0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
previous arrow
next arrow

كيف انهارت مفاوضات الرهائن – الهدنة في غزة؟

وكالة الناس –في أواخر شهر يوليو تموز الماضي، اعتقد ثلاثة رجال يعملون بالسر ومكلفون بمهمة شبه مستحيلة أنهم على وشك تحقيق اختراق.

 

وصل رئيس المخابرات الأمريكية ورئيس المخابرات المصرية ورئيس وزراء قطر في يوم صيفي إلى فيلا خاصة مملوكة لقطر في العاصمة الإيطالية روما، مقتنعين بأن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس كان قريبًا للتحقق بشكل مثير.

 

لقد عمل المفاوضون بلا هوادة على دفع حماس واسرائيل وإقناعهما والضغط عليهما لقبول اتفاق من شأنه أن يضمن إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين وإنهاء الحرب بشكل دائم في الجيب الفلسطيني المحاصر.

 

كان الثلاثي يعرفون بعضهم البعض منذ سنوات، فمدير وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز هو دبلوماسي أمريكي مخضرم يخدم رابع رئيس أمريكي، وقد كلف من قبل جو بايدن بإنهاء حرب قسمت الحزب الديمقراطي وأثارت الاضطرابات في حرم الجامعات الأمريكية.

 

وقد ساعد الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، صاحب الصوت الهادئ، في ترسيخ مكانة دولة قطر الغنية بالغاز كوسيط في العديد من الأزمات، وكان اكثر الناس اهتماما لإنهاء حرب تجري في حديقة بلاده الخلفية.

 

كما كان هناك عباس كامل، الجنرال المصري الذي يعمل عادة من الظل، والذي كان صاحب الحافز الأكبر للعب دور صانع السلام: فقد كانت مصر تشك منذ فترة طويلة في أن نية إسرائيل في غزة تتمثل في إجبار مليوني فلسطيني هناك على عبور الحدود إلى بلاده.

 

كانت العلامات تبشر بالخير في هذا الاجتماع، فقد ابلغهم كبير المفاوضين في حماس إسماعيل هنية، الزعيم السياسي للجماعة الذي عاش في المنفى في الدوحة، في وقت سابق من ذلك الشهر، أن المسلحين الفلسطينيين على استعداد لتخفيف موقفهم تجاه أحد المطالب الرئيسية للجماعة، وإزالة حاجز كبير أمام التوصل إلى اتفاق.

 

كان هنية هو الوسيط مع يحيى السنوار، العقل المدبر لهجوم السابع من أكتوبر وأكثر الرجال المطلوبين لدى إسرائيل، وكان السنوار، الذي اختبأ في أنفاق غزة، يستخدم تقنية اتصالات معقدة، تؤدي إلى ان يستغرق الأمر من يوم أو يومين إلى أسبوعين لتمرير الرسائل ذهابًا وإيابًا بين الطرفين.

 

لكن اجتماع روما لم يسير كما هو مخطط له، فقد قدم كبير المفاوضين الإسرائيليين ديفيد برنياع، رئيس وكالة الاستخبارات الإسرائيلية الموساد، وثيقة “توضيحية”، كما يقول دبلوماسي مطلع على المحادثات، وسرعان ما تبدد أي تفاؤل، وأصبح المزاج “متوتراً للغاية”.

 

لقد قررت اسرائيل اتخاذ موقف متشدد، وأصبح شريط من الأرض على طول الحدود بين غزة ومصر هو العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق.

 

كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد تراجع عن التأكيدات التي قدمتها إسرائيل للوسطاء بأنها ستسحب قواتها من ممر فيلادلفي، وهو شريط يبلغ طوله 14 كيلومتراً ويمتد على طول الحدود التي تشترك فيها غزة مع مصر، وفقاً لمسؤول مشارك في المفاوضات.

 

يشمل ممر فيلادلفي، معبر رفح، وهو نقطة الخروج والدخول الوحيدة إلى الجيب الذي لم تسيطر عليه إسرائيل قبل الحرب.

 

تعمقت حالة اليأس بين الوسطاء بعد ثلاثة لايام، حيث تعرضت المحادثات لضربة أخرى تمثلت في اغتيال هنية في هجوم يعتقد ان اسرائيل تقف ورائه، وقتل في انفجار في دار الضيافة التي تديرها الدولة في طهران، بعد ساعات فقط من حضوره حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد.

 

كان مقتل المفاوض من حماس جزءاً من سلسلة من الأحداث التي من شأنها أن توسع الصراع، بدلاً من احتوائه، كما خطط الرجال الثلاثة.

 

اعتقدت الدول الغربية والعربية منذ البداية أن إبرام اتفاق لوقف الصراع في غزة هو السبيل الوحيد لمنع الحرب الشاملة في الشرق الأوسط.

 

بالنسبة لبعض المشاركين في الوساطة، كانت الأحداث في يوليو/تموز بمثابة علامات على ما كانوا يخشونه منذ فترة طويلة: لم يكن لدى نتنياهو أي نية للموافقة على وقف إطلاق النار، بل كان عازمًا على إفشال العملية، وتقويض برنياع من خلال طرح شروط جديدة مرارًا وتكرارًا.

 

يقول مسؤول مشارك في المفاوضات: “مع استمرار الجهود والعمل من قبل الوسطاء، في ظل هذه الظروف المعقدة والمعقدة… أصبح من الواضح أن نتنياهو يعمل بجد لتخريب هذه الجهود”.

 

وصلت المحادثات إلى طريق مسدود منذ اجتماع يوليو/تموز في روما، واقترب الشرق الأوسط أكثر فأكثر من الحرب الأوسع التي كان الوسطاء يأملون في تجنبها في الوقت الذي احيا فيه اسرائيل الذكرى القاتمة لهجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والذي قتل خلاله المسلحون 1200 شخص وأسروا 250 رهينة، كما لا تزال المفاوضات “بعيدة اليوم عن التوصل إلى اتفاق”، كما يقول المسؤول المشارك في المفاوضات، ويقول شخص آخر مطلع على الجهود الدبلوماسية: “لقد فقدنا جميعًا الأفق ولا نعرف إلى أين نتجه، وكأننا في البحر المفتوح دون رؤية الشاطئ”.

 

لا يزال المسؤولون الأميركيون يصرون على أنهم لن يستسلموا، بعد أسابيع من اجتماع يوليو، وقالوا الشهر الماضي إنهم سيبذلون دفعة أخيرة على أمل إحياء المحادثات.

 

وقال بايدن في حديثه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، : “الآن هو الوقت المناسب للأطراف لوضع اللمسات الأخيرة على شروطها، وإعادة الرهائن إلى ديارهم… وتخفيف المعاناة في غزة، وإنهاء هذه الحرب”.

 

بعد ثلاثة أيام من حديث بايدن، اغتالت إسرائيل حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، أحد ألد أعداء إسرائيل، وقد صرح دبلوماسيون غربيون وعرب بأن حزب الله لم يكن متورطاً أو على علم مسبق بالهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولكنه انضم إلى المسلحين الفلسطينيين في مهاجمة إسرائيل بعد أيام قليلة، فأطلق الصواريخ على شمال إسرائيل وأدى إلى تشريد ستين ألف إسرائيلي يعيشون عبر الحدود من لبنان.

 

وقد أكد نصر الله مراراً وتكراراً أنه لن يتخلى عن قتاله إلا عندما توافق إسرائيل على اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.

 

لقد أثار اغتيال نصر الله، الذي اعتبره المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، بمثابة ابنه، رد فعل إيراني قوي، فقد أطلقت إيران الأسبوع الماضي أكثر من 180 صاروخًا على إسرائيل ردًا على مقتل هنية ونصر الله، والآن تستعد المنطقة لرد نتنياهو.

 

كما صعدت إسرائيل في الايام الأخيرة هجومها ضد حزب الله، وغزت جنوب لبنان، بينما صرفت الانتباه عن غزة، حيث قتل الهجوم الإسرائيلي أكثر من 42 ألف شخص، وفقًا لمسؤولين فلسطينيين.

 

إن وقف إطلاق النار الذي ربما كان ليمنع تحول حرب غزة إلى صراع متعدد الجبهات لم يعد موضع اعتبار. لقد ألقت إسرائيل والولايات المتحدة اللوم على حماس في فشل محادثات وقف إطلاق النار، وأعربت قطر ومصر عن إحباطهما من نتنياهو، متهمتين إياه بإعاقة العملية الدبلوماسية وتزوير الحقائق لتضليل الرأي العام العالمي.

 

لقد كان السنوار، المختبئ في غزة، صارماً في المفاوضات، فقد غير مطالب حماس، وخاصة فيما يتصل بالأسرى الفلسطينيين الذين يتعين على إسرائيل إطلاق سراحهم في مقابل إطلاق سراح الرهائن، وكانت حماس تخشى أنه حتى لو توصلت إلى اتفاق، فقد يستأنف نتنياهو الحرب على أي حال.

 

ويقول دبلوماسيون إنه كان على استعداد للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بشروطه الخاصة، ولكنه كان على استعداد بنفس القدر للاحتفاظ بالرهائن في حوزته وحرمان إسرائيل من أي مظهر من مظاهر النصر في الحرب.

 

يقول مسؤول مصري “البطاقة الوحيدة التي تمتلكها حماس هي الرهائن. هذه هي بوليصة التأمين الخاصة بهم، ولن يتنازلوا عنها ما لم يحصلوا على شيء في المقابل. ولم تكن إسرائيل، منذ البداية، على استعداد لدفع الثمن السياسي لتحرير الرهائن”، مضيفًا “حماس يائسة… ولكن إذا لم يكن لديهم ضمان بنهاية الحرب… فلن يسلموا الرهائن”.

 

كان إقناع السنوار بالانخراط في المحادثات في المقام الأول صراعًا، ورفضت حماس الدخول في أي محادثات من دون الإعلان عن نهاية دائمة للحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة بعد أن طرح الوسطاء لأول مرة خطتهم المكونة من ثلاث مراحل لإنهاء الحرب وتحرير الرهائن في يناير/كانون الثاني.

 

وفي الوقت نفسه، أصر نتنياهو على السعي إلى تحقيق “نصر كامل” ضد حماس وأن إسرائيل لن توافق إلا على هدنة مؤقتة. وبحلول نهاية شهر مايو/أيار، سعى بايدن إلى ضخ الزخم في العملية من خلال تأييده علنًا للخطوط العريضة للاقتراح لتحقيق ما وصفه بـ “نهاية دائمة” للحرب، وقد تضمن ذلك وقفاً مبدئياً للأعمال العدائية لمدة ستة أسابيع، حيث ستفرج حماس خلاله عن النساء الأسيرات وكبار السن والجرحى في مقابل مئات السجناء الفلسطينيين، وتنسحب إسرائيل من جميع المناطق المأهولة بالسكان في غزة.

 

في هذه المرحلة، ستتفاوض الأطراف على الترتيبات اللازمة للوصول إلى المرحلة الثانية، والتي “تتمثل في إنهاء دائم للأعمال العدائية”، وإطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة، كما قال بايدن.

 

وقال بايدن ايضاً إن إسرائيل وافقت على الاقتراح، في حين حث حماس على القيام بالمثل، وعلى أساس هذا المخطط، اعتقد الوسطاء أنهم كانوا ليتمكنوا من التوصل إلى وقف لإطلاق النار، قبل اجتماع روما المشؤوم في يوليو/تموز.

 

وعلى الرغم من العقبات التي وضعت في طريق الاقتراح، فقد قرر بيرنز إعطاء الجهود فرصة أخرى. أجرى رئيس وكالة المخابرات المركزية والشيخ محمد وكامل محادثات مع برنيا في مكتب رئيس الوزراء القطري في الدوحة في أغسطس/آب، ثم التقى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بنتنياهو في تل أبيب وقال إنه أيد اقتراح الوسطاء لسد الفجوات بين الأطراف المتحاربة.

 

في هذا السيناريو، لن تغادر إسرائيل ممر فيلادلفي بشكل كامل، بل ستحتفظ بوجود “مخفض” هناك.

 

ولكن هذه الجهود لم تؤكد إلا مدى رسوخ الانقسام. ففي غضون ساعات من مغادرة بلينكن إسرائيل، زاد نتنياهو من تشدد موقفه، مؤكداً أنه غير مستعد للانسحاب من الشريط الحدودي “في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية”.

 

ويقول أحد كبار المسؤولين الغربيين السابقين: “لقد حرك نتنياهو أعمدة المرمى، وتحركت السياسة الأميركية معها. لقد كان الأمر محرجاً للغاية”.

 

أعربت مصر وقطر منذ بداية الصيف الحالي بشكل متزايد عن إحباطهما من نتنياهو علنًا.

 

ومع ذلك، يشتبه بعض المسؤولين الأميركيين في أن نتنياهو اتخذ قرارًا بالانتظار حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية قبل التفكير في اتفاق وقف إطلاق النار.

 

ويعتقد البعض أن رئيس الوزراء الاسرائيلي يراهن على فوز دونالد ترامب، معتقدين أن الرئيس السابق، الذي قلب عقودًا من السياسة الأميركية لمنح نتنياهو عددًا من الانتصارات خلال فترة ولايته، من شأنه أن يناسب مصالحه بشكل أفضل.

 

يقول السناتور الديمقراطي كريس مورفي، عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ “التوصل إلى حل في الفترة من الآن وحتى الانتخابات يبدو امراً مليئاً بالتحدي. أعتقد أن بنيامين نتنياهو يريد فوز ترامب، وأعتقد أن هناك اعتبارات سياسية محتملة يقوم بها نتنياهو عندما يتعلق الأمر بما إذا كان يوافق على وقف إطلاق النار أم لا”.

 

ويقول جال هيرش، منسق نتنياهو لشؤون الرهائن، إن إلقاء اللوم على رئيس الوزراء كان “رواية كاذبة تترك اثرها بشكل احترافي للأسف داخل المجتمع الإسرائيلي وفي بعض الحالات في جميع أنحاء العالم” مضيفًا “عندما يقول الناس: لا يوجد ما يكفي من المساحة للمناورة، ولا يوجد ما يكفي من التفويض [لبارنيا]، فإنني لا أوافق على ذلك”.

 

ولكن حتى برنياع ووزير الدفاع يوآف جالانت وأعضاء آخرون في فريق التفاوض الإسرائيلي ألقوا باللوم على نتنياهو في تأخر العملية بعد اجتماع يوليو/تموز، كما يقول أشخاص مطلعون على موقفهم.

 

وقد زعموا أن من مصلحة إسرائيل الموافقة على الصفقة، حيث استنفدت القدرة العسكرية لحماس بشدة ومع تضييق نافذة إنقاذ الرهائن المتبقين.

 

لا يزال هناك أكثر من 100 محتجز في غزة، لكن يُعتقد أن العديد منهم ماتوا.

 

وقال جالانت للصحفيين الشهر الماضي: “إن التوصل إلى اتفاق هو أيضًا فرصة استراتيجية تمنحنا فرصة كبيرة لتغيير الوضع الأمني ​​على جميع الجبهات”.

 

ويتهم منتقدو نتنياهو بوضع بقائه السياسي قبل الرهائن، مشيرين إلى اعتماده على حلفائه من اليمين المتطرف الذين هددوا بالإطاحة بالحكومة إذا وقع على صفقة يصفونها بأنها “متهورة”.

 

ولكن رئيس الوزراء الاسرائيلي اصر على أنه لن “يستسلم” للضغوط بعد أن أعدمت حماس بوحشية ستة رهائن الشهر الماضي، مما أثار أكبر احتجاجات في إسرائيل منذ بداية الحرب شارك فيها مئات الآلاف من الناس الذين حثوا نتنياهو على التوصل إلى اتفاق.

 

وقال نتنياهو بعد الاحتجاجات “في الوقت الذي فيه نضع حذائنا فوق جمجمة حماس، تطلبون منا تقديم تنازلات؟” مضيفًا “عندما تفهم حماس أننا لا ننهي الحرب، فسوف تستسلم”.

 

ويقول المسؤولون الأمريكيون إن السنوار شدد موقفه بشأن إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين، ربما لعلمه أنه لن يكون هناك اتفاق.

 

ويقول آرون ديفيد ميلر، المسؤول السابق بوزارة الخارجية والذي يعمل الآن في مؤسسة كارنيغي، موضحًا سبب عدم ممارسة واشنطن المزيد من الضغوط على إسرائيل إن إدارة بايدن “راهنت بكل شيء على وقف إطلاق النار في غزة، ولكن للقيام بذلك لا يمكنك خوض حرب مع نتنياهو”.

 

ويقول ميلر: “لقد كنت موجودًا في المفاوضات العربية الإسرائيلية لفترة طويلة. إنها تعمل عندما يكون صانعا القرار الرئيسيان في عجلة من أمرهما، حيث توجد حالة من الاستعجال… وهنا لا توجد حالة من الاستعجال.. يفضل السنوار ونتنياهو عدم التوصل إلى اتفاق” مضيفًا “الطرف الوحيد الذي في عجلة من أمره هو إدارة بايدن وساعتهم ليست متزامنة مع ساعتي السنوار ونتنياهو ونتيجة لذلك تحصل على ما تراه الآن”.