُنشأ نافذة رقمية واحدة للتصوير الأجنبي، وتتولى “لجنة مصر للأفلام” إدارتها والإشراف عليها وتطويرها، واتخاذ إجراءات إنهاء الموافقات والتصاريح اللازمة، ولا يجوز التعامل مع التصوير الأجنبي إلا من خلال هذه النافذة.
وتلتزم الجهات المُتعاملة مع اللجنة بالربط الإلكتروني معها، بصفتها المسئولة عن النافذة الرقمية الواحدة للتصوير الأجنبي، لتيسير تقديم الخدمات والموافقات اللازمة مُجمعة من خلالها، مع مراعاة الضوابط الفنية والتأمينية وقواعد الأمن السيبراني التي تُقرها الجهات المعنية.
ويقول الناقد الفني محمد عبد الرحمن “اللجنة موجودة بالفعل منذ سنوات وكانت تحاول القيام بهذا الدور من خلال وجودها بمدينة الإنتاج الإعلامي بالتنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى، لكن اللائحة التي تم الإعلان عنها قبل أيام ستُعطي صلاحيات أكبر إلى اللجنة للتعامل مع الوزارات بشكل مباشر، خاصة وأن المشكلة هي أن لكل وزارة ولكل جهة قوانينها ولوائحها ما تسبب في تعثر كبير، وبالفعل هناك أفلام كان من المفترض أن تدور أحداثها في مصر ولكن تم تصويرها في الخارج.”
وستتولى اللجنة كذلك التنسيق مع الوزارات وجهات الدولة المعنية لتوفير كافة المُعدات والخدمات والأفراد التي يتطلبها التصوير، مع عرض المواقع المسموح التصوير فيها داخل مصر وذلك على النافذة الرقمية، إلى جانب التعريف بالقوانين والقرارات والتعليمات المنظمة للتصوير الأجنبي داخل مصر.
وستعمل اللجنة على ترشيح شركات الإنتاج الفني المحلية لتنفيذ مشروعات الإنتاج الأجنبي داخل مصر، وكذلك ستعمل على التنسيق مع جهات الدولة المعنية لتوفير حوافز للمشروعات السينمائية الكبرى لجذب مشروعات الإنتاج العالمية، إلى جانب وضع أطر للتعاون الثنائي من خلال إبرام بروتوكولات مشتركة مع كافة الوزارات والجهات ذات الصلة بأعمال التصوير الأجنبي متضمنة مهام وواجبات كل منها ولائحة أسعار الخدمات.
وقال رئيس لجنة مصر للأفلام، أحمد سامي، في تصريحات لقناة القاهرة الاخبارية الممولة من الحكومة المصرية، إن اللجنة ساعدت منذ عام 2019 في تنفيذ 105 عمل أجنبي، موضحا أن اللجنة تقوم منذ سنوات بدور حلقة الوصل بين صناع الأفلام الأجنبية والجهات المختلفة المسؤولة عن استخراج التصاريح، لافتا إلى أن الهدف من المنصة الجديدة هو تسهيل الإجراءات وربط كل الوزارات والهيئات بنظام واحد يضمن السرعة والوضوح وتقنين العملية بالكامل.
وكشف رئيس لجنة مصر للأفلام أن اللجنة بصدد إطلاق حوافز إنتاجية تشمل نظام “الكاش باك” لدعم الشركات الأجنبية التي تختار مصر للتصوير.
انتعاش السياحة والاقتصاد
حُرم الاقتصاد المصري من عوائد ضخمة بسبب اتجاه عدد من صناع السينما العالمية، لتصوير أعمالهم التي ترتبط أحداثها بمصر، خارج أراضيها.
في عام ٢٠٢٢، دفع تأخر صدور التصاريح، صناع مسلسل “مون نايت” الذي أنتجته شركة مارفل العالمية للتصوير خارج مصر رغم ارتباط أحداث العمل بالأساطير المصرية، بحسب تصريحات لمخرج العمل المصري محمد دياب.
وكان فيلم المومياء الذي أُنتج عام ٢٠١٧، أحد أشهر الأفلام الذي اتجه صناعه للمغرب، لخلق مواقع شبيهة بالمواقع المصرية لتصوير الفيلم الذي ترتبط أحداثه بالمومياوات المصرية.
وتسعى مصر لجذب الانتاجات العالمية، على غرار المغرب الذي حقق عائدات بلغت 108 مليون دولار عام 2023، من تصوير الأفلام الأجنبية، بحسب التقديرات الرسمية المغربية.
ويرى الناقد الفني محمد عبد الرحمن أن أول قطاع سينعكس عليه هذا هو قطاع السينما نفسه حيث ستتم الاستعانة بفنيين مصريين ومنتجين منفذين مصريين مما سيُنعش الصناعة ويسمح بتبادل الخبرات.
ويضيف: “الشيء الثاني هو أن قدوم فرق التصوير سينعكس على السياحة وإشغالات الفنادق بشكل كبير وبالتالي سيكون له تأثيره على السمعة الجيدة للبلد، فنحن ننبهر بالتجربة التركية وكيف أثرت المسلسلات التركية على رواج السياحة التركية، لماذا لا نستطيع أن نفعل هذا؟ فلابد أن تعمل اللجنة على الترويج للمتحف المصري الكبير وأن يتم إقناع إحدى الشركات بتنفيذ مشهد داخل المتحف بدون إقحام للمشهد، ولكن داخل السياق الدرامي”.
وفي مشروع القرار، من المفترض أن تتولى لجنة مصر للأفلام الترويج لمصر كدولة جاذبة للاستثمار في تنفيذ مشروعات الإنتاج الأجنبية، والتنسيق مع الجهات ذات الصلة للحصول على موافقات السيناريو واستخراج تصاريح التصوير الأجنبي، مع العمل على تسهيل إجراءات دخول وخروج معدات التصوير من البلاد بالتنسيق مع مصلحة الجمارك، ومتابعة أعمال التصوير لشركات الإنتاج الأجنبية والعمل على تذليل كافة العقبات التي قد تواجه التصوير، فضلاً عن تقديم الدعم اللوجيستي لتسهيل متطلبات التصوير الأجنبي.
