تحول مناطق كاملة في غزة إلى “مدن أشباح”
وكالة الناس – وسعت قوات الاحتلال من استخدامها لسياسة التدمير الشامل للأحياء السكنية، ودمرت منطقة الزهراء الواقعة جنوب مدينة غزة، وأجبرت سكان أبراجها على مغادرتها بعد ليلة رعب شهدت مئات الغارات الجوية طالت العديد من مناطق القطاع، وأوقعت عشرات الشهداء الجدد، في الوقت الذي تزداد فيه المأساة الإنسانية للنازحين قسرا عن مناطق سكنهم، بالإضافة إلى زيادة الضغط على المنظومة الصحية التي تتهاوى وتعمل بأقل الإمكانيات.
مدن أشباح
وعلى مدار أكثر من 10 ساعات متواصلة، ظلت الطائرات الحربية الإسرائيلية تلقي بصواريخها الفتاكة على أبراج الزهراء، ودمرت غالبيتها، بعد أن أجبرت سكان تلك المنطقة، وعددهم يفوق الـ 10 آلاف مواطن، على الخروج والوقوف في شارع قريب، طوال ساعات ليل الخميس وفجر الجمعة، في مشهد رعب كبير عايشه السكان، بسبب وقوع القصف على بعد عشرات الأمتار منهم.
وألقت الطائرات الحربية صواريخ على البنايات والأبراج السكنية، وسوتها بالأرض، فيما تحول الحي الجديد الذي شيدت أبراجه قبل سنوات قليلة إلى كومة من الركام.
وتسببت أصوات الانفجارات التي هزت المكان وسمعت أصواتها في مناطق وسط قطاع غزة، في رعب كبير عاشه سكان تلك المنطقة المنعزلة، بعد أن هددهم جيش الاحتلال بعدم مغادرة المكان طوال فترة القصف، والبقاء في شارع جانبي، حيث كانوا ينوون الوصول إلى مناطق وسط القطاع التي تبعد على مسافة أقل من كيلومترين.
وقال يوسف أحد المواطنين الذين كان وأسرته قد لجأوا إلى منطقة الزهراء تاركا حيه المدمر غرب مدينة غزة قبل أيام، بسبب الغارات الجوية، إنه عاش وأسرته وكل من كان برفقتهم الموت ألف مرة في تلك الليلة، ويوضح أنه مع سماع دوي كل صاروخ كانوا يعتقدون أنه سينزل بينهم، لافتا إلى أن سكان تلك المنطقة استذكروا في تلك اللحظات مجزرة مستشفى المعمداني.
وحسب روايات السكان الذين عاشوا ليلة الرعب هذه، لم تنقط أصوات صراخ النساء والأطفال، الذين كانوا يعتقدون أنهم لن يطلع عليهم نور اليوم التالي.
ومع بزوغ شمس الجمعة، تبين حجم الدمار الكبير الذي خلفه القصف الجوي العنيف الذي استهدف منطقة الزهراء بأكثر من 50 غارة جوية أدت إلى تدمير عشرات الأبراج والعمارات السكنية.
قصف الكنيسة
وقبل بدء شن تلك الغارات المدمرة على منطقة الزهراء، طالت إحدى الغارات الجوية الإسرائيلية، كنيسة القديس بروفيريوس للروم الأرثوذكس في غزة، التي لجأ إليها المئات من النازحين، ما أدى إلى استشهاد ثمانية، بينهم أطفال ونساء.
وتسبب القصف بوقوع أضرار مادية جسيمة لحقت في أجزاء من مبنى الكنيسة، كما تم تدمير مبنى بجوار الكنيسة، حيث أدى القصف إلى انهيار مبنى مجلس وكلاء الكنيسة بالكامل، والذي يأوي عددا من العائلات الفلسطينية، المسيحية والمسلمة، التي لجأت للكنيسة هربا من القصف، وبحثا عن ملاذ آمن.
وكان المواطنون المسيحيون لجأوا للإقامة في الكنائس والمباني التابعة لها، خشية من الغارات الجوية الدامية التي طالت أحياء القطاع، ومن بينها منازلهم في مدينة غزة.
وهذه الكنيسة تقع على بعد أمتار قليلة من المستشفى المعمداني، التابع للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في القدس، الذي ارتكبت فيه قوات الاحتلال مجزرة الثلاثاء الماضي، أسفرت عن استشهاد وإصابة المئات من المواطنين.
وفي هذا السياق، استنكرت بطريركية الروم الأرثوذكس في القدس، قصف كنيستها في مدينة غزة، وأكدت أن استهداف الكنائس والمؤسسات التابعة لها، بالإضافة إلى الملاجئ التي توفرها لحماية المواطنين الأبرياء، خاصة الأطفال والنساء الذين فقدوا منازلهم جراء القصف الإسرائيلي للمناطق السَكَنية خلال الـ13 يوما الماضية، يشكل “جريمة حرب لا يمكن تجاهلها”.
جاء ذلك في الوقت الذي تواصلت فيه الغارات التي تستهدف مراكز الإيواء ومناطق النازحين، رغم أن هذه المناطق جرى تصنيفها كـ”مناطق آمنة” يمنع المس بها أو استهدافها في أي عملية عسكرية، باعتبار أن ذلك يمثل “جرائم حرب”.
وهناك خشية كبيرة من أن تقوم قوات الاحتلال بتوسيع الاستهدافات والقصف الجوي للعديد من أحياء مدينة غزة وشمالها، لإجبار السكان هناك على النزوح، كما فعلت في منطقة الزهراء، خاصة وأنها لجأت لهذا الأسلوب في اليوم الثالث للحرب حين استهدفت حي الرمال، أحد أشهر أحياء غزة.
اكتظاظ في مراكز الإيواء
وفي هذا الوقت تعاني “مراكز الإيواء” في كافة مناطق القطاع خاصة في مناطق الوسط والجنوب من اكتظاظ كبير وغير مسبوق، مع وصول نازحين جدد إليها.
ويجري في الكثير من “مراكز الإيواء”، وضع أكثر من 50 شخصا للمبيت في غرفة واحدة، وهي عبارة عن فصول دراسية، حيث خصصت غرف المبيت للنساء والأطفال، فيما اضطر الرجال للمبيت في العراء.
كما تمت إقامة مناطق لإيواء النازحين في الساحات العامة، بنصب العديد من الخيام للأسر القادمة من مناطق الحدود ومناطق غزة والشمال.
ويعاني هؤلاء من نقص حاد في الغذاء وإمدادات المياه، والكثير منهم اضطر لطهي بعض الأطعمة وتحضير الخبز على مواقد النار التي أجبرتهم الحاجة على صنعها، فيما يشتكون من قلة إمدادات الطعام التي تقدم لهم من قبل المنظمات الأممية.
يشار إلى أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، أعلنت عن استشهاد ما لا يقل عن 14 موظفا وعاملا من موظفيها، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وقالت إن 32 منشأة تابعة لها تضررت في قطاع غزة نتيجة الغارات الإسرائيلية.
وأكدت أن الملاجئ مكتظة، وأن ما لديها فقط “إمدادات محدودة جدا” من الغذاء ومستلزمات النظافة والمياه الصالحة للشرب، مشيرة إلى أن هناك نصف مليون لاجئ في مرافق الوكالة بغزة.
وهذا العدد هو بخلاف من نزحوا في ساحات عامة أو عند أقارب أو أصدقاء، وعددهم كبير جدا.
وحتى اليوم الجمعة لم تمر أي قوافل مساعدة إلى قطاع غزة، رغم الحديث عن الاتفاق على إدخالها، وسط معلومات تشير إلى أنه جرى تأخير دخول المساعدات الإنسانية لـ 24 ساعة.
وفي حال جرى إدخال المساعدات، فإنها ستبدأ بـ20 شاحنة كما يتردد من معلومات، كمقدمة لدخول قوافل أخرى، دون أن تكون هناك ضمانة واحدة إلى عدم منع هذه القوافل من الدخول من قبل دولة الاحتلال.
ولن تكفي هذه القوافل حاجة سكان القطاع الذين إما نزحوا قسرا عن منازلهم أو هدمت منازلهم بالكامل، في ظل شح إمدادات الغذاء والدواء، وفي ظل معاناة القطاع من أزمة مياه بسبب الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي.
وحسب المعلومات المتوفرة، فإن أول القوافل لن تحمل وقود إلى القطاع، رغم حاجة المشافي لها، حيث يتهدد الخطر وقف مولداتها عن العمل في أي لحظة.
انهيار المنظومة الصحية
وفي السياق، قال مدير مستشفى أبو يوسف النجار بمدينة رفح جنوب القطاع، إن الوضع كارثي في كل المشافي، وغرف العمليات ممتلئة، إذ يجري اعتماد نظام المفاضلة حاليا، في التعامل مع الإصابات، لافتا إلى أن معدات المشافي أصحبت خارج الخدمة.
وذكرت وزارة الصحة أن مستشفيات قطاع غزة تعاني من ارتفاع نسبة إشغال الأسرة إلى 150%، إذ بات الجرحى والمرضى يفترشون الأرض وممرات الأقسام، وأكدت أنه لا يوجد أي مخزون من الأدوية والمستهلكات الطبية والوقود في المستشفيات.
وتحبس الطواقم الطبية أنفاسها خشية نفاد ما يتوفر بين يديها من الأدوية والمستهلكات الطبية والتي نفد منها الكثير، حيث تعيش المستشفيات حالة من الجفاف في كل الإمكانيات الدوائية والوقود، وحذرت من أن أي تأخير في ادخال الإمدادات الطبية لمستشفيات قطاع غزة، سيزيد من عدد الوفيات بين الجرحى والمرضى.
وحسب أطباء وجراحين، فإنه بسبب توافد أعداد كبيرة من المصابين جراء الغارات الإسرائيلية الدامية، يجري إجراء عمليات جراحية منها عمليات دقيقة في البطن، في مناطق كانت لا تصلح حتى لإجراء غيار على الجروح، لانشغال جميع غرف العمليات، كما يجري إجراء غالبية العمليات الجراحية بدون مخدر.
وبسبب الأزمة التي خلقتها الحرب، وحاجة المشافي إلى كوادر طبية، وعدم وصول بعثات من الخارج، أعلنت وزارة الصحة فتح باب التطوع لكل من يحمل مزاولة مهنة في التخصصات الصحية المختلفة وكذلك المسعفين، كما وجهت نداء للكوادر الصحية المتقاعدة للالتحاق بالعمل فورا في المرافق الصحية، ودعت أيضا المواطنين للتوجه الفوري لكافة المستشفيات وفروع جمعية بنك الدم في القطاع للتبرع بالدم.
وكان المتحدث باسم وزارة الصحة أشرف القدرة، قال إن العدوان الإسرائيلي أدى لاستشهاد 44 وإصابة 70 من أفراد الطواقم الطبية وخروج 4 مستشفيات و14 مركزا للرعاية الأولية عن الخدمة.
وفي هذا السياق، أعلن متحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أن مستشفيات غزة على حافة الانهيار وأنها باتت تعمل بالحد الأدنى.
غارات وتهديد إسرائيلي
إلى ذلك، فقد واصلت قوات الاحتلال شن العديد من الغارات الجوية على العديد من مناطق القطاع، وعلى غرار الأيام الماضية، استهدفت منازل مدنية آمنة دون سابق انذار، فأوقعت عشرات الشهداء بينهم أطفال، وغالبيتهم من أسر واحدة.
وفجر الجمعة فقط ارتقى 21 شهيدا على الأقل وأصيب آخرون، معظمهم من الأطفال والنساء، في قصف إسرائيلي على خان يونس قطاع غزة، فيما سقط عشرات الشهداء في غارات جوية أخرى استهدفت عدة مناطق في القطاع على مدار ساعات اليوم، وهو ما أدى إلى ارتفاع عدد الشهداء بشكل كبير.
وكعادة الأيام الماضية، قصف الطيران الحربي الإسرائيلي حيي الزيتون والشجاعية، ما تسبب في هدم عدة منازل، ووقوع شهداء جدد.
وعلى غرار المتبع، يجري تشييع جثامين الشهداء على عجل بعد أداء الصلاة عليهم في ساحات المشافي، أو أمام منازلهم، بمشاركة عدد قليل من الأهل والجيران.
وتؤكد الطواقم الطبية أن غالبية جثث الشهداء تصل إلى المشافي مقطعة، ويصعب التعرف عليها، إذ يجري وضعها في أكياس بيضاء، تمهيدا لدفنها.
وأعلنت طواقم الدفاع المدني والإسعاف، أنها تواصل البحث عن عشرات المفقودين تحت أنقاض عدد من المنازل المدمرة في قطاع غزة، وتؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي مستمر في ارتكاب مزيد من المجازر وإبادة العوائل الفلسطينية وتدمير للأحياء السكنية والبنية التحتية، وفي إعاقة جهودهم في عمليات الإنقاذ، بسبب الاستهداف المركز وتقطيع الطرق المؤدية للمستشفيات.
وفي السياق، أعلنت بلدية غزة أن نقص الوقود اللازم لتشغيل الآليات والكهرباء قد يتسبب بأزمة كبيرة ومحدقة في الخدمات الأساسية لاسيما خدمات المياه والنظافة، وأضافت أن آليات جمع النفايات والمرافق الخدماتية كآبار المياه ومحطات الصرف الصحي تحتاج لوقود بشكل دائم لتستمر في العمل لتزويد المواطنين بالمياه وجمع النفايات وتشغيل محطات الصرف الصحي، موضحة أن انقطاع التيار الكهربائي زاد من الأزمة وأصبح الاعتماد على تشغيل الآليات والمرافق الخدماتية يحتاج لكميات وقود كافية وهذا لا يتوفر للبلدية في ظل الأوضاع الصعبة والعدوان الإسرائيلي على القطاع، ودعت البلدية كافة المنظمات الدولية والإنسانية للتدخل العاجل وتوفير الوقود لمنع كارثة صحية وبيئية كبيرة تحدق بالمدينة.
وفي السياق، واصل جيش الاحتلال تحذيراته بتوسيع رقعة هجماته الدامية على غزة، وقال الناطق العسكري باسم جيش الاحتلال، إن جيشه يستعد للمرحلة القادمة من الحرب، وقال “القوات موجودة في الميدان، تتدرب، تحقق وتدرس ما حدث خلال القتال حتى الآن والدروس التي يجب استخلاصها، عدا ذلك، نواصل طوال الوقت الجهود اللوجستية من أجل الوصول بأفضل شكل إلى الاجتياح البري”.
وقال إن سلاح الجو الإسرائيلي يعمل في قطاع غزة “بوتيرة هجمات لم يكن لها مثيل منذ عشرات السنوات”، وأكد في ذات الوقت مقتل 306 جنود وضباط إسرائيليين منذ السابع من أكتوبر الجاري.
وكان وزير الجيش الإسرائيليّ يوآف غالانت قال أثناء تواجده في مكان تجمّع الجيش بالقرب من الحدود من قطاع غزة “أنا مسؤول عن جهاز الأمن. وأنا مسؤول عن كل ما حدث خلال الأسبوعين الأخيرين، حتى في الأحداث الصعبة، أنا مسؤول عن تحقيق النصر في هذه المعركة وسنكون دقيقين وحادين وسنستمر حتى نكمل المهمة”.
وقال مخاطبا الجنود الذين يقصفون قطاع غزة “نحن في حالة حرب وهذا هو الواقع، منذ أسبوعين تقريبًا”، وأضاف “إسرائيل ستقضي على منظمة حماس، ولن تكون هذه حملة سهلة، ستكون هناك مهام صعبة وهي لن تستمر ليوم أو يومين، بل ستستمر لفترة قد تكون طويلة”.
إدانات
وكان فريق خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، حذر من خطر “إبادة جماعية” يتعرض لها الفلسطينيون، بالنظر لما يصدر من تصريحات عن مسؤولي حكومة الاحتلال وحلفائهم.
وقال الخبراء إنه “بالنظر إلى التصريحات التي أدلى بها القادة السياسيون الإسرائيليون وحلفاؤهم، المصحوبة بالعدوان العسكري في غزة وتصعيد الاعتقالات والقتل في الضفة الغربية، فإن هناك خطر إبادة جماعية يتعرض لها الشعب الفلسطيني”، مؤكدين في بيان نشرته الأمم المتحدة، أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة “يؤدي إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية”، وأن حصار غزة وأوامر الإخلاء القسري للسكان يندرج في إطار “انتهاك القانون الإنساني الدولي والقانون الجنائي الدولي”.