ما لا يمكن إنكاره!
تصرُّ روسيا على أنْ تقتصر مهمة الخبراء الدوليين للتحقيق في إستخدام الأسلحة الكيماوية في ضوء تبادل الإتهامات بين نظام بشار الأسد والمعارضة السورية على منطقة واحدة هي «خان العسل»، بالقرب من مدينة حلب التي تدور فيها معارك ضارية، وهذا الإصرار يدلُّ على أنَّ هذا النظام قد إستخدم هذه الأسلحة المحرمة والممنوعة دولياً في أمكنة أخرى وأنه لا يزال يستخدمها في دمشق نفسها فالمثل يقول :»أنَّ مَنْ بطنه محشوٌّ بالحمص لا يستطيع أن ينام»!!.
وكذلك فإن هذا الإصرار الروسي يأتي كتأكيد جديد على أن روسيا وإيران هما اللتان تخوضان هذه الحرب المدمرة ضد الشعب السوري وعلى مدى نحو سنتين وأنه لولاهما لما كان هناك كل هذا الدمار والخراب وكل هذه الأعداد الفلكية من القتلى والجرحى والمفقودين والمعتقلين وأيضاً من المهجرين الذين وصلت أعدادهم إنْ في الدول المجاورة والبعيدة وإنْ في سوريا نفسها إلى الملايين معظمهم من الأطفال والنساء.
إنَّ هذه الحرب الطاحنة والمتواصلة في سوريا على مدى نحو عامين، والتي بالإضافة إلى سلاح الجو باتت تستخدم فيها ضد المدن والقرى والمناطق السكانية صواريخ «سكود»، هي حرب روسية-إيرانية وأنه لولا هذا التدخل الخارجي لكان «الجيش العربي السوري» قد إنهار وشبع إنهيارا منذ البدايات ولعل ما لايعرفه الذين يرفضون هذه الحقيقة ويصرون على «تغْطية عين الشمس بغربال» أنَّ غالبية ضباط هذا الجيش من الرتب العليا والدنيا قد «إنشقَّوا» والتحقوا بالجيش السوري الحر وإنه لم يبقَ من هؤلاء الضباط إلاّ الغارقون بالطائفية والمذهبية حتى أعناقهم وإلاَّ الذين ينتظرون الفرص السانحة للإلتحاق بمن سبقوهم إلى الإنشقاق.
ثم وإنَّ ما لا يعرفه المنحازون إلى هذا النظام من الخارج ولأسباب معروفة، وهُم على أي حال أقلية منبوذة، أن الجيش العربي السوري قد أبتلي بعمليات إستنزاف وتصفيات بقيت مستمرة على مدى ستين عاماً وأكثر وأنه عندما بدأ العدوان الإسرائيلي في يونيو (حزيران) عام 1967 كان هناك في السجون السورية أربعمائة من خيرة ضباطه بعضهم من البعثيين الأردنيين الذين إنحازوا إلى القيادة القومية، وكان أمينها العام الدكتور منيف الرزاز رحمه الله، بعد إنقلاب الثالث والعشرين من فبراير (شباط) عام 1966.
لقد بقيت الإنقلابات العسكرية، التي تجاوز عددها الإثني عشر إنقلاباً، بداية بإنقلاب حسني الزعيم عام 1949 وإنتهاء بإنقلاب حافظ الأسد على رفاقه في عام 1970، تنخر في عظام هذا الجيش وتحرمه من خيرة ضباطه وخبراتهم العسكرية وكانت الطامة الكبرى أنه تعرض بعد «الحركة التصحيحية»، التي لم تصحح شيئاً والتي أوصلت سوريا إلى هذه المأساة التي وصلت إليها، لعمليات إستئصال مذهبي جعلت ضباط الطائفة التي تشكل الأكثرية في هذا البلد مجرد «ديكور» لضبَّاط النظام الطائفي وليس نظام الطائفة الذين تم تمكينهم من التحكم بمفاصل الوحدات والقطاعات العسكرية الرئيسية وأيضاً بمفاصل كل الأجهزة الأمنية..كلها بدون إستثناء.
عندما قام حافظ الأسد بإنقلابه في عام 1970 كان الجيش العربي السوري قد وصل إلى حالة محزنة من الإستنزاف والإنهاك ولعل ما زاد «الطين بلَّة» كما يقال أن هذا الجيش «العقائدي» قد تعرض لسلسة تصفيات متلاحقة إستهدفت كل الضباط المؤيدين لصلاح جديد ومجموعته حتى بمن فيهم من ينتمون إلى الطائفة العلوية التي تعرضت هي نفسها لتصفيات إستئصالية إنْ بالسجن والإعتقال لفترات طويلة وإنْ بالإبعاد وكل هذا قد حوَّل هذا الجيش إلى مجرد زمرٍ طائفية لحماية نظام «الحركة التصحيحية» وجعلته يتمزق كل هذا التمزق مع أول هزةٍ فعلية وحقيقية حيث لم يعد قادراً على التصدي للإختراقات التي يقوم بها الجيش السوري الحر حتى في العاصمة دمشق التي وصل القتال فيها حالياً إلى القصر الجمهوري وإلى المطار الدولي وإلى كل المراكز الأمنية والحكومية الرئيسية