لا للمقاولة ولا توجد ممانعة
تستعر النار في الاقليم الان وتتبادل الاطراف الاقليمية التهم عبر وسطاء واتباع على ارضية المقاومة والممانعة من طرف , والمقاولة والمتاجرة من طرف آخر -هذا على المستوى الفوقي- في حين ان قاع الاستعار يشير الى ان كل طرف يملك مقاومة وممانعة ويملك متاجرة ومقاولة , فكل طرف فيه من الآخر الكثير.
محور الممانعة يتهم اطراف المقاولة والمتاجرة بأنهم تابعون واذا ما علت لغة الديبلوماسية يكونون معتدلين , والتهم لاطراف الممانعة انهم عدميون وديكتاتوريون واذا ما انخفض منسوب الديبلوماسية يكونون مذهبيين , والواقع يشير الى صحة معظم التهم المتبادلة بين الفُرقاء , فكل طرف يمانع ويقاول وكل طرف يتاجر ويقاوم , هذا الواقع يُسقط بأن لهذه الحرب شكلاً أيديولوجياً، حيث يبدو المُعسكر الأول “المُمانع والمقاوم”، يقف ضد إسرائيل والإمبريالية، فيما المُعسكر الثاني يدور في فَـلَـك هاتين الأخيرتين.
سلوك محور ما يسمى بدول الممانعة -رغم اشتباكه مع اميركا واسرائيل على السطح- حافل بالكثير من التسويات المذهلة مع اميركا واسرائيل ولتنشيط الذاكرة لا بد من قراءة هادئة لتسوية ايران- غيت وما تلاها على ارض افغانستان الى ان تجلت الصورة في العدوان على العراق وسقوط عاصمة الرشيد بيد هولاكو الجديد , وكيف جاء بعض قادة الممانعة على ظهر الدبابة الامريكية.
ما يرقد في القاع ولا تشير اليه الاصابع هو المصالح السياسية في الاقليم , فكل دولة تبني علاقتها وفقا لمصلحتها الداخلية الا ما يُسمى بدول الاعتدال التي تبني مواقفها تبعا لحسابات اللحظة والاشتراطات الغربية ومدى تسامح الغرب او قبوله بهامش من الاختلاف -هذا على الصعيد العام- ولكن من المفيد استذكار مواقف صلبة لبعض دول الاعتدال في قضايا اقليمية شائكة مثل الكونفدرالية والانفتاح على اسرائيل , في حين ان محور الممانعة متحالف عضويا مع اطراف غارقة في الحلف الامبريالي الاسرائيلي وتنأى عن دول تمانع في دخوله.
المشهد الان ملتبس بل سريالي , ووسط غمار هذا الالتباس بات المواطن العربي يعيش السياسة بالمياومة , فمن يكون اليوم قوميا قد يصبح اقليميا عفنا دون الرجوع الى الذاكرة او الارشيف الانساني للعقل البشري ومن كان قطريا واقليميا يصبح ثوريا بامتياز , فما تقوم به المافيات الاعلامية وجنرالات التحرير الفضائي والورقي أدخل الناس في نفق سحري وتُدار الاعمال وفقا لرؤية بلورة الساحر او الساحرة دون حسابات الاستقرار والاصلاح او التغيير والانفلات.
استمرار وعي اللحظة او الانفعال الفضائي لا يبني اوطانا ولا يحقق اصلاحا , وتغليب الاستقرار على الاصلاح يقود الى نفس الكارثية والمواطن العربي ما زال اسير الحالتين ولم يتم انضاج حالة توازن يعيد للعقل بعض دوره , فيُزيل العقل عن الاستقرار تهمة التسويف او محاولاته ويمنح التغيير رشادا يستأهله ويحتاجه.
قراءة الاحداث بدون نظارة الايديولوجيا مطلوبة الان , فلا يوجد ممانع دائم ولا مقاول دائم , ولا يوجد ممانع لمشروع امبريالي بل يوجد من يسعى الى تحسين شروطه الاقليمية وتكبير دوره , ولا يجوز ان نبقى كمواطنين اتون هذه الفواتير ودافعيها , ودمنا او اقتصادنا اسير فواتير اقليمية لا تعود بالفائدة علينا , وان تبقى شوارع الوطن العربي متأججة بدون نتائج , فالاصلاح يحتاج الى استقرار مقرون بالعمل الجماهيري المنظم والمؤطر والعارف لمطالبه وليس المنفذ لطلبات صاحب الحنجرة الاسرع في الهتاف او المنحاز الى ممانعة غير موجودة او خصمه الذي يبحث عن مقاولة دائمة.
omarkallab@yahoo.com