هجوم معاكس .. وهجوم معاكس
ولأن هناك بوادر حلٍّ للأزمة أو المشكلة اليمنية بدأت تلوح في الأفق فعلاً ولأن الأوضاع في سورية بدأت تتجه لغير مصلحتهم ولأنَّ العراق بات يشهد بدايات إنقلاب على المعادلة التي وضعها بول بريمر بعد الغزو الأمريكي في عام 2003 فقد بادر الإيرانيون إلى ما يمكن اعتباره هجوماً معاكساً تمثل في الإعلان عن إرسال لواءٍ من القوات الخاصة لإسناد قوات بشار الأسد ومن يقاتل معها هو اللواء : « 65 « التابع لوزارة الدفاع والجيش وليس لحراس الثورة وفي إرسال شحنات هائلة من الأسلحة والذخائر إلى تحالف الحوثيين مع علي عبد الله صالح .. الرئيس اليمني المخلوع.
لقد بدأ المكر يحيط بأهله فهذه الإنتفاضة الباسلة التي فجرها السيد مقتدى الصدر في العراق أشعرت إيران بأن نفوذها في بلاد الرافدين بات مهددا بالفعل وأن كل ما فعلته ورتبته منذ عام 2003 بات مهدداً بالإنحسار والتراجع إنْ ليس بالزوال ولذلك فإنها قد بادرت من خلال الحشد الشعبي بقيادة هادي العامري ومن خلال « حزب الدعوة « ونوري المالكي وأيضاً من خلال وجودها العسكري ، إلى التَّصدي لهذه الإنتفاضة والسعي لإفشالها وإلى الحؤول دون توجيه ضربة قاصمة لتنظيم « داعش « الإرهابي الذي بات في حكم المؤكد أن بينه وبين طهران ومنذ البدايات اتفاقية تبادل منافع بقيت مستمرة ومتواصلة إن بصورة مباشرة أو غير مباشرة .
ولقد شعرت إيران أنَّ روسيا تنهمك الآن في التوصل إلى إتفاق شموليًّ مع الولايات المتحدة ومع الغرب عموماً يشمل سورية وأوكرانيا والعديد من دول ما يسمى أوروبا الشرقية وأنَّ هذا الإتفاق « سيأخذ بأقدامه « بشار الأسد ونظامه ومعها حزب الله الذي يشكل قاعدة متقدمة لدولة الولي الفقيه على شواطئ البحر الأبيض المتوسط الشرقية ولذلك فإنَّ طهران قد بادرت إلى هذا الهجوم المعاكس المرتبك الذي شمل العراق واليمن أيضاً من أجل اقحام نفسها وبقدر الإمكان في هذه المعادلة الإقليمية الجديدة التي قطع الأميركيون والروس شوطاً طويلا في إنجازها وتحويلها إلى أمرٍ واقع يفرض نفسه على هذه المنطقة .
والمشكلة أنَّ إيران التي نجحت في ابتزاز إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالنسبة لإتفاقية مشروعها النووي وحققت بعض الإنجازات الفعلية في العراق وفي اليمن وسورية وبالطبع في لبنان وفلسطين أيضاً لم تأخذ في اعتبارها أن للدول الكبرى الاّعيب تتحكم بها مصالحُها وليس صداقاتها ولذلك فإن الرئيس فلاديمير بوتين مستعد إلى ركْل « صداقته « مع طهران بقدمه إذا رأى أن هذا يحقق ولو الحدود الدنيا من مصالحه ومصالح روسيا إنْ في الشرق الأوسط وإنْ في أيِّ مكان آخر في العالم .
لقد كان على صاحب القرار الفعلي في طهران الذي هو قائد الثورة السيد علي خامنئي ومعه قائد حراس الثورة محمد علي الجعفري أنْ يدرك أنًّ « الغزو « العسكري الروسي لسورية لم يكن لا حُباًّ ببشار الأسد ولا بنظامه ولا بحزبه وإنما من أجل تحقيق مصالح إستراتيجية وتكتيكية لبلده روسيا من بينها الضغط على الأمريكيين والأوروبيين لحملهم على بعض التنازلات بالنسبة للأزمة الأوكرانية وبالنسبة لمشكلة صواريخ حلف شمالي الأطلسي في أوروبا الشرقية وكل هذا بالإضافة إلى حصوله على واحدة من أهم القواعد العسكرية على البحر الأبيض المتوسط التي هي قاعدة « حميميم « بالقرب من مدينة اللاّذقية .
وهكذا فإنه على العرب المعنيين فعلاً وضع حدٍّ لمحاولات التمدد الإيراني في المنطقة العربية أن يواصلوا هُمْ بدورهم هجومهم المعاكس ضد إيران وأن يبادروا إلى إسناد انتفاضة السيد مقتضى الصدر في العراق و إلى المزيد من تمتين علاقاتهم مع تركيا وأيضاً إلى بذل كل ما بالإمكان بذله لحل الأزمة اليمنية ولتوفير كل عوامل الانتصار للمعارضة السورية .. ولاستدراج موسكو إلى علاقات أفضل مع العرب الذين يسعون إلى تطوير علاقاتهم بروسيا الإتحادية .