التغير المناخي نداءً للعمل الخيري المحلي
وكالة الناس – في ظل أزمة المياه التي يواجهها الأردن، والتي تُعد من أشد الأزمات تأثيرًا على استدامة الحياة، ظهرت ظاهرة لافتة في المجتمع الأردني تتمثل في تبرعات المواطنين لتمويل حفر آبار مياه في دول خارج الأردن. هذه الظاهرة، التي يُعتبر فيها التبرع بحفر الآبار صدقة جارية لأرواح الأموات، يمكن قراءتها على أنها شكل من إعادة توجيه الأولويات، حيث يركز الناس على أعمال الخير خارج حدود الوطن بينما يعاني بلدهم من واحدة من أخطر أزمات المياه في العالم.
يُعد الأردن من أفقر دول العالم مائيًا، حيث لا يتجاوز نصيب الفرد من المياه 60 مترًا مكعبًا سنويًا، وهو ما يعكس العجز المائي الحاد. وفقًا لتقديرات البنك الدولي، فإن المملكة تواجه فجوة مائية متزايدة، ما يضع ضغوطًا غير مسبوقة على الموارد الطبيعية، خاصة في المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية، ويزيد من هشاشة المجتمعات التي تعاني أصلًا من شح المياه
لكن لا يمكن فهم هذه الأزمة بمعزل عن التغير المناخي، الذي يجعل المشكلة أكثر تعقيدًا. إذ تسهم ارتفاع درجات الحرارة وتذبذب الهطول المطري في زيادة شح المياه، وتسريع وتيرة الجفاف،. كما أن تناقص المياه الجوفية نتيجة الضخ الجائر، الذي تُظهر التقارير الحكومية انخفاضه بنسبة 30% في بعض المناطق، يزيد من التحديات التي تواجه الأردن.
رغم هذه التحديات، يواصل الكثير من الأردنيين التبرع لحفر الآبار في دول أخرى، اعتقادًا منهم أن ذلك يحقق أجرًا مستدامًا. وبينما لا يمكن إنكار قيمة الصدقة الجارية في الإسلام، إلا أن هذا التوجه يثير تساؤلات حول كيفية تحديد الأولويات. هل يمكن أن يصبح العمل الخيري وسيلة لمواجهة الأزمة الداخلية بدلًا من التركيز على الخارج؟
إن تخصيص الموارد لحفر الآبار في الخارج قد يعكس عدم إدراك خطورة الأزمة المائية المحلية. فالأردن يحتاج إلى استثمارات ضخمة في مشاريع تحلية المياه، وتقنيات الري الذكي، وإعادة تدوير المياه، وهي حلول يمكن أن تستفيد من الدعم الشعبي إذا وُجهت التبرعات نحوها. إن تحويل جزء من هذه الجهود الخيرية إلى الداخل يمكن أن يسهم في دعم مشاريع مثل الناقل الوطني لتحلية المياه، الذي يمثل خطوة أساسية في تأمين مياه مستدامة للأردنيين.
لا يُقصد من هذا الطرح التقليل من قيمة العمل الخيري، بل إعادة التفكير في كيفية جعله أكثر ارتباطًا بالاحتياجات الفعلية للمجتمع. هنا يأتي دور الخطاب الديني، الذي يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في توجيه التبرعات نحو مشاريع وطنية تعزز الأمن المائي.
يمكن لوزارة الأوقاف، بالتعاون مع الجهات المعنية، أن تعمل على توعية المواطنين بأهمية المساهمة في مشاريع تعزز استدامة المياه داخل الأردن، بحيث تتحول الصدقة الجارية إلى أداة لدعم العدالة المائية، بدلًا من أن تكون منفصلة عن الواقع المحلي.
حتى يكون العمل الخيري أكثر تأثيرًا، لا بد من تغييره ليواكب التحديات الحقيقية التي تواجه الأردن. فبدلاً من أن يبقى معزولًا عن الاحتياجات الوطنية، يمكن توظيفه لدعم مشاريع تحلية المياه، حصاد الأمطار، وتقنيات إدارة المياه، مما يعزز من قدرة المجتمع على الصمود أمام التغير المناخي.
الخير لا حدود له، لكن عندما يكون الوطن في أزمة، يصبح الاستثمار في الداخل أولوية. فالصدقة ليست فقط عطاءً، بل مسؤولية في توجيه الموارد نحو ما يحقق التنمية والاستدامة، وهو ما يمكن أن يكون أعظم أجرًا وأطول أثرًا