الاعتراف والمسامحة
كان مانديلا، الزعيم الافريقي العظيم يقول: العالم ليس بحاجة الى العدالة.. انه بحاجة الى التسامح والقدرة على فهم الآخر.
ورغم حالة البهرجة في الاخلاقيات الاميركية، فقد قرأت مؤخرا كلاما قصيرا لابنة الرئيس الأميركي رونالد ريغان، فيه حجم كبير من القدرة على المسامحة إذ أُطلق سراحُ جون هكلي بعد ان قضى 35 عاماً في مصح عقلي ليذهب الى فريجينيا ويعيش مع امه البالغة 90 عاماً، وهو الرجل الذي اطلق النار على الرئيس ريغان، وعلى سكرتيره الصحفي.
وتكتب ديفيز بهذه المناسبة: انها سمعت من والدها وهو يعالج في المستشفى يقول: إن فرصتي في الشفاء تتوقف على قدرتي على مسامحة هكلي. لكنها تقول انها ايضا تسامحه، لكنها ترغب في ابقائه خارج المجتمع، لأن أحداً لا يعرف ماذا يدور في عقله.
والقصة كما قلنا قد تدخل في بهرجة الكلام، لكن وضعها في مواجهة الجرائم الارهابية التي بدأت تطوف في بلاد العالم.. وأصلها عندنا، يكاد لا يشبه ما قاله ونفذه مانديلا في جنوب افريقيا، بعد انهيار نظام بريتوريا العنصري.. وقد فشل العراقيون والمحررون الأميركيون والانجليز في انفاذ دعوة الاعتراف والمسامحة.. بدل هذا القتل المجنون بالاحزمة وبالمفخخات التي تطول الطفل والرجل والمرأة في الشارع، والملعب، والمتجر وكل مكان.
ان ما يجري في سوريا الآن، لا يمكن ان يكون سلوكاً عربياً. فالدم العربي لا يصير ماء، والسوري لم يكن أبداً عنصرياً أو طائفياً، ولم يخضع لقوى إقليمية أو دولية لأنه كان يعيش في دولة ارسى أسسها الثوار العرب في مطلع هذا القرن، وكانت قراراتها تنبع من «المؤتمر السوري» حين كانت هذه المنطقة جزءاً من حالة التخلف العثماني المريع.
الاعتراف والمسامحة قد تكونا هما الوحيدتان الكافلتان لوقف شلالات الدم في سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها.
فالأمم المتحدة تقول إن الجوع طال 85% من الشعب اليمني: فعلى ماذا يتقاتل اليمنيون. ايتقاتلون على حكم شعب جائع؟!. وماذا عندهم بعد انتهاء الحرب ليقدموه الى الحالة اليمنية البائسة.
أعجب ما سمعناه مؤخرا ان رجل الدين الفرنسي الذي تم ذبحه كالشاة في كنيسته، كان قبل سنوات تبرع من ارض الكنيسة مكاناً لمسجد إسلامي في روان.. غير بعيد من المكان الذي تمَّ فيه جزُّ رأسه. ترى هل يعرف الفتى الذابح اي هدف اصاب في مغامرته التعيسة؟!. وأي انتصار حققه.