عاجل

د. العجلوني يكتب .. إما التخلف الإجتماعي أو أن المرأة نفسها من يرفض التمكين

كتب . د. يوسف العجلوني 

النساء في كل العالم تتعرض لأنواع من الاضطهاد والعنف والتهميش، ولا تُعطى الحقوق الكاملة، وخاصة في المنطقة العربية، وهناك أنواع منتشرة من العنف، مختلفة الشدة، تتكرر يومياً، معروفة أو غير معروفة، والمصيبة عندما تُعتبر مقبولة في بعض المجتمعات وتراها المرأة نفسها أمراً طبيعياً، وممكن أن تقتنع أنها نوع من الخوف عليها، أو الاهتمام بها، لأنها فقدت القدرة على التمييز بين ما يفيدها ولصالحها وبين ما هو ضدها ويضرها ويلغي وجودها وإنسانيتها.

اضطهاد النساء هو أول اضطهاد عرفه التاريخ، والمرأة عانت أشكالاً عديدة من الظلم بسبب الرجل والمجتمع. وتختلف التحدّيات التي تواجه المرأة بين مجتمع وآخر، وقد تصل في بعض الثقافات المتشدّدة إلى مستويات تهديد حياتها.

الرجل من مصلحته الذكورية إبقاء السيطرة على المرأة، واختصار دورها وحقوقها، وتكون تابعة له حيث يشاء، ويتحكم في مالها ولباسها ودراستها وطبيعة عملها وعلاقاتها، ويضع لها قيوداُ دينية واجتماعية من الصعب عليها أن تتخطاها، وهذا نوع قاسٍ من الاضطهاد، لذلك يجب ان يكون هناك تثقيف مجتمعي، وقانون يحميها مما هو ضدها أو ينتقص من حقوقها ودورها وأهميتها.

المرأة هي الأم والأخت والزوجة والبنت، فلا يجوز اضطهادها جسدياً أو معنوياً، ولا يجوز أن تنعت بأي كلمه متخلفة ممكن أن تمس شعورها وكيانها، وخاصة من أقرب الناس لها، ويبدأ التبرير الفارغ بحجة العيب ونظرة المجتمع والعادات والتقاليد.

اضطهاد المرأة ظاهرة تمتد جذورها الفاسدة الى بدء الخلق، ويتوارثها بنو البشر جيلا” بعد جيل، أساسها التسلط والتقليل من قدراتها وقوتها ورغباتها، وتحطيم آمالها وطموحاتها الواسعة، حتى يتم استغلالها بشتى الطرق، ومن هنا يأتي التفكير والتعنت بإبقائها في دائرة التخلف والجهل والانطواء، فتكون إنسانة مجردة من كافة حقوقها التي شرعتها كافة الديانات.

لازالت المرأة تتعرض للعنف الأسري، وجرائم الشرف، حيث تُقتل بعض النساء لأسباب قد لا تتعدى إجراء مكالمة هاتفية، أو لقاء بريء مع صديق في مكان عام. زواج القاصرات مصيبة اجتماعية ونفسية: حيث يتم تزويج المرأة قبل سن الثامنة عشر، وهذا النوع منتشر في كثير من دول العالم النامية، لأسباب تتعلق بالفقر والخوف مما قد تتعرض له الانثى في مجتمع مستعد للكشف عن انيابه امام كل ما هو جميل.

هناك ممارسات كثيرة تقلل من وجود المرأة وأهميتها؛ فمثلاً لا يُذكر اسم البنت في بطاقة دعوة الزواج، والطلاق القسري لأتفه الأسباب، وعندما يكون الرجل وحده صاحب القرار، وتعريف الأدب أن تبقى المرأة غبية خانعة مستسلمة، “إلها ثم يأكل وما إلها ثم يحكي”، وسلب حقوقها في الرأي والراتب، والاستهانة بمشاعرها، وتحطيم رغباتها في المستقبل والتعليم والسفر، وإجبارها على الزواج ممن ليس لها الرغبة فيه، أو ممن ليس كفواً لها، أو تزوبجها لشخص متخلف أحمق، يقلب حياتها جحيماً ويهددها بما يزعجها أو تكون صاغرة له.

المرأة أحياناً تقوم بعبء يتعدى قدرتها وأنوثتها، وقد تعمل في أماكن غير مناسبة إنسانياً، وفي وظائف متدنّية الأجر، وتفتقر للاستقرار والأمان الوظيفي، مما يجعلها تعاني من قلة المال، ومعرّضة لانقطاع العمل والبطالة، وذلك يعيق قدرتها الاجتماعية، ويمنع استقلالها، ويؤثر على مستوى تقدمها ورفاهيتها، ويمس كرامتها وحقوقها، ويمكن أن ينهي فرصتها في التمكين.

بعض الأشخاص يحرصون على الزواج من إمرأة عاملة، والهدف استغلالها وابتزازها مادياً وسلب حقوقها واستغلال طبيعتها الإنسانية، ويتم حرمانها من أبسط الأمور، وعند الحديث أو المقارنة يتعمد بعض الرجال إلى التقليل من أهمية عملها، وحجم مشاركتها في تكوين الأسرة، ويمكن أن تُتهم المرأة بالتمرد لكونها متعلمة وتعمل، وبعضهم يدعي أنها لو بقيت جاهلة ولا تعمل لكان الوضع أفضل.

عمل المرأة في هذه الأيام أصبح ضرورة اقتصادية، غيرت الكثير من المفاهيم الاجتماعية. وكون المرأة تقضي وقتها خارج المنزل، وتؤدي واجباتها المنزلية، لذلك يجب على الزوج والأسرة مساندتها ودعمها، لأن نفسية المرأة لا ترضى إلا بإتقان الدور كاملا ًبكل ما تقوم به.

تمكين المرأة لا يعني تسلط المرأة، ولا تعديها على حقوق الرجل ولا أخذ دوره، ولا الاستقواء عليه والقيام بأعماله، ولا يعني تنسلها من واجباتها وأمومتها، ولا الخروج عن العادات والتقاليد، ولا يعني التأثير السلبي على الأسرة وتكوينها واستقرارها.

المساواة بين الرجل والمرأة تعني المساواة في الحقوق والمسؤوليات والفرص، بحيث لا تتأثر حقوق المرأة ومسؤولياتها وفرصها كونها إمرأة. والمساواة بين الجنسين تعني ضمناً أن مصالح واحتياجات وأولويات كل من النساء والرجال تؤخذ بعين الإعتبار. وتكافؤ الفرص يعني المساواة في الحصول على الفرص والنفاذ إلى المشاركة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وعدم مواجهة العوائق على أساس الجنس.

تمكين المرأة هو تغيير شامل لجميع النواحي التي تؤدي إلى رفع مكانة المرأة، وعتقها من كل ما يحكم عليها بالعبودية، وإعطائها كامل الحقوق للحفاظ على هويتها الإنسانية، واستقلاليتها في العمل والمال والحق السياسي، لتمكينها من وضع جدول أعمالها وأهدافها بنفسها، وزيادة قدرتها على السيطرة على حياتها وقرارها؛ فيكون لها مشاركة في سوق العمل، وفي المواقع القيادية، وفي البرلمان، ويكون لها فرصة في تقلد المناصب العامة.

مجالات تمكين المرأة مختلفة، وتبدأ من التمكين الاقتصادي، الذي يعطيها القدرة على السيطرة على موارد الأسرة ومصدر دخلها، وحقها في فرص عمل متكافئة مع الرجال. والتمكين الاجتماعي الثقافي: الذي يُتيح لها المشاركة الاجتماعية بشكل عام، ويعطيها الحق في التعليم، وحرية الحركة والسفر. والتمكين النفسي: الذي يزيد الوعي، والذي يُحقّق لها الراحة النفسية واحترامها لذاتها، ويعزز كفاءتها الذاتية وثقتها بنفسها. والتمكين القانوني: الذي يجعلها تعرف حقوقها القانونية، وكيف تدافع عن نفسها. والتمكين السياسي: الذي يُتيح لها الحق في التصويت، ودخولها في المناصب النقابية والنيابية والسياسية، وتمثيل الدولة محلياً ودوليّاً.

تمكين المرأة لا يتم بشكل فعال إلا إذا تظافرت وتعاضدت وتكافلت الجهود من ثلاثة عناصر: المجتمع والدولة والمرأة نفسها، حينها تكون الطريق سالكة بسهولة، وتصبح مقومات النجاح حقيقة، ويكون التغيير إلى الأفضل ويستمر، وتعم الفائدة.

التمكين يبدأ من التثقيف وسن القوانين وتعديل الدستور في الأمور التي تخص المرأة لتكون حماية لها، وتعطيها الحق في الاستقلالية المالية الكاملة أولاً، والتي تفتح لها الطريق لتسير بسهولة في المجالات التي تلبي شعورها ووجودها وقرارها، ولا بد من متابعة تطبيق هذه القوانين على الواقع، وحمايتها من العقول المتحجرة والمجتمع والعادات الظالمة.

ليتم تمكين المرأة؛ يجب تثقيف المجتمع، ابتداءً من التربية المنزلية، إلى التعليم في المدارس والجامعات، ومن خلال البرامج الإعلامية، وفي الجلسات العامة، ووسائل التواصل الاجتماعي؛ بحيث يُشار إلى قدرات المرأة واحترام دورها ووجودها والإحسان إليها ومعاملتها بما يليق بها، ورعاية إحساسها ونقائها ووفائها ورقتها وشعورها المرهف، وعدم استضعافها، أو استغلالها بأي طريقة كانت.

المرأة من حقها الدخول في كل المؤسسات التعليمية والمجتمعية بشكل فاعل، وعليها أن تثبت دورها وحضورها بقوة العقل والتنوع الفكري، دون إعطاء من لا يعجبه ذلك أي اهتمام أو أهمية، وتبقى سيدة وذات رأي وقرار في محيطها الأسري والعائلي والمجتمعي.

السؤال هنا، هل للمرأة نفسها دور فيما وصلت إليه حالها وأمورها في بعض المجتمعات؟ لا شك أنها هي من وضعت نفسها في واقع الظلم، بسبب الحاجة، أو لضعف ثقافتها، أو بسبب ضغوطات الأهل والمجتمع، أو لخوفها من الدفاع عن نفسها، أو لأنها لا تملكك الإرادة وتستسهل او تستسيغ حياة التبعية، وتعودت القلة والمعاناة والهوان.

نعم، المرأة يقع عليها جزء من المسؤولية فيما يقع عليها من ظلم وتقليل من قيمتها، واستغلال وتحقير، بعض النساء لا تثور لكرامتها، ولا تدافع عن مواقفها وحقوقها ووجودها، وترضى بالقليل، ويقتصر دورها على البيت والإنجاب وتربية الأطفال، وتعمل لتساعد في دخل العائلة، دون الحصول على أي من حقوق المرأة العاملة، ولا حوافز ولا احترام لما تقوم به، وإذا فكرت بالاعتراض أو رفعت صوتها، فإنها تتعرض للقهر والمعاناة والظلم حتى من أقرب النساء إلبها.

لا بد أن تدخل المرأة مجالات العمل التي تراعي أنوثتها وقدراتها الجسدية، ويجب أن ترفض ما يؤثر على شخصيتها وكفائتها وإنجازها، ويجب أن تركّز على جميع النواحي لتصبح أقوى بوضوح، وتتمكن من كافة حقوقها المادية والاجتماعية والإنسانية.

العمل للمرأة كيان، ويرفد العائلة والمجتمع بقوة موازية للرجل وأكثر في بعض المجالات التي تتميز بها، لذلك يجب خلق بيئة عمل مناسبة لها، وتأمين راحتها، بتوفير التسهيلات التي تخدم شخصيتها وكيانها كسيدة، ويجب إيجاد الأماكن الآمنة المتاحة في جميع المواقع والتي تستطيع ان تُؤمّن فيه أولادها دون الاعتماد على الآخرين.

المرأة القوية التي تريد التمكين تكون صاحبة فكر وشخصية قيادية، يهمها حقوقها، تؤمن بالمساواة مهما بلغت مكانتها الاجتماعية أو التعليمية، مغرورة أحياناً، ومتواضعة أحياناً أخرى، ترفض الضعف مهما بدا مريحاً، وتؤمن وتصر على الحياة الكريمة والبيئة الآمنة التي تحترم كل ما يحقق شعورها ومستقبلها واستقلاليتها ونجاحها، بعيداً عن الذل والاضطهاد.

المرأة التي تريد أن تتمكن هي السيدة ذات الأفكار المتفتحة والملتزمة بالأخلاق، لا تصدق كل ما يقال، ليس من طبعها الخداع ولا الحقد، قادرة على اتخاذ القرارات الحاسمة والحازمة في وقتها، حديثها عذب ومقنع وضمن الأصول، ويجعل الآخرين يستمعون إليه، دورها فاعل في العمل والإنجاز، ناجحة ووجودها ظاهر، لا يضرها شيء ما دامت على حق، الاستسلام ليس طريقها، وتدافع عن نفسها، وتأخذ حقها دون زيادة أو نقصان، تقف ضد كل أنواع التمييز والظلم، وتسعى إلى مستوى أعلى من الثقافة والعلم، وتعيد تقييم المواقف والأحداث، وتستفيد من الخبرة والأخطاء والماضي، ولا تتردد في الإعتذار عندما تخطئ، ولا تسمح لأي شخص أن يتصرف بسوء، تجابه وتتحدى إذا وجب الأمر، ودائماً عندها القدرة على توضيح الأمور بصدق دون خوف، ولا يهمها تبرير ما ليس له داعٍ لتقنع أناساً ليس من حقهم أن يفهموا ما في نفسها أو ما أصاب شعورها أو مقامها أو كيانها.

المرأة القوية تنشأ في البيوت المثقفة الراقية، التي تحترم دور المرأة، وتعطيها الفرصة لإكمال تعليمها الجامعي، ولا يتم تزويجها إلا برضاها ولمن هو كفؤ لها، وإعطاءها حق العمل بأنواعه والتنقل والسفر، وهذا النوع من النساء هن من يُنشِئن ويخرجن الأجيال المتعلمة القوية التي تبني المجتمعات والأوطان.

المرأة نفسها هي من يجب عليها اتخاذ القرار والتمييز بين ما هو مقبول وما هو مرفوض، وما يناسبها، وهي من يجب عليه أن يحدّد النقاط التي لصالحها والتي ضدها، وهي من يجب عليها إزالة القيود المجتمعية التي لا داعي لها ضمن المنطق والأصول واحترام الآخرين.

المرأة مكانها وكيانها سيدة مجتمع وأم الرجال، ومربية الأجيال، هي التي تهز السرير بيسارها والعالم بيمينها؛ فهي الذكية القوية الواثقة من نفسها، المحنكة لحل المشكلات التي قد تظهر في كل حين، المعتدلة في التصرف، الوفية، عندها الجرأة والشجاعة للدفاع عن نفسها في كل الأوقات والمواقف، تضع حدود منطقية للتعامل مع أنواع الناس، وتجعلهم يحترمون رأيها، وتحصل على احتياجاتها، ولا تتنازل عن مساحتها الشخصية في التصرف والقرار، قادرة على العيش والاستمتاع بكل الظروف، وحتى لو بقيت وحدها، ولا يهمها العديد من الأصدقاء ولا وجود العلاقات الكثيرة التي تعكر جوها وصحتها، وتهتم برعاية نفسها، وتحب ذاتها دون أنانية أو غرور، ولا تحتاج لأي إنسان لتعيش باكتفاء وكرامة.

د. يوسف العجلوني