الحقائق والأوهام في صراعات المنطقة
الكلام التركي عن قبول أنقرة بحلٍّ سوري يسمح بإبقاء بشار الأسد رئيساً دون صلاحيات لستة أشهر، كلام تخريف: فكيف يتوقع أحد من رجل مطلق الاستحواذ على كل ما في سوريا، أن يجلس في قصر الرئاسة بلا عمل , أو يتوقع من بشار الأسد أن ينقلب إلى ديمقراطي يشاهد الحكم يمرُّ أمامه دون أن يمدَّ يده ويأخذه بنواجذه.
والذين يمرون بالتخريف التركي كثرٌ مع الأسف، لكن بشار مصرٌ على حكم كل سوريا، فهو لا يجد نفسه في نصف حلب، ونصف الغوطة، ونصف جبال النصيرية، ونصف الجزيرة.. ربما لا لأنه يؤمن بوحدة سوريا، وإنما لأنه يعرف أن نظامه إن فقد الأفغان، والفاطميين، والحرس الثوري الإيراني وعصائب الحق وفيلق بدر العراقي، وحزب الله اللبناني.. فإنه خاسر لا محالة. وإذا خرجت روسيا من الصراع العسكري في أي تسوية لأوكرانيا أو صواريخ الأطلسي في وارسو.. وامتداداته في دول البلطيق، فإن نظام الأسد وحلفاءه في المنطقة سيصبحون دون غطاء جوي، وستقسم سوريا على أسوأ الأحوال.
لقد استطاعت الدول الغربية الحفاظ على تقسيم كوريا، وعلى كوريا الجنوبية، بعد حرب ضروس.. ولكن أميركا وحلفاءها لم تستطع الحفاظ على وحدة فيتنام فأنهارت فيتنام الجنوبية، ومعها لاوس وكمبوديا، وتسيّد الشيوعيون، وما زالوا. وروسيا (الاتحاد السوفياتي)، لم تستطع الحفاظ على دولة ألمانيا الديمقراطية فانهار جدار برلين، وارتفعت راية ألمانيا الموحدة مكانه، ولم تستطع الحفاظ على وحدة تحالف دول أوروبا الشرقية فتهاوت أنظمتها لمصلحة الوحدة الأوروبية وحلف الأطلسي.
.. هذه النماذج للوحدة، وعودة الحدود إلى إطارها القومي كما كان في القرن العشرين، ستعود إلى المنطقة العربية، حتى بعد هذا التذابح المنحط، وستبقى سوريا موحدة، والعراق واليمن وليبيا وسيتوحد الخليج العربي.. فنموذج التبعية والهيمنة الإيرانية في لبنان وسوريا والعراق واليمن سيخسر لمصلحة الدول القومية التي ما تزال على الخارطة السياسية والجغرافية. وحزب الله لن يحكم لبنان لأنه يمثل طائفة أو بعض الطائفة، وحزب الدعوة، وفيلق بدر، والمجلس الإسلامي الأعلى والتيار الصدري في العراق لن يبقى موحد الاتجاه لأن الطائفية لا تصنع دولة موحدة، ولأن «الجسم الشيعي»، لن يحول العراق إلى «بيت شيعي» تابع لإيران، وكذا تجمع الحوثيين.. وهو الحزب الذي لا يمثل الزيدية، ولأن الزيدية ليست كل اليمن.. والأهم أن هذه الدسيسة الإيرانية لن تنجح في الهيمنة على شعب اليمن كله.