فيتامين واو القاتل
أحيانا، لا بل غالبا، ما تعبر النكات عن واقع معيش بطريقة فنية ذكية ، مثل من يرش سكّرا على الموت . وقد أدرك أجدادنا الأوائل من الساخرين هذه المقولة،واستخدموا النكتة في ممارسة النقد ، وايصال صوت الناس الى ولاة الأمر. النكتة ليست مجرد وسيلة للإضحاك، بل طريقة لقول الحقيقة.
تقول النكتة الأردنية الحديثة، بأن سائقا أردنيا لديه واسطة قوية حصل معه حادث سير مع سائق أردني آخر لديه واسطة قوية ، وبعد أخد الكروكا..طلع الحق على شرطي السير!!
لا تضحكوا يا سادة يا كرام ، هذا هو ما يحصل تماما وليس لماما. طبعا أنا لا اتحدث عن شرطي السير ، لكن النكتة أوصلت لنا الفكرة الأساس ، وهي أن الواسطة هي الأساس . ويا ليت الأمر بقي هكذا..مجرد امتياز لذوي الواسطات في التعيين وفي بعض اولويات الدوائر الحكومية ، لكنه للآسف امتد الى نسيجنا– الأصح نشيجنا- الاجتماعي، ليعبث به كما يعبث الهايبكس والكلور بالملابس الجميلة، ويحولها الى مرتع للبقع والرقع التافهة ، تضطر بعدها الى تحويل القميص او البلوزة الى مريول مطبخ، أو مجرد ممسحة.
صحيح أننا نعبر عن الواسطة بتعبير جميل وضاحك (فيتامين واو) لكنه فيتامين قاتل في نتائجه النهائية ، وأعتقد أن أقل الدراسات موضوعية حول العنف الجامعي لم تستطع تجاهل دور الواسطة في إدخال الكثير من غير المستحقين الى الحرم الجامعي ، من الذين لا يمتلكون أدنى أشكال الثقافة المجتمعية التي تؤهلهم للتعامل مع الاخرين بندية واحترام.
لنكن صريحين مع أنفسنا: الواسطة عندنا شملت جميع السلطات ، وقسمت الناس الى فئتين ..فئة اصحاب الواسطات، وفئة اصحاب البسطات…. والصراع حاليا يدور بين اصحاب الواسطات الكبرى، الذين يعتبرون انفسهم أعلى من القانون ، لذلك يتنافسون ويتصارعون ويتقاتلون ويدمرون ، ثم تحل الأمور بالواسطة اذا لم تحل على ارض المعركة ، سواء أكانت ارض المعركة، حرم الجامعة أم حرم الدائرة الحكومية أم حرم الوطن بأكمله.
ghishan@gmail.com