متى نحقق الاكتفاء الذاتي
لا يجوز في بلد مستقل أن تكون الإيرادات المحلية للخزينة غير كافية لدفع النفقات المتكررة أي كلفة تشغيل الحكومة من رواتب وإيجارات وفوائد ولوازم إلى آخره بحيث تضطر الحكومة لتمويل جانب من هذه النفقات من المنح الخارجية أو القروض.
بنفس المعنى لا يجوز في بلد مستقل أن تنفق الدولة على بنود التشغيل المتكررة لوزاراتها ودوائرها أكثر مما يتحقق لها من إيرادات محلية.
ننظر هنا إلى ظاهرة واحدة من جوانب مختلفة. الظاهرة هي الاكتفاء الذاتي كمقياس للاستقلال الوطني، الذي يمكن أن يتحقق بزيادة الإيرادات المحلية أو إنقاص النفقات المتكررة ، أو مزيج من الأسلوبين.
يقول البعض إن الشعب الأردني يدفع ضرائب مباشرة وغير مباشرة عالية جداً بحيث لا مجال للمزيد، ولكن الحكومة لا تجد أن حصيلة الضرائب تكفي لمواجهة تكاليفها المتكررة اليومية، فأين الخلل؟ وهل يجب زيادة الإيرادات المحلية عن طريق المزيد من الضرائب والرسوم ، أم إنقاص النفقات المتكررة بحيث تمد الحكومة رجليها بالقدر الذي يسمح به لحافها حتى لا تنكشف ويلحقها البرد!.
الاكتفاء الذاتي كان أحد أهم الأهداف في جميع الخطط الخمسية والثلاثية التي عرفها الأردن ، كما أنها هدف أساسي لبرامج الإصلاح الاقتصادي التي خضع لها الاقتصاد الوطني وأشرف عليها صندوق النقد الدولي.
مع ذلك فإن الهدف لم يتحقق، ففي سنة 2015 بلغت النفقات المتكررة 6616 مليون دينار، وبلغت الإيرادات المحلية 5910 ملايين دينار ، أي أن نسبة الاكتفاء الذاتي بلغت 3ر89%.
هذا يعني أن الحكومة كانت تموّل جميع النفقات الرأسمالية وأكثر من 10% من النفقات الجارية اعتماداً على المنح الخارجية والقروض المحلية والأجنبية.
هذا الوضع غير قابل للاستمرار، لأنه يعني ارتفاع المديونية عاماً بعد آخر لدرجة تهدد بالخطر ويصعب معها الحصول على المزيد من القروض.
وزارة المالية كانت دائماً واعية لهذا المأزق، وعندما وضعت موازنة 2015 قبل حوالي سنة ونصف استهدفت الارتفاع بنسبة الاكتفاء الذاتي إلى 7ر93% فكانت النتيجة أنها انخفضت بدلاً من أن ترتفع.
الرؤية العشرية انطلقت من كون نسبة الاكتفاء الذاتي في سنة الأساس (2014) تعادل 4ر86، واستهدفت أن ترتفع هذه النسبة بسرعة لتتجاوز 100% في سنة 2017 وتصل إلى 130% في 2025.
هدف ممتاز ولكن أداء الموازنة يسير بالاتجاه المعاكس.