تركيا بيت المفارقات
كانت المفارقة الاولى التركية هي حكم حزب اسلامي في جمهورية قامت على علمانية مصطفى كمال المتطرفة، وجيش يحمل مبادئ اتاتورك. فعدنان مندريس هو اول رئيس وزراء خفّف من غلواء خلفاء اتاتورك، فسمح بالحج، والاذان، والمدارس الدينية وكان نصيبه الانقلاب العسكري الاول واعدامه، وملاحقة حزبه، لكن جرأة مندريس انتقلت الى احزاب لها طابع اسلامي، لكنها قبلت دولة اتاتورك.. بكل شعاراتها لكن الجيش لم يكن مقتنعاً بهذه الاحزاب فأطاح بحكوماتها الواحدة تلو الاخرى.
اردوغان ورث كل هذه الاحزاب شبه الدينية، واستمال الجيش، او استهدان الجيش، بنمو اقتصادي عزَّ مثيله، وبتقرّب ممنهج من اوروبا، واخلاص مطلق للحلف الاطلسي، وجيش تركيا هو اكبر جيوشه، لكن الرجل كان حذراً، وكان يتحسب من انقلاب عسكري ويبدو ان المخابرات العسكرية كانت تنسّق معه فاستعد لهذا الانقلاب، وكان الاول الذي عاد من اجازته ليرفع العلم، ويدعو جماهير اسطنبول للخروج في وجه الدبابات، ونجح في مسعاه.
المفارقة الاخرى الاكثر ايلاماً، هي مظاهرة البعثيين الاحتفالية في دمشق «بسقوط اردوغان» قبل ضحى اليوم ذاته، فهم اكثر الناس تصديقاً للاعلام الرسمي المتهافت، بان معاناة سوريا هي من صنع تركيا وقطر والسعودية، وقد يرد الاردن وفرنسا، وحتى الولايات المتحدة، لِمَ لا طالما ان النظام طاهر طهارة زوجة القيصر.
هل تتغير سياسات اردوغان غير الثابتة بعد فشل الانقلاب العسكري؟ هل ستكون تركيا اكثر استقراراً وخاصة في تعاملها مع الاقليات العرقية الكردية والعلوية؟ وهل ستكون اكثر قبولاً في اوروبا؟
لقب السلطان ليس غريباً على شخصية الرئيس التركي، فهو الان سيتمدد اكثر في السلطة، ودون خوف من الجيش، وهو غير متصالح في الداخل، وغير مهتم كثيراً بدخول الوحدة الاوروبية طالما ان الاتفاقات الجانبية الاقتصادية تعطيه اسواقاً واسعة دون ان تكلّفه شيئاً. ويستطيع ان يؤوي الاخوان المسلمين، ويعيد الصداقة الحميمة مع اسرائيل، ويكون الاخ لعرب الجزيرة، في الوقت الذي يتحالف فيه، اقتصادياً، مع طهران، ويعود الى «التصالح» مع مصر.