أردوجان وتتريك العرب
الرئيس التركي رجب طيب اردوجان يرغب في منح الجنسية التركية لحوالي 300 ألف سوري ، على أن يتم اختيارهم من أصل 7ر2 مليون لاجئ سوري في تركيا. الشروط واضحة وهي أن يكونوا أصحاب رأسمال كبير وعلى استعداد لاستثمار أموالهم في تركيا ، أو أن يكونوا من ذوي الكفاءات العالية: أطباء مهندسون إلى آخره.
الإعلان عن هذا التوجه التركي المفاجئ يراد له أن يبدو للعالم على أنه سلوك انساني يستحق التقدير والاحترام ويجب أن يحتذى.
لكن الأهداف الحقيقية تشير إلى غير ذلك ، فالقرار يختار رأس المال والكفاءات لخدمة الاقتصاد التركي ، أما الجانب الإنساني الحقيقي فلا يتطلب إغراء السوريين بحمل الجنسية التركية والتخلي عن وطنهم.
إلى جانب ذلك ، هناك ُبعد تاريخي للقرار لا بد من ملاحظته ، فما زلنا نذكر أن حكومة الاتحاديين التركية في عهد السلطان عبد الحميد وضعت برنامجاً للتتريك ، أي تحويل العرب إلى أتراك قبل مائة عام مما كان سبباً مباشراً لقيام الثورة العربية الكبرى التي كان عمادها قوميون عرب من سوريا والعراق ولبنان وفلسطين والأردن بقيادة الزعيم التاريخي الحسين بن علي.
اردوجان يريد ان يستأنف ما كان مقرراً في عهد السلطان عبد الحميد ، تماماً كما يرى نفسه استئنافاً للدولة العثمانية وسلطاناً من سلاطينها مثل أبو بكر البغدادي الذي يعتبر نفسه خليفة على المسلمين.
ومما يسـهل عملية التتريك أن لدى تركيا خبرة ناجحة في الموضوع ، ذلك أنه حسب رأي المؤرخ الراحل عبد الكريم غرايبة رحمه الله ، لا يكاد يكون هناك أتراك أصليون في تركيا ، فالشرق والجنوب والجنوب الغربي أكراد وعرب ، وهناك أقليات أخرى من البلدان الاوروبية التي كانت الدولة العثمانية تحتلها ، أما سكان وسط وغرب تركيا فهم أحفاد شعب الدولة الرومانية الشرقية ، بيزانطة ، ويشمل ذلك معظم سكان القسطنطينية التي صارت اسطنبول.
لا تخلو الفكرة من الحسابات الشخصية ، فإذا أمكن تجنيس 300 ألف سوري فإن اردوجان يستطيع أن يعتمد على أصواتهم لترجيح موقفه سواء في مجال تثبيت حزب العدالة والتنمية الذي كان قد فقد أغلبيته المطلقة مما اضطر أردوجان لإعادة الانتخابات بعد ضرب المعارضين أو في مجال الاستفتاء القادم حول التحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي لمجرد نقل السلطة دستورياً بعد أن تم نقلها عملياً من رئاسة الوزراء إلى رئاسة الجمهورية خلافاً للدستور.