عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

سحرٌوعبقٌ وموسيقى

وصلت متأخرة ذات صباحٍ، وفيما كانت تهمّ بدخول البوابة الرئيسيّة للمبنى، هبّت فجاة نسماتٌ ربيعيّة نشطة، فطار طرف وشاحها ليعلق بإحدى الشجيرات على المدخل، لتتوقفّ وتبدأ بفكّ الاشتباك برقّة وتأنّ، دافعها إلى ذلك خوفها على البراعم النامية على النبتة … أكثر من خوفها على الوشاح العتيد !
ولمّا انتهت أخيراً، صعدت الأدراج المؤدّية إلى المبنى بسرعة لتراه واقفاً، حاجزاً لها المصعد كأنما كان ينتظر انتهاءها ممّا شغلها لحظة الوصول … فدلفت إلى المكان لاهثةً، ليصلها صوته : « أيّ طابق لو سمحت ؟ « فأجابت بأنفاسٍ متقطّعة : « السادس لطفاً «، ولمّا وصلت، خرجت بصمت وهي لا تعرف لمَ ظلّت نبرات صوته ترنّ في أذنها … ودخلت مكتبها وهي تلوم نفسها لأنّها لم توجّه له، ولو، عبارة شكر !

استغرقت في عملها ناسية الموقف تماماً، إلى أن دُعي موظّفو الشركة بعد يومين إلى اجتماعٍ عام، فتوجّهت مع الآخرين إلى القاعة، وما أن اتّخذت مقعدها حتى لمحته يدخل، ويقف، ويجول بنظره بين الجميع بتمعّن حتى رآها، فخصّها بابتسامة … وجلس بعيداً، ليمضي الاجتماع دون أن تفهم شيئاً ممّا قيل !
ومضت أيام، لتفاجأ به ذات ظهيرة يقف عند باب مكتبها، ويجري حديثاً، بدا جاداً، مع أحد الزملاء، ولمّا نظر نحوها وحيّاها، احمرّ وجهها، فردّت بتلعثم، ثمّ تشاغلت بفتح أحد الأدراج لتبحث عمّا لا تعرف ما هو !
خطر لها أن تسأل عنه، أن تعرف اسمه على الأقل، لكنّ شيئاً في داخلها منعها، كانت تمرّ أيامٌ طويلة لا تصادفه فيها، ثمّ لتلمحه في أحد الممّرات أحياناً، فتحيّيه بخجل، وتختفي وقلبها يخفق باضطراب مثل مراهقة غضّة حيّية … حتى حدث في المرّة الأخيرة أن شاهدته يُقبل من بعيد حيث تقف، لتجد نفسها تدلف قاعة فارغة تحاشياً لمواجهته … لتسأل نفسها: « ما هذا الذي يحدث ؟ « ولم تجد الإجابة .
ولمّا كان يطيل الاختفاء، كانت تتعمّد التأخّر آملة أن تلقاه عند المصعد … في الوقت الذي كانت تعرف فيه أنه لو حدث، فستجد نفسها تقرّر استخدام الدرج صعوداً نحو الطابق السادس !
ذات ليلة، وفيما كانت سارحة ساهمة تحاول فهم ما يحدث، وتستمع إلى الموسيقى الآسرة التي صارت تنساب في وجدانها مؤخّراً، كتبت : « أيّها الغريب … شكراً لك، لقد أضفت سحراً وعبقاً وموسيقى إلى أيامي، وليست لديّ أيّ رغبة في المضي معك في أيّ نوعٍ من العلاقات المألوفة المعتادة المتوّقعة … يكفي أن ألمحكَ ليستعيدَ قلبي بعض الحياة … «
ونامت وهي تحلُم بمصادفته في اليوم التالي … نامت دون أن تعرف أنّه يحملُ الإحساس نفسه، ويمرّ بالأعراض نفسها، ولديه، تجاه ما يحدث، الموقفُ ذاته !