0020
0020
previous arrow
next arrow

حكومة حسان.. عندما يكون الميدان مؤشرا لاختبار الجدية

وكالة الناس -يمثل الإنجاز تحديا أمام أي حكومة جديدة، وهو أيضا مقياس المفاضلة بينها، لذلك تسارع أي حكومة جديدة إلى الإعلان عن خطوات تنفيذية، ربما تتشابه مع غيرها من حكومات سابقة، لكن يظل الرهان لدى فريقها على قياس التغيير الحقيقي في أي ملف، لا مجرد عرض يسهب بـ”سرد الإنجازات” فقط. 

حكومة د. جعفر حسان التي صدرت الإرادة الملكية بتشكيلها في الثامن عشر من أيلول (سبتمبر) الماضي، التي لم يمض عليها سوى أسبوعين تقريبا، تدرك حقيقة هذا التحدي، وتعلم حجم الأعباء في الملفات العابرة للحكومات، أكانت اقتصادية أو سياسية أو خدمية، لكنها وحسب ما أعلنته وبدأت به، تحديدا من رئيس الوزراء شخصيا، كأنها تعلن بأنها لن تتوارى خلف إنجازات صورية، وتسعى نحو خوض غمار الاختبار العملي المرهون بالإنجازات الواقعية، فهل يكون النجاح حليفها؟

استهلت الحكومة الجديدة باكورة عملها الذي أعلنته في الرد على كتاب التكليف السامي، بخلوة ثم زيارات ميدانية، شرع بها الرئيس شخصيا في مناطق ومحافظات مختلفة، شملت مدارس ومصانع أغذية ومستشفيات ومراكز صحية ومشاريع مائية وزراعية، ولقاء المواطنين ليسمع منهم ويحاورهم، مقتديا بنهج دأب جلالة الملك على تطبيقه، فلماذا هذا السلوك وهذه الإجراءات التنفيذية؟ وما الهدف أو الأهداف من ورائها؟ أم أنها تندرج في إطار حملات العلاقات العامة التي مارستها حكومات سابقة؟

من يقرأ ولو قليلا في علم الإدارة أيا كان مستواها أو مجالها، يعلم تماما بأن أي مشروع أو خطة تعلنها الإدارات، ومنها الحكومة الحالية، أنها بصدد تنفيذها، تحتاج بالضرورة للبدء بمرحلة تشخيص الواقع لمعرفة عناصر القوة والضعف ومصادر التهديد والفرص التي ستتوافر لها، وهنا يندرج ما ينفذه رئيس الوزراء من زيارات ميدانية تحت هذا الباب، وهو يعلم أن من سبقه من إدارات (حكومات) قامت بهذه المرحلة وربما على نحو أفضل، لكن التسليم بالمخرجات السابقة، ربما يحتاج لبعض التحديث، فقد تغيرت الامور.

لأجل ذلك، يطلق رئيس الوزراء اشارات مهمة عبر تنفيذ هذه الزيارات، والتي تشي بوجود إدراك لطبيعة المؤشرات التي ستقيس الحكومة عليها لاحقا مستوى الإنجاز، وأولها يتمثل باختيار الرئيس لمواقع الزيارات التي تؤكد على ارتباطها المباشر بملفات لها علاقة بغذاء وصحة وتعليم المواطنين، والتي تعتبر محطات مهمة على صعيد قياس التغيير الذي سيتحقق.

ولعل ما يؤكد دقة هذا الفهم لدى الرئيس، التصريحات التي يطلقها في كل زيارة تفقدية، ففي المفرق أكد حسان أهمية “دعم الحكومة لهذه المشاريع التي تفقدها، واتخاذ ما يلزم لضمان استدامتها وتوسيعها وتطوير قدرات العاملين فيها”.

لكن أبرز وأقوى رسالة أراد الرئيس الجديد أن يبعثها، موجهة إلى فريقه الوزاري المطالب قبل غيره، بالنزول للميدان لتشخيص واقع الملفات، لا انتظار التقارير الميدانية التي ربما تكون ضعيفة وغير دقيقة، ما ينتج مع اعتمادها خطأ أو أخطاء في التنفيذ، ليسجل كـ”نقطة سوداء” في صفحة الوزير أو المسؤول؛ ومن ثم الحكومة، فلا مجال للخطأ أو التردد هنا.

بموازاة ذلك، يدرك المراقبون والمتابعون للعمل الحكومي، بأن الزيارات الميدانية جاءت كأحد مخرجات الخلوة الوزارية الحكومية التي ضمت الوزراء والأمناء العامين للوزارات بدار رئاسة الوزراء مؤخرا، ما يؤكد أن الحكومة الجديدة، تعمل وفق أصول وخطط تنفيذية متبعة في الإدارة.

فالخلوة وقد حملت عنوان “رؤية التحديث الاقتصادي.. ليتواصل الإنجاز”، كان الهدف منها تنظيم عمل الوزارات والمؤسسات الحكومية، ضمن منظومة تقيس الأداء وتقيم المخرجات المرتبطة ببرامج الحكومة، في إطار رؤية التحديث الاقتصادي وخريطة طريق تحديث القطاع العام وكتاب التكليف السامي، أي أن العمل الحكومي، تحكمه خطة عمل ومؤشرات قياس يجب أن تكون واضحة.

والخلوات الحكومية، بحسب الخبراء، سمة حكومية بدأت منذ بداية عهد جلالة الملك عبدالله الثاني لتنسيق المواقف بين الطاقم الحكومي الجديد، ووضع الأطر للسياسة الموحدة والتنسيق بين الوزارات، والعمل الجمعي بين مؤسسات الدولة، فضلا عن تحقيق الترابط للبرامج والمشاريع المنوي تنفيذها والتي تحتاج الى رقابة.

غير أن الحكومة الحالية، وحتى تكون مختلفة عن غيرها من الحكومات السابقة التي عملت ونجحت وفشلت، تظل رهينة تنفيذ مخرجات ذات أثر واضح على حياة الناس في القطاعات كافة، وهي التي أطلق رئيسها “وعدا بدعم” فريقه، لكنه طلب من كل “من لا توجد لديه قناعة ببرامج الرؤية ومشاريعها، ألا يكون من ضمن فريقها التنفيذي”.

قادم الأيام، سيكشف مدى جدية والتزام الحكومة التي تعمل وفق خطوات وخطط مدروسة.. فالتحدي مستمر والطريق متعرج، لكن النهاية حافلة؛ إما بالإنجاز المحتفى به أم بالانتقاد أو الإحباط الذي سيتكرس.. وها نحن ننتظر ونرى.الغد