شومان تعرض فيلم “في انتظار السعادة” للمخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو الثلاثاء
وكالة الناس – تعرض لجنة السينما في مؤسسة عبد الحميد شومان يوم غد الثلاثاء، الفيلم الموريتاني الفرنسي “في انتظار السعادة” للمخرج عبد الرحمن سيساكو، وذلك في تمام الساعة السادسة والنصف مساء بمقر المؤسسة بجبل عمّان.
يستعيد المخرج عبد الرحمن سيساكو في فيلمه “في انتظار السعادة” ذات الأجواء التي صورها في فيلمه الأسبق “العيش في الأرض”، حيث يرسم لوحة انطباعية من عدة مشاهد عن الحياة في قرية أفريقية تكمن على حافة البحر في موريتانيا، ويصور حياة القاطنين فيها من بشر يبدون مجرد عابرين، ومنهم عبد الله، الشاب الذي يعيش مع أمه ولا يفعل أي شيء بانتظار الهجرة إلى أوروبا.
في ” العيش في الأرض ” يجعل المخرج الراديو وسيلة الاتصال الوحيدة مع العالم الخارجي. وفي المشهد الأول من فيلم “في انتظار السعادة”، يقوم رجل بحفر حفرة في الرمال ويدفن فيها جهاز الراديو بعد ان يلفه في كيس قماش. وفي المشهد اللاحق نراه يسير وسط الصحراء ليلتقي رجلا آخر معه غلام يتساءلان أين اختفى الراديو ويبحث الغلام عن جهاز الراديو تحت الرمال قرب نبتة صحراوية. قبل ذلك يبدأ الفيلم بلقطة لكومة قش تذروها الرياح قرب منزل وحيد على الشاطئ، هكذا يؤكد المخرج منذ البدء على عزلة هذه القرية وانقطاع سكانها عن العالم الخارجي.
لا يروي الفيلم أية قصة، بل يصور مشاهد متفرقة بذات الأسلوبية الوثائقية/ الروائية والجماليات التشكيلية واللونية الانطباعية، مشاهد لا يجمع بينها سوى أنها تحدث في نفس المكان وذات الفترة وتعبر بمجملها عن فراغ الحياة وعن الزمن الضائع. من هذه المشاهد مشهد يتكرر يبدو فيه عبد الله جالسا في غرفته على الأرض أو مستلقيا فوق فرشة من دون سرير يراقب من خلال نافذة صغيرة أسفل الجدار أقدام العابرين من اليسار إلى اليمين أو العكس. ومن هذه النافذة سيطل عليه رأس الغلام يعلمه نطق كلمات بالعربية.
نتعرف في الفيلم على اثنين من سكان القرية يلتقط لهما المصور الفوتوغرافي صورا تذكارية على خلفية رسمة مناطق سياحية أوروبية. وفي وقت لاحق سيعثر رجال الشرطة على جثة أحدهما ملقاة قرب الشاطئ والصورة مخبأة في جيبه. وفي مشهد آخر يحذر العجوز “ماكان” الصبي من اللعب على سطح المنزل، وكأن لا مكان للعب فوق كل هذه الأرض المنبسطة، خوفا عليه من السقوط نحو الأرض. وسنراقب الصبي وهو يساعد العجوز “ماكان” على مد أسلاك كهربائية داخل أحد المنازل لتركيب “لمبة” ولكنه لا يفلح في جعل الـ “لمبة” تضيء فيستبدلها بأخرى، ولكن دون جدوى. ولاحقا سنراه في مشهد تجريدي يسير في عتمة الصحراء يجر خلفه في البرية وبرفقته الغلام؛ اللمبة المضاءة الموصولة بسلك كهربائي شديد الطول. أما الغلام فسنراه يتخيل في نومه اللمبة المضاءة وسط الغرفة وقد تضاعفت عشرات المرات. في مشهد آخر نرى امرأة تعزف على آلة وترية شعبية وتعلم صبية صغيرة الغناء وصوتها يبدأ طبيعيا ثم يصبح مبحوحا. كما نراقب طبيبا يستلقي متعبا بعد فراغ العيادة من المرضى. ونلتقي في الفيلم مع رجل صيني يبيع الساعات في حقيبة صغيرة ويتصادق مع زنجية يغني لها بعض الأغاني الصينية. في أواخر الفيلم يحزم عبد الله حقيبته مستعدا للسفر ونراه يحاول صعود كثبانا رملية فيعجز ويقف وسط الرمال حائرا فيعبر آخر يشعل له لفافة التبغ ثم يمضي في طريقه وسط الفراغ الرملي تاركا عبد الله وحيدا. وفي المشهد النهائي نرى القطار يستعد للانطلاق ويكتشف الحارس الغلام مختبئا داخله فيلقي به إلى الخارج. وثمة مشاهد متنوعة للحياة اليومية في القرية وشخصيات أخرى منها جارة عبد الله التي تستقبل الرجال بكل طيبة. كما تتكرر مشاهد الزوارق والسفن الصغيرة الراسية على مقربة من شاطئ البحر الممتد بعيدا نحو الأفق.
تشكل هذه المشاهد المتنوعة بنية سردية مربكة لمن يبحث عن الحكاية داخل الفيلم، ولكنها بالمقابل، تخلق مزاجا عاما وحالة شعورية، تقترب في نتيجتها النهائية من البنية الشعرية التي قد تكون صورها متناثرة ومبهمة بحد ذاتها، ولكنها تؤثر في نفوس المتلقين وتضعهم تحت سيطرة انفعالات عميقة الغور، وتجعلهم يستخلصون المغزى العام والدلالات الواضحة من التفاصيل التي قد لا تتضح دلالتها لحظة مشاهدتها، التفاصيل الواقعية ولكن التي تحتوي في داخلها قدرا كبيرا من لا معقولية الواقع. وهذا أمر لا يمكن التوصل إليه إلا عبر الموهبة الحقيقية والنظر المتمعن بعمق في أحوال الحياة