عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

العقبة 2025: مدينة إقليمية متعددة الوظائف ورؤية وطنية مستدامة

وكالة الناس – مأمون الخوالدة – العقبة، المدينة الساحلية الوحيدة للأردن على البحر الأحمر، لم تعد مجرد بوابة بحرية صغيرة، بل تحولت خلال ربع قرن إلى مشروع وطني استراتيجي وقصة تحول حضاري متكاملة. فمنذ إعلان تأسيس سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة عام 2001، انطلقت المدينة في مسار جديد قوامه التخطيط والرؤية الواضحة، وهدفه أن تكون مركزًا إقليميًا نابضًا بالحياة في مجالات الاستثمار والتجارة والسياحة.
اعتمدت سلطة العقبة الاقتصادية الخاصة منذ بداياتها على رؤية شاملة تقوم على تنمية القطاعات الحيوية كافة، بدءًا من السياحة والاستثمار، وصولًا إلى التعليم والصحة وتطوير البنية التحتية. وقد انعكست هذه الرؤية في إنجازات ملموسة أعادت تشكيل العقبة كمدينة إقليمية متعددة الوظائف، جاذبة للاستثمار وبيئة صالحة للعيش والعمل.
النمو السكاني الذي شهدته العقبة يعد أحد أبرز مؤشرات نجاح هذا التحول، إذ ارتفع عدد سكانها من نحو 70 ألف نسمة عام 2000 إلى أكثر من 220 ألف نسمة اليوم داخل القصبة، فيما يقدر عدد سكان المحافظة ككل بحوالي 245 ألف نسمة، وهو ما يعكس قدرتها على استيعاب النمو وتقديم مقومات حياة حضرية متكاملة.
ويبرز القطاع اللوجستي والموانئ بوصفه العمود الفقري للاقتصاد في المدينة، حيث تحولت العقبة من ثمانية موانئ واثني عشر رصيفًا عام 2001 إلى اثني عشر ميناءً متخصصًا وثلاثين رصيفًا مجهزًا اليوم، تغطي نحو 95% من تجارة الأردن الخارجية. وقد رافق ذلك إنشاء مناطق وساحات لوجستية متخصصة دعمت حركة الصادرات والواردات، إلى جانب تطوير شبكة طرق ونقل عام ارتفع عدد مستخدميها من 205 آلاف عام 2014 إلى أكثر من 1.1 مليون مستخدم عام 2024، فيما شكّل ميناء الحاويات نموذجًا للشراكة الناجحة بين القطاعين العام والخاص بعد أن ناول حوالي 900 ألف وحدة مكافئة في عام 2023.
وعلى الصعيد الصناعي، لم يكن في العقبة أي مناطق صناعية متخصصة قبل عام 2001، أما اليوم فقد تم تأسيس مدينة صناعية دولية ومنطقة لوجستية إلى جانب ست مناطق صناعية جديدة في لواء القويرة، مما أسهم في جذب استثمارات متنوعة تستهدف التصدير. كما ارتفع عدد الشركات المسجلة لدى السلطة إلى نحو 1,800 شركة في 2024 مقارنة بـ 700 شركة فقط في 2014، بينما تجاوز عدد الشركات العاملة فعليًا 5,500 شركة، الأمر الذي يعكس جاذبية العقبة كمركز اقتصادي وتجاري.
التنمية لم تتوقف عند الاقتصاد فحسب، بل شملت التعليم والصحة باعتبارهما ركيزتين أساسيتين للنهوض بالمدينة. ففي حين لم يكن في العقبة أي جامعة عام 2001، أصبحت تضم اليوم أربع جامعات بينها جامعة طبية، يلتحق بها أكثر من 7,600 طالب. كما ارتفع عدد المدارس إلى 89 مدرسة مقارنة بـ 55 مدرسة سابقًا، وافتتحت مدارس نموذجية حديثة تعكس جودة التعليم الحكومي. أما القطاع الصحي فقد شهد تطورًا نوعيًا بوجود خمسة مستشفيات وواحد وعشرين مركزًا صحيًا، منها أربعة شاملة، مقارنة بثلاثة مستشفيات وسبعة عشر مركزًا فقط في عام 2001.
ولم تغفل السلطة دورها في خلق فرص العمل وتطوير مهارات أبناء المجتمع المحلي، حيث وفرت منذ عام 2018 أكثر من عشرة آلاف وظيفة في القطاع الخاص، فيما يعمل حاليًا في المنطقة نحو 61 ألف موظف. وبفضل وجود أحد عشر معهدًا وأكاديمية تدريبية متخصصة، أصبحت العقبة مركزًا إقليميًا لتأهيل الكفاءات والكوادر الفنية.
أما السياحة، فقد شكلت حجر الزاوية في رؤية العقبة الاستراتيجية، حيث انتقلت المدينة من 43 فندقًا بسعة 2,300 غرفة في عام 2001 إلى 95 فندقًا اليوم توفر أكثر من 6,400 غرفة، بعضها تدار من قبل سلاسل عالمية. وارتفع عدد زوار المدينة من نصف مليون سائح عام 2013 إلى مليوني سائح في 2023، فيما تضاعف عدد سياح المبيت إلى مليون سائح مع ارتفاع معدل الإقامة إلى 1.8 ليلة. وقد دعم هذا النمو تنوع المنتجات السياحية التي شملت السياحة البيئية وسياحة المغامرات والمؤتمرات، إضافة إلى المهرجانات السنوية والفعاليات الترفيهية التي باتت جزءًا من هوية العقبة السياحية.
وادي رم، الجار الأقرب للعقبة، شكّل بدوره رافعة سياحية مهمة ضمن المثلث الذهبي، حيث استقبل أكثر من 450 ألف زائر عام 2019 ويحتضن اليوم أكثر من 250 مخيمًا صحراويًا، بينها مخيمات فاخرة تنافس عالميًا. كما منحت مواقع التصوير العالمية الشهيرة في المنطقة وادي رم مكانة خاصة على خريطة السياحة الدولية.
ورغم المساحة الساحلية المحدودة للعقبة، فقد نجحت في الموازنة بين احتياجاتها الوطنية ومتطلبات السياحة والبيئة، إذ أُنشئت محمية العقبة البحرية عام 2020 على طول سبعة كيلومترات، وتضم 157 نوعًا من المرجان الصلب و300 نوع من الأسماك، وتجذب سنويًا عشرات الآلاف من الغطاسين. كما تم تطوير ثلاثة شواطئ عامة هي الأزرق والمرجان والنخيل لتقديم تجربة شاطئية آمنة ومميزة للزوار.
اليوم، تقف العقبة مثالًا حيًا على قدرة الرؤية الوطنية الواضحة على تحويل التحديات إلى فرص، والموارد المحدودة إلى إنجازات نوعية. فهي لم تعد مجرد مدينة ساحلية، بل باتت مشروعًا وطنيًا متكاملًا يجمع بين الاستثمار والسياحة والتعليم والصحة والبيئة، ويعكس إرادة الأردن في بناء مستقبل قائم على التنمية المستدامة والانفتاح على العالم.