عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

د. يوسف العجلوني يكتب…وستعرف بعد رحيل العمر.. بأنك كنت تطارد خيط دخان!

د. يوسف العجلوني

الحياة مثيرة للتحدي، تجربة ذات أنماط وأشكال مختلفة، مثمرة وغنية ومتنوعة، وغير متوقعة، ومريحة ومقلقة. أفراح وأتراح، وما عليك إلا أن تسعى ذكياً قوياً لتصل إلى ما تريد منها، وأن تأخذ لنفسك الأفضل من كل شيء، دون أن تعطي الحياة أكثر مما تستحق.

الأيام تمضي بسرعة، وليس عندك حل إلا أن تواصل المسير، وتحاول أن تكون مرتاح البال، وتفكر في حياة ناجحة وسعيدة وذات مغزى، وتستفيد من التجارب والمغامرة والخبرة، وحاول أن تنظر إلى الأمور دائماً من عدة مواقع وزوايا.

العمر يمضي والأرقام تزيد في أعمارنا، انتهت مرحلة الطفولة والشباب، وها نحن اليوم نعيش جولتنا الأخيرة مع الشيخوخة، وهذا طريق الجميع. ضيوف على الدنيا وسوف تنتهي الزيارة، ولن يبقَ إلا جميل ما تركناه، فيجب العيش بقناعة ورضا، والتسليم بأن ماهو مكتوب لنا سيكون لنا ومن نصيبنا، ولن نستطع أن نأخذ إلا ما كتبه الله لنا وبشرط السعي إليه.

مرت الأيام، وفجأة وجدنا أنفسنا أضعف مما كنا عليه، قل تحملنا، وزاد همنا، وكثرت مسؤولياتنا، غزا الشيب رؤوسنا، وتغير جلدنا ومظهرنا، شهدنا ولادة أبناء، وموت أقرباء وأحباء، وأصعب ما في الحياة أن تخسر نفسك، أو يأخذ الموت منك من تحب، وهنا لن تستطع أن تتحمل فكرة رحيلهم، وستبقى تتذكرهم في كل مناسبة، مهما طال العمر بك، وستشعر أنك تائه، لا تعرف كيف ستمضي الأيام بدون وجودهم، وكيف ستعيش اللحظات بدونهم، غيابهم سبب مساحة كبيرة من الفراغ، بدأنا نشعر بهشاشة في داخلنا، وضعف ووهن كبير، أصبحنا قلقين من القادم، النوم أصبح متقطعاً ولا يكفي، العلاقات تغيرت، أصبحنا أكثر تحليلاً وتفسيراً للمواقف، وأصبحت ردود أفعالنا صعبة. ومعظمنا ينسى أنه سيغادر كما غادر غيرنا.

الحياة صعبة وتحتاج منا الكثير الكثير من الصبر والتحمل، ففهم الأشخاص من حولك والتعامل معهم يحتاج للكثير من الوقت والجهد، وفهم كل الظروف أيضا يحتاج للكثير من المرونة، لأن كل شي يتغير، الناس والأفكار والمبادئ، فقط الموت والحياة هما الشيئان الوحيدان اللذان لا يمكن تغييرهما أو التكهن بهما، وهما ضمن المسلمات، وحقيقة لا مفر منها. الذي يموت، يرحل ويترك كل شيء، ويفقد كل شيء، يجب أن نتجاوز عن الكثير من المحطات. انتبه أنه من السهل أن تضل الطريق إن لم يكن لديك هدف وخطة لما تريد إنجازه في هذه الحياة.

هنالك فارق كبير في طريقة إدراكنا لمرور الزمن من سرعة وبطء، فقد تمر دقائق معدودة علينا كما لو أنها سنوات، أو قد يصدمنا أحيانا أن سنة كاملة قد انتهت وكأنها لحظات؛ يمر الزمن ببطء عندما يكون الإنسان في أوقات صعبة فيها المعاناة والألم، أو العنف والخطر، أو في حالات الإنتظار والملل. الزمن يمر بسرعة عندما تكون هناك مهام روتينية تتطلب منا الإنتباه التام، ونقوم بها بسلام وبشكل يومي، مثل العمل كطبيب، فما أن يبدأ الدوام حتى تجد أنه قد شارف على الإنتهاء.

الحياة ليست مضمونة، وغير مقترنة بثوابت ومعايير لتبين انتهاءها، كالصحة والعمر، وغير مقترنة بزمان ومكان، هو أمر الله وقدره. فكم من شخصٍ أمسى ولم يُصبح، وكم من شخصٍ أصبح ولم يُمسي، وبين غَمضةِ عَين وإنتباهتها يُغيّر الله من حالٍ إلى حالِ، فهي أقدار الله يُقدرها علينا فيصيب بها من يشاء من عباده وله فيها حِكم لايعلمها إلا هو سبحانه وتعالى.

أحداث تتكرر، حوادث سيارات وفياضانات، مصائب وعثرات أليمة تدمى القلوب وتدمع لها العيون، أطفال وكبار يتألمون، منهم من فقد عائلته بأكملها أو بعضها، ومنهم من يصارع للعودة من أجل البقاء، تلك هي الحياة.

في الحياة وقفات للعبرة والعضة والتمعن والتفكر في تغيير وتبديل الأحوال في ثواني معدودة، لا يعلم الانسان ماذا يُخبئ له الغد من مفاجآت، قد تكون جميلة وقد تكون فواجع أو مِحن، وحين وقوعها، يستشعر الإنسان حجمه الحقيقي، فهو لاشيء في هذا الكون، فلا سلطان ولا مال ولا جاه يغنيك اليوم ويدافع عنك أمام المصاب العظيم، وممكن أن يكون الموت والخلاص أمنية، فلا بد من أخذ الحيطة والحذر والعِبر مما يدور حولنا وعدم الإنجراف وراء الدنيا، لا داعي للفتن وأكل أموال الناس بالباطل، لا داعي للكذب والنفاق من أجل مصالح شخصية أو أمراض نفسية، يجب علينا العمل الدائم على فعل الخير والإستغفار والدعاء إلى الله ليحفظنا ويرعانا، فهو الحكم والعدل، والله خير الحافظين.

الظلم أقبح ما يمكن أن يكون. وهو درجات متفاوتة، وأشكال عدّة، منّا من يظلمُ نفسه عندما يحُمِّلها ما لا تطيق، عندما يسيء في اختياراته. ظلمُ الإنسان لنفسه ينجمُ عن جهلهِ أو غفلته، لذلك يجب على الإنسان أن يبحثَ عن كلِّ علمٍ ينفعُهُ، فيدفعَ عن نفسهِ الضَّرر والمرض، ففي إتلافِ الإنسان لصحته ظلم، وفي هدرِ وقته على توافه الأمور ظلم، والخوف على أمور لن تحصل عليها ظلم، والتدخل فيما لا يعنيك ظلم لنفسك.

والظلم الآخر هو ظلم الإنسان لغيره من البشر، وهو شيء لا يُستهانُ بهِ. فالظلمُ ظلماتٌ. ولقد تفشى الظلمُ في حياتنا وانتشر في كل مناحي الحياة، ولعلَّ هذا أحد أسباب معاناتنا هذه الايام، فقد تُنصر الدولة الكافرة بالعدل، وتُهزم الدولة المؤمنة بالظلم، ففي عدم وضع المسؤول المناسب في المكان المناسب ظلم، والواسطة والمحسوببة في الوظائف ظلم، والغيبة والنّميمة والافتراء ظلم.

الظلمُ يضر بالمظلوم والظّالم؛ الظلم يكسرُ قلبَ المظلوم، ويملأه بالهموم، ويُحدثُ في فؤادِ الظالمِ فساداً وضيقاً وتَحجُّراً وخبثاً. ودعوةُ المظلومِ ليس بينها وبين اللهِ حجاب، تزيلُ عنه الكدَر وحُرقةَ القلبِ، وتدَّخِرُ لهُ الأجرَ والثواب، ويعدهُ الله بالنَّصرِ المبين. قارون الذي بغى على قومه لما آتاه الله من الكنوز العظيمة، وبغى عليهم بجبروت الخبرة كما ظن والذكاء والعلم الذي عنده. ماذا كانت النتيجة؟

الحياة لا تستحق الكثير من التفكير والمعاناة، ولا داعي للإنزعاج والغضب لأتفه الأسباب التي تعترض مسيرنا، فنجعل من الأحداث التافهة والصغيرة مشكلة كبيرة، ونوقف حياتنا اليومية الطبيعية لنحول هذا الحدث إلى مأساة، ونخلق جواً من التوتر، ونبرر تصرفاتنا غير المناسبة مع الحدث على الحل الذي لا يوجد غيره.

إنها حماقة الإنسان عندما يظن بأن الحياة هي سلسلة مترابطة ومتناسقة وعادلة لا يشوبها أي منغصات وعقبات، وتراه يعترض وينزعج حينما يواجه أخف الأزمات. وعندما تتغير عليه الأمور ويصيبه أمر جلل، سيعلم بأن الأمور التي كان يقيم الدنيا عليها ويقعدها لاتستحق ذلك، بعد أن حصلت معه مشكلة كبرى، الآن تلك العقبات البسيطة التي واجهته لا تستحق حتى التعليق عليها.

يجب علينا الصبر والتسامح والتجاهل والتغاضي وصرف النظر، وعدم تضخيم الأمور الصغيرة التافهة، وأن ننظر بإيجابية. فالحادثة المؤلمة البسيطة قد تكون أنجتك من حادثة أكبر لا تستطيع ردها أو الخلاص منها. ومن أين تأتي الأمراض المزمنة مثل السكر وضغط الدم والجلطات والأمراض العصبية؟ أليس من تمسّك البعض بأمور تافهة ولم يتجاوزوها ؟ ولوعلم الإنسان الغيب لرضي بالواقع.

يجب أن نقيِّم تصرفاتنا وأعمالنا، ونحسب ما صدر منا كلِّ يوم، ونعرف خسائرنا وأرباحنا، ويجب أن نتحاشى ظلم أي أحد، ويجب أن نتلطف بأقوالنا وأفعالنا، ونكون أنقياء أصفياء واضحين وصريحين، لا نتردد بالإعتذار إن أخطأنا، ولا ننتظر نتيجة لعمل الخير، ولا نزعج الآخرين على أمور لا تستحق التفكير فيها، وتوضيح الأمور خير من الإساءة والجفاء والبعد، فبعض الود يضيع بين مقصود لم يُفهم ومفهوم لم يُقصد، وستعرف بعد رحيل العمر أنك كنت تطارد خيط دخان.