عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

عواميد الضجيج

كنا صغارا – ولم نكن أطفالا بمفهوم الطفولة – وكنا فقراء البتّة، بمفهوم الفقر المفرط، وكانت مدينة ملاهينا وألعابنا هي بالتحديد مزبلة طنوس . لكننا . ومع أننا فقراء ، فقد كنا نسأم، كبقية الكائنات، من مدينة الملاهي تلك، فنتوجه للبحث عن ألعاب أخرى خارجها، تتناسب مع البيئة الاجتماعية التي نحيا فيها ولا نرزق، مع اشتراط المجانية الكاملة لهذه الألعاب طبعا .

إحدى هذه الألعاب المجانية المبتكرة كانت بأن نحمل حجرا بحجم الكف ونطرق به طرقا قويا ومثابرا على كل عامود كهرباء نمرّ من عنده ، فتتحول الحارة فورا الى سلّة من الضجيج المحض، وتتعالى الصرخات من أهالي الحارة ، خصوصا اذا كنا نمارس هذه اللعبة الرائعة بعد الظهر، حيث الكثير من الناس نيام ، من قلّة الشغل، على الأغلب.

وهكذا كنا نهرب من عامود الى عامود تاركين الصرخات والشتائم المدوّية خلفنا بلا أسف ،ونادرا ما كنا نتعرض لإلقاء القبض علينا، لأننا كنا نعرف مداخل ومخارج الحارات جيدا، ونقفز فوق سطوح البيوت الطينية المتقاربة ، ونخرج من مكان اخر، وننتقل الى عامود آخر بكل رشاقة وسؤدد.

كنا نستغرب لماذا يتضايق الأهل منا ويشتموننا، إننا مجرد صغار يلعبون . أما الان، وقد اشتعل الرأس شيبا ، استطيع أن أضع نفسي أمام أهالينا المنزعجين، وأدرك حجم التلوث الصوتي الذي كنا نحدثه،لمجرد اللعب. وكم أنزعج حينما يتنطح أحد اطفال الحارة للموضوع ويشرع في الطرق على العامود المقابل لجمجمتي مباشرة ، وأكاد أعلن عليه الشتم ، الا اني اتراجع حينما اتذكر نفسي عندما كنت من جيله.

الان ..كم اتمنى أن ننقل هذه اللعبة الى عالم السياسة ، ونبدأ نحن الصغار سابقا ، في استلام العواميد المحيطة بالدوار الرابع والطرق عليها بحجارة بحجم الكف ، كلما شعرنا أن ثمة قرارات تطبخ لتحميل الشعب مسؤولية المديونية وتسديد أقساطها من جيوبه المهترئة، وعلى رأسها قرار رفع أسعار الكهرباء .

ghishan@gmail.com