أزمة الجنيه المصري!
لم يكن الجنيه المصرية عملة قوية في أي وقت منذ انقلاب 1952 وهو يتعرض الآن لأزمة ثقة وسعت الفرق بين السعر الرسمي والسعر السائد في السوق السوداء إلى أكثر من 30%، وهو فرق شاسع يغري بالاتجار بالعملات وزيادة الأزمة تفاقماً.
تبدأ الأزمة عندما لا يستطيع البنك المركزي أن يبيع الدولارات بالسعر الرسمي ، لأن هذا السعر غير واقعي ، ويكلف البنك المركزي كلفة عالية ، كما أنه لا يتوفر لدى البنك المركزي دولارات تكفي لتلبية الطلب سواء كان لأغراض مشروعة كتمويل المستوردات أو غير مشروعة كالمضاربة والتحوط من التضخم.
تشير الأرقام المتاحة إلى أن احتياطي البنك المركزي المصري عشية الربيع العربي في 2011 كان في حدود 36 مليار دولار ، لكنه هبط الآن إلى 15 مليار دولار ، أي أنه يساوي تقريباً احتياطي البنك المركزي الأردني من العملات الاجنبية مع أن الاقتصاد المصري أكبر من الاقتصاد الأردني بحوالي 8 مرات.
المهم أن السلطات المصرية لجأت إلى الحل التلقليدي وهو اتهام الصرافين بالتلاعب بالعملة ، فأغلقت نصف محلاتهم ، وغلظت العقوبات على من لا يلتزم ، وهي إجراءات تزيد الطين بلة ، وتؤدي لعكس الاهداف المنشودة.
خلال خمس سنوات من حكم الثورات كانت الحكومات المصرية مضطرة للتوسع في الإنفاق والاستجابة للطلبات لكسب الشرعية فأخذت مصر تعيش على مستوى لا تسمح به مواردها الذاتية ، وكان من الطبيعي ان تنضب العملة الأجنبية.
سعر السوق السوداء هو في الواقع سعر التوازن الذي يتقرر على ضوء العرض والطلب ، وإذا كان المستورد أو المضارب على استعداد لدفع 5ر12 جنيه للحصول على دولار واحد، فلماذا يصر البنك المركزي على ان سعر الدولار 9ر8 جنيهات فقط ، مما يذكرنا بما كان يقال في نظام عربي متقشف أن السعر المقرر لكيلو السكر خمسة قروش ولكن لا يوجد سكر للبيع!.
هنا نذكر أن مصر تلقت دعماً بمليارات الدولارات من الدول الخليجيـة ، كما أن المنحة الأميركية السنوية مستمرة ، فأين ذهب المال ، ولماذا لم ينتج نمواً اقتصادياً وقوة إضافية للجنيه بدلاً من أن تتراجع من يوم لآخر وتخلق توقعات بالمزيد من التراجع.
لو كان لي أن أقدم نصيحة فهي تعويم الجنيه وترك سعره يتقرر على ضوء العرض والطلب ، ورفع سعر الفائدة إلى أكثر من 15%.