“حرب الفحم”.. هكذا نجت فرنسا من أزمة غذائية وصناعية
وكالة الناس – “حرب الفحم”.. هكذا نجت فرنسا من أزمة غذائية وصناعية
مع نهاية الحرب العالمية الثانية على الساحة الأوروبية، اتجه الفرنسيون لإعادة إصلاح وإعمار بلادهم التي عانت منذ شهر حزيران/يونيو 1940، عقب استسلام فرنسا بشكل رسمي، من ويلات الاحتلال الألماني. وأثناء عملية إعادة الإعمار، واجه الفرنسيون مصاعب عديدة حيث دمّرت سنوات الحرب نسبة هامة من خطوط المواصلات بالبلاد. فضلا عن ذلك، واجهت فرنسا أزمة طاقة، خاصة الطاقة الكهربائية، أرقت المسؤولين وأسفرت عن نقص بإنتاج الغذاء. وقد لعب تدهور قطاع إنتاج المحروقات دورا هاما بهذه الأزمة التي انطوت فيما بعد على بذور تحركات احتجاجية هزّت كامل أرجاء البلاد.
انهيار إنتاج الفحم والإنتاج الصناعي
في غضون ست سنوات، انهار إنتاج الفحم بفرنسا بنسبة 40 بالمائة مقارنة بالمستويات التي كان عليها قبل الحرب العالمية الثانية. فعام 1938، أنتجت فرنسا 48 مليون طن من الفحم. وبحلول العام 1944 الذي شهد إنزال نورماندي وعملية تحرير فرنسا، انخفض الإنتاج الفرنسي ليستقر عند مستوى 30 مليون طن. وفي الأثناء، أسفر هذا الانخفاض عن أزمة حادة بمجال الطاقة. ويعزى سبب هذا التراجع لظروف الحرب التي مرت بها البلاد تزامنا مع تجنيد عدد هام من عمال المناجم السابقين.
إلى ذلك، اعتمد مجال الإنتاج الصناعي الفرنسي بشكل كبير على الفحم. ومع انهيار إنتاج الفحم بالحرب العالمية الثانية، انخفض الإنتاج الصناعي الفرنسي مطلع العام 1944 ليبلغ 55 بالمائة مقارنة بالمستوى الذي كان عليه عام 1938. وما بين شهري تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر من العام نفسه، واصل الإنتاج الصناعي تراجعه ليبلغ 35 بالمائة مقارنة بالمستويات المسجلة ما قبل الحرب.
حرب الفحم
بداية من شهر يناير 1945، اتجهت السلطات الفرنسية لزيادة إنتاج الفحم بالمناجم دون الاكتراث لصحة العمال ضمن ما لقب حينها بـ”حرب الفحم”. فأملا في العودة لمستويات الإنتاج العادية، طولب عمال المناجم بمواصلة العمل يوم الأحد، أي يوم العطلة الأسبوعية، مقابل زيادات بسيطة بالأجور.
إلى ذلك، حثت السلطات الفرنسية العمال على اعتماد طريقة عمل ستاخانوفيت (Stakhanovite) السوفيتية التي اقتصرت بالأساس على توظيف العمل الشاق لتحقيق الأهداف والنتائج المرجوة. وبسبب ظروف العمل القاسية، شهدت فرنسا بداية العام 1945 إضرابات عمالية طالت قطاع المناجم.
من جهة ثانية، شهد العام 1945 بداية حركة هجرة بصفوف البولنديين الفرنسيين المقيمين على الأراضي الفرنسية حيث فضّل هؤلاء العودة إلى وطنهم الأم للمساهمة في إعادة إعماره. وبتلك الفترة، شهدت فرنسا رحيل نحو 60 ألف بولندي فرنسي كان من ضمنهم الآلاف من عمال المناجم.
أمام هذا النقص الفادح بالعمال، لم تتردد السلطات الفرنسية في الاستعانة بأسرى الحرب الألمان لتعويض العمال البولنديين الفرنسيين بالمناجم. وبسبب ذلك، وجد عدد هام من الأسرى الألمان، الفاقدين للخبرة، أنفسهم بمناجم الفحم الفرنسية.
خلال العام 1946، تراجعت حدة الإضرابات بقطاع المناجم تزامنا مع تأميم السلطات الفرنسية لمناجم الفحم وإقرارها لجملة من الإصلاحات الاجتماعية لفائدة عمال المناجم. وبعام 1948، تجددت إضرابات عمال المناجم بفرنسا. وبمطالبهم عام 1948، حث عمال المناجم السلطات الفرنسية على تحسين ظروف عملهم ورفع قيمة أجورهم ورواتبهم التقاعدية.
بحلول العام 1947، تمكنت فرنسا من العودة لمستوياتها السابقة عقب نجاحها في انتاج حوالي 48 مليون طن من الفحم. وبالسنوات التالية، واصل الإنتاج ارتفاعه ليبلغ 51 مليون طن عام 1949. ومع تعافي قطاع انتاج الفحم، شهد مجال الإنتاج الصناعي ازدهارا حيث بلغ مستواه خلال شهر أيار/مايو 1948 حوالي 117 بالمائة مقارنة بما تم تسجيله ما قبل الحرب العالمية الثانية.