العقبة بين قبضة التنمية الصناعية وكلفة التدهور البيئي: 2865 مخالفة بيئية في عام واحد
وكالة الناس- مأمون الخوالدة – منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، واحدة من أبرز المناطق الاستثمارية في الأردن، شهدت منذ إنشائها ازدهارًا اقتصاديًا ملحوظًا. تحولت إلى مركز جذب للاستثمارات الضخمة في قطاعات الصناعة، اللوجستيات، والسياحة. إلا أن هذا النمو لم يمر دون ثمن، حيث يكشف تقرير جديد صادر عن سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة عن حقيقة مقلقة تتمثل في تسجيل 2865 مخالفة بيئية في عام واحد، مما يثير قلقًا بشأن تأثير هذا النمو على البيئة والصحة العامة في المنطقة.
تُعد العقبة اليوم مركزًا استراتيجيًا للصناعات الثقيلة، مثل صناعة الأسمدة، والكيماويات، والمعادن، ومواد البناء، حيث تتركز معظم هذه المنشآت في المنطقة الجنوبية للمدينة. وقد أسهمت هذه الصناعات بشكل كبير في تنشيط الاقتصاد المحلي، من خلال توفير آلاف فرص العمل. إلا أن هذا التوسع الصناعي رافقه تحديات بيئية مقلقة، تتطلب حلولًا متوازنة تضمن استدامة التنمية مع الحفاظ على البيئة.”
تُظهر البيانات أن حصة كبيرة من المخالفات البيئية تعود إلى هذه المنشآت، التي تتسبب في انبعاث الغبار، المواد الكيميائية الضارة، وتصريف المخلفات الصناعية غير المعالجة بشكل كافٍ. هذه المخالفات تؤثر بشكل مباشر على جودة الهواء، البيئة البحرية، والتنوع البيولوجي في المنطقة، مما يشكل تحديًا بيئيًا كبيرًا.
التكلفة الصحية: فاتورة باهظة يدفعها المواطن
التلوث الناتج عن الأنشطة الصناعية في العقبة لم يقتصر فقط على التأثيرات البيئية، بل كان له انعكاسات صحية خطيرة على السكان. تشير التقارير الصحية إلى ارتفاع ملحوظ في حالات الإصابة بالأمراض التنفسية، الحساسية المزمنة، وأمراض العيون، خاصة في المناطق القريبة من المجمعات الصناعية. هذه الظاهرة تضع ضغطًا إضافيًا على النظام الصحي المحلي الذي يعاني أصلًا من محدودية الموارد، مما يعكس تحديًا مزدوجًا: بيئيًا وصحيًا.
رغم أن بعض الشركات العاملة في المنطقة قد قامت بتقديم مبادرات اجتماعية وصحية لدعم المجتمع المحلي، مثل مشاريع تعليمية وخدمية، فإن الخبراء يشددون على أن هذه المبادرات لا تعادل الكلفة البيئية والصحية الناتجة عن الأنشطة الصناعية. وهذا يثير تساؤلات حول مدى التزام هذه الشركات بمبدأ “العدالة البيئية”، الذي يقضي بأن تتحمل الجهات الملوثة المسؤولية عن تأثيراتها السلبية على البيئة وصحة المواطنين.
ومن أجل مواجهة هذه التحديات، تسعى سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة إلى تحسين آليات الرقابة البيئية. فقد أطلقت العديد من البرامج والأنظمة التي تهدف إلى مراقبة ورصد الانبعاثات الصناعية، ودعمت مشاريع التحول نحو التصنيع الأخضر، مثل ربط مدينة القويرة الصناعية بشبكة الغاز الطبيعي لتقليل الانبعاثات.
على الرغم من هذه الجهود، يظل الخبراء يدعون إلى ضرورة تعزيز الرقابة البيئية بشكل أكبر. يقول العديد منهم إنه يجب تحديث التشريعات البيئية لتتواكب مع المستجدات البيئية الحالية، بالإضافة إلى فرض غرامات رادعة على الشركات الملوثة. كما يشددون على أهمية تطبيق مبدأ “الملوّث يدفع”، وهو مبدأ يقتضي فرض غرامات صحية وإلزامية على المنشآت الصناعية لتغطية تكاليف التدهور البيئي والصحي الذي تسببه.
إن التنمية الاقتصادية يجب أن لا تُبنى على حساب صحة الإنسان وبيئة الوطن. ففي الوقت الذي تشهد فيه العقبة ازدهارًا اقتصاديًا، من الضروري أن تتوازى هذه القفزة مع استراتيجيات بيئية تضمن بيئة نظيفة وآمنة لسكان المنطقة وزوارها. إن العقبة تقف اليوم أمام مفترق طرق: إما أن تتبع نهجًا شاملاً للتنمية يضمن حماية الإنسان والبيئة، أو تستمر في دفع ثمن النمو غير المتوازن الذي قد يؤدي إلى تدهور صحة المواطن وموارد البيئة.
ويؤكد الخبراء أن الطريق إلى التنمية المستدامة يمر عبر إرساء معادلة عادلة بين الاقتصاد والبيئة والصحة العامة. المستقبل المستدام لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تم ضمان وجود بيئة نظيفة، اقتصاد قوي، وصحة مجتمعية سليمة.