عبد العليم الجاسم … شاعر رحال أم رحال شاعر؟
وكالة الناس – هند السليم
شأنه شأن كثير من المبدعين السوريين الذين لم يحظوا بفرصة الظهور، أو لم تتح لهم ظروفهم الحياتية أن ينشروا نتاجهم الإبداعي ليكون مقروءًا من جانب جمهور الأدب والثقافة، هو شاعر وناقد سوري مقيم في السعودية ومتنقل بين أرجائها، عضو في منتدى البيت العربي الثقافي في عمان وأقيم له عدة فعاليات ونشاطات، حصد عدة جوائز وشارك بعدة مهرجانات في الأردن والسعودية وتركيا وغيرها..
له ديوان بعنوان (وجهٌ لعملتين) صدر عام 2022 وتم إشهاره في الأردن، ومخطوط نقدي بعنوان (سيمياء اللفظ والمعنى) …. أنه الشاعر “عبد العليم جاسم”.
نرى من خلال بعض أبيات الشاعر استخدامه للغة شعرية قوية للتعبير عن الألم والمعاناة، واستخدام تشبيهات معبرة لزيادة قوة التعبير؛ لتظهر تقنية اللغة الشعرية في هذه التجربة. فيقول:
لأنَّ الحنينَ كثيرٌ عليّ خذيني إليّ..
تفاصيلُ عينيكِ أقربُ منكِ
وجرحُ المسافةِ بيني وبينَكِ كانَ عصيّ
خذيني إذًا حيثُ يُشبهنا البحرُ
حيثُ القصيدةُ
حيثُ الحقيقةُ
حيثُ المَدى
إن التجربة الشعرية من أجل أن تتميز وتختلف عن سواها من التجارب، عليها أن تكون أولا وقبل أي شيء آخر، تجربة في اللغة، على اعتبار أن المفردة هي أصغر الوحدات التي تقوم عليها بنية القصيدة، و”عبد العليم” من الذين يحملون في رؤوسهم مثل هذا التصور، فيقصد في الغالب كلا من المعنى والمبنى معا، وليس أحدهما دون الآخر.
ومن خلال قراءة أبياته الشعرية يلفت الانتباه بدقة إلى كيفية قيام الشاعر باختيار الكلمات ومن ثم معرفة كيفية ربطها ببعضها، وذلك لأن بنية اللغة تؤلف جانبا مهما من جوانب القيمة الجمالية للقصيدة، على اعتبار أن للكلمات سلوكا يرتبط بالتغييرات التي تصيب الثروة اللفظية في ضوء تحليل المعنى، فيقول في ديوانه:
كلُّ الطريق
وما أزالُ كما أنا
لا شكلَ للطرقاتِ إلّا ما هنا
سفري بلا جهةٍ
وذلكَ أنني
بعتُ الطريقَ بعملتينِ مِن المنى
ومحاولًا
جعلَ الحياةِ حقيقةً
إذ كلُّ مغتربٍ يُمثلُ موطنا
لي أنْ أكونَ الغصن
بينَ دفاتري
ليقالَ بعدي: كانَ حزنًا لينا
معَ أنّني هشُّ الرّياحِ
وإنما
يرسو على كتفي الهلالُ إذا انحنى
أخشى مِنَ الأيامِ
وهيَ تفوتني
وأحنُّ للاشيءَ وهْوَ يضُمنا
في كلِّ رفةِ فكرةٍ
بي شاعرٌ ينأى بها
حيثُ المساء مؤذنا
قَصصي معَ الأحلامِ
تروي نفسها
وبكلِّ عاصفةٍ نثبِّتُ حلمنا
لا شَهرزادَ
لكي تُتمَ حكايتي
تحكي لنا الأيامُ ما تحكي لنا
وأنا الذي
أخذَ السماءَ رهينةً
كيلا تبللَ في الليالي الأعينا
إننا قد نحسن القراءة دون استناد إلى نظرية جمالية أصيلة، ولكنا لا نعدّ ممن يحسنون القراءة إلا إذا تكونت لدينا القدرة على أن نحكم بأنفسنا على ما نقرأ … أمور كثيرة علينا معرفتها ونحن نتوقف أمام هذه التجربة الشعرية الحافلة بالمدهش.